حبوب منع الحمل ـ تشجيع على"الخطيئة" أم على التحرر الجنسي؟
٥ مايو ٢٠١٠حاولت المرأة منذ القدم أن تتحكم بخصوبتها وبلغت غايتها إلى حد ما بشكل متفاوت إلا أن هذا الهدف لم يتحقق فعلا إلا في خمسينات القرن الماضي مع تطوير حبوب منع الحمل. ففي التاسع من أيار مايو 1960 أجازت الولايات المتحدة الأمريكية حبوب منع الحمل، وفي 18 أب أغسطس من نفس العام سمحت ببيعها في الأسواق. تحتوي الحبة على هرمونين من الهرمونات الأنثوية هما "أستروجين" و "بروجستين" بنسب متفاوتة وبشكل يوحي لجسد المرأة أنها حامل. حبوب منع الحمل تؤثر بشكل مباشر على الدماغ وتجعله يوقف إفراز ما يسمى بـ "هرمون مطلق لموجّهة الغدد التناسلية GnRH"، وبذلك لا تنضج بويضات جديدة في جراب المبيض ولا يحدث "إباضة"، أي لا تتم عملية إنتاج بويضة في الدورة الشهرية وبذلك لا يمكن للمرأة أن تحمل. والمرأة التي تستخدم حبوب منع الحمل بانتظام في أيامنا هذه يمكنها أن تحمي نفسها من الحمل بنسبة 100 بالمائة تقريبا.
تاريخ اكتشاف حبوب منع الحمل
يعود الفضل في اكتشاف حبوب الهرمونات لمنع الحمل إلى سيدتين أمريكيتين كانتا فوق سن السبعين آنذاك وهما المليونيرة كاثرين ميك كورميك Katherine McCormick والممرضة مارغريت سانغر Margaret Sanger اللتان كلفتا ثلاثة علماء بإجراء أبحاث بهذا الخصوص. هؤلاء الثلاثة هم الصيدليان الأمريكيان غريغوري بينكوس Gregory Pincus وجون روك John Rock والنمساوي كارل جيراسي Carl Djerassi، فقاموا بتطوير أول وسيلة لمنع الحمل باستخدام الهرمونات واستخدموا نساء بورتو ريكو الفقيرات "كفئران تجارب" وبشكل يعتبره البعض حتى اليوم منافٍ للقيم والأخلاق.
في عام 1961 أنتجت شركة شيرينغ Schering البرلينية أول حبوب أوروبية لمنع الحمل، فتدنت نسبة المواليد في السنوات اللاحقة بشكل واضح في الدول الصناعية.
واعتبرت حبوب منع الحمل آنذاك اكتشافا "ثوريا" يمكنه تغيير العالم ويتيح للنساء ممارسة الجنس بدون خوف من الحمل، وهو ما اعتبرته نساء كثيرات نقلة نوعية من أجل تحررهن. ومع أنها اعتبرت سلاحا لتحرير المرأة جنسيا، يؤكد المؤرخون أن الهدف الرئيسي منها في الخمسينيات كان وقف الفورة السكانية التي سجلت آنذاك لاسيما لدى الطبقات الفقيرة.
ثورة جنسية أم خطيئة؟
في البداية كانت المرأة تحتاج إلى موافقة الطبيب بشكل رسمي على تناول هذه الحبوب للحد من آلام الدورة الشهرية، أما حقيقة أن هذه الحبوب تمنع الحمل فقد كتب على العلبة ضمن الآثار الجانبية لتناول هذا "الدواء". والسبب في ذلك هو أن الجنس كان من "المحرمات" في المجتمع الألماني مطلع عقد الستينات. لكن لم يمض وقت طويل حتى أصبحت حبوب منع الحمل الشرارة التي أطلقت الثورة الجنسية منتصف الستينات. وهذا ما أثار حفيظة الكنيسة الكاثوليكية فسارع البابا باول السادس إلى اعتبار تناولها خطيئة، وحتى يومنا هذا ما زال الفاتيكان متمسكا بهذا الرأي.
بعد ذلك بسنوات بدأت الحركة النسائية بانتقاد حبوب منع الحمل لأنها تسبب على المدى الطويل زيادة كبيرة في كمية الهرمونات في جسم المرأة، وتعني أن تتحمل المرأة وحدها، دون الرجل، تبعات حياتهما الجنسية. ورغم مرور خمسين عاما على حبوب منع الحمل فما زال بعض الأطباء يعتقدون أنها تتسبب في إصابة النساء بالتخثر أو الجلطة وانسداد الأوعية الدموية، وهذا رغم التحسن الذي طرأ على جرعة الهرمونات في حبوب منع الحمل. لكن ورغم ذلك هناك ملايين من النساء اللائي يستعملن هذه الحبوب التي مازالت أكثر الوسائل المستعملة لمنع الحمل بعد خمسين سنة على اكتشافها.
الكاتبة: غودرون هايزه/ عبد الرحمن عثمان
مراجعة: عبده المخلافي