حرب محتملة بين روسيا وأوكرانيا.. فهل تنجح أوروبا في منعها؟
٢٨ نوفمبر ٢٠١٨أثارت واقعة احتجاز روسيا لثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية وطواقمها، بحجة دخولها المياه الإقليمية الروسية بشكل غير مشروع، مخاوف الغرب من نشوب صراع واسع النطاق بين موسكو وكييف، خاصة بعد إعلان أوكرانيا الأحكام العرفية في بعض أجزاء البلاد خوفا من "غزو روسي محتمل".
يأتي ذلك بعد أن زادت روسيا عدد دباباتها على الحدود مع أوكرانيا ثلاثة أضعاف، كما زاد عدد القوات المنتشرة هناك أيضا "بشكل دراماتيكي"، وفقا لما صرح به الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، والذي أضاف أن هناك مخاطر من وقوع "حرب شاملة"، بين البلدين.
مخططات روسيا
الخبير في الشؤون الدولية مكسيم يوسين من موسكو، يتحدث لـ DWعربية عن الأزمة مترامية الأطراف، مشيرا إلى أن روسيا "لا تنوي غزو أوكرانيا. فلو أرادت ذلك لفعلته في عام 2014 عندما كان الجيش الأوكراني غير موجود". واعتبر أن الهدف من تصريحات الرئيس الأوكراني بالأساس هو حشد الناخبين الوطنين أو القوميين قبيل الانتخابات الرئاسية، خاصة مع تراجع شعبيته في البلاد. ويعتقد الخبير الروسي أن الرئيس الأوكراني بوروشينكو يريد، أولا: إظهار نفسه كـ "أهم وطني في البلاد" من خلال إبراز نفسه كقائد للقوات المسلحة يدافع عن بلده ويتصدى للعدوان الروسي المفترض.
أما الهدف الثاني، بحسب الخبير، فهو إعاقة روسيا من خلال "وضع أكبر قدر ممكن من المشاكل في طريقها واستفزازها"، وإعطاء فرصة للغرب للضغط عليها من خلال فرض العقوبات. حيث ترى الدبلوماسية الأوكرانية أن العقوبات الغربية ستساهم في إضعاف الاقتصاد الروسي وستخلق مشاكل قومية واجتماعية في روسيا وبالتالي ستشهد البلاد انتفاضة ضد بوتين. وعلى خلفية هذه الأحداث ستستطيع أوكرانيا استرجاع القرم ودونباس.
من جهته، يقول رئيس تحرير موقع "أوكرانيا برس"، من كييف، صفوان جولاق لـ DW عربية: إن تصريحات الرئيس الأوكراني بيتر بوروشينكو، بخصوص الغزو الروسي، ليست بالجديدة أو وليدة اللحظة، بل تكررت خلال الأعوام القليلة الماضية، خاصة أن "الغزو قد بدأ بالفعل". كانت أوكرانيا تقول إنها تحارب الانفصاليين في شرق البلاد، أما الآن فإنها "تحارب روسيا بشكل مباشر". وذلك لأن المعدات والأسلحة تصل للانفصاليين من روسيا.
ويضيف جولاق أن تصريحات الرئيس الأوكراني تعبر عن مخاوف حقيقية، خاصة أن روسيا تستهدف لأول مرة سفنا عسكرية بالقرب من ميناء مدينة ماريوبول الأوكراني. ويعتبر هذا الميناء استراتيجيا بالنسبة لروسيا. وقد حاول الانفصاليون مرارا وتكرارا السيطرة عليه وذلك بسبب موقعه الجغرافي الجيد. إضافة إلى ذلك ترتبط ماريوبول بخط بري مباشر مع شبه جزيرة القرم وهذا يعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة لروسيا بعد أن ضمت القرم إليها.
وخلص رئيس تحرير موقع "أوكرانيا برس" إلى أنه عندما تستهدف روسيا السفن الأوكرانية في بحر آزوف وتفرض قيودا على دخول السفن، فروسيا تسيطر عمليا على كامل منطقة بحر آزوف وبالتالي تخنق مدينة ماريوبول. ونوه إلى أن روسيا لم تعلن عن رغبتها باحتلال أوكرانيا، لكن يبدو أنها تنتهج نهجا لم ينتهجه الاستعمار التقليدي من خلال الاستحواذ على مناطق.
ويصف جولاق ما يحدث الآن بأنه محاولة روسية "للاستحواذ" على مناطق جديدة في شرق أوكرانيا. ولذلك يرى أن ما يقوله الرئيس الأوكراني "منطقي ويستند إلى حقائق على الأرض".
حقيقة النوايا الروسية
وتتهم روسيا -التي تزعم بأنها تصرّفت "بشكل يتطابق مع القانون الدولي"- السفن الأوكرانية (وهي سفينتان حربيتان وقاطرة) بالدخول بشكل غير قانوني إلى المياه الإقليمية الروسية قبالة القرم. وتعتبر ذلك "استفزازاً" قامت به أوكرانيا.
وحذرت موسكو كييف من القيام بأي عمل "متهوّر" بعد فرض أوكرانيا قانون الطوارئ، رداً على احتجاز السفن. وطلب بوتين من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الضغط على أوكرانيا.
وعبّر بوتين خلال مكالمة هاتفية مع ميركل عن قلق موسكو "البالغ" من الواقعة، منددا بـ"انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي" من جانب السفن العسكرية الأوكرانية، وفق بيان للكرملين.
وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير في الشؤون الدولية، مكسيم يوسين، بأن روسيا لا تستطيع الاستهتار بتصريحات الساسة الأوكرانيين بعد افتتاح جسر القرم حول وجوب تفجير جسر القرم، لذلك تولي روسيا اهتماما كبيرا بالجسر وتأخذ كل التصريحات على محمل الجد.
لكن رئيس تحرير موقع "أوكرانيا برس"، يرى أن روسيا ماضية في مشروع استراتيجي للاستحواذ على مناطق نفوذ واسعة في منطقة شمال البحر الأسود والآن في منطقة شرق أوكرانيا، حيث أكد أنه لا يمكن فهم تصريحات روسيا إلا في هذا الإطار.
طبول الحرب تقرع
ودخل قانون الطوارئ في أوكرانيا حيّز التنفيذ صباح الأربعاء في عشر مناطق حدودية. وسيُتيح على مدى شهر للسلطات الأوكرانية أن تقوم بتعبئة مواطنيها وتنظيم وسائل الإعلام والحدّ من التجمّعات العامّة.
وأشار المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى "احتمال أن يشكل ذلك خطراً بما أن أفعالا كهذه قد تؤدي إلى تصعيد التوترات" خصوصاً في حوض دونباس في الشرق الانفصالي في أوكرانيا.
مدير القسم الأوكراني في DW بيرند يوهان كتب قائلا: إن القانون الدولي يقف لصالح أوكرانيا، حيث أن روسيا انتهكت الاتفاقية الدولية البحرية والمعاهدة الثنائية مع جارتها أوكرانيا حول استخدام بحر آزوف. فالاتفاقية تنص على حرية حركة السفن، بما في ذلك المعدات العسكرية.
من جهته، يقول جولاق إن الحرب بالفعل تقرع طبولها في منطقة شرق أوروبا وتحديدا في شرق أوكرانيا. وأضاف: "أود أن أشير إلى أن هذه الحرب ستأتي بالسلب على أوكرانيا أولا وعلى كامل القارة الأوروبية ثانيا. وهناك مخاوف لدى الاتحاد الأوروبي من توسع نفوذ روسيا، وخاصة أن روسيا قد أجرت خلال الأعوام القليلة الماضية الكثير من المناورات الضخمة في منطقة بحر البلطيق. وعبرت دول البلطيق إضافة إلى أوكرانيا عن مخاوفها من هذه المناورات، وبالتالي المخاوف مخاوف أوروبية بشكل رئيسي".
وباتت شبه جزيرة القرم منطقة معزولة عن العالم، إلا أن روسيا استغلتها كأرض خصبة لنشر ترسانتها العسكرية، كما يرى جولاق. وهذا بدوره سيكون تهديدا مباشرا لدول الاتحاد الأوروبي، وقبل كل شيء لأوكرانيا.
خشية أوروبية.. وانقسام
الاتحاد الأوروبي لا يبدو قادرا على اتخاذ موقف موحد حيال ما يجري. بولندا أيدت فرض عقوبات إضافية على روسيا، إلا أن نائب رئيس وزراء إيطاليا ماتيو سالفيني يعارض فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، داعياً الأطراف إلى الحوار.
ويقول الخبير في الشؤون الدولية، مكسيم يوسين، إن أوروبا قدمت وساطتها في حلحلة القضية، حيث أجرت المستشارة الألمانية محادثات هاتفية مع الرئيس الروسي مساء الاثنين حول الأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا. و"أرى أن الحل الأمثل لحل القضية هو التوسط الفرنسي - الألماني، ولكنني أعتقد أنهم سيواجهون صعوبات في إقناع السلطات الأوكرانية كي تغير وجهة نظرها.
في حين يرى رئيس تحرير موقع "أوكرانيا برس" أن هناك مخاوف أوروبية من نشوب حرب ليس من مصلحة أوروبا نشوبها. وأشار إلى مسألة سعي الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية لإنشاء جيش أوروبي، قائلا إنه يتفهم الفكرة جيدا، حيث سيكون هذا الجيش بديلا عن حلف الناتو. وينظر القادة الأوروبيون إلى روسيا كقطب يهدد القارة من جهة الشرق وفي هذه الحالة إنشاء جيش أوروبي سيكون مبررا.
وفي خضم هذه الأزمة المحتدة، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء بإلغاء لقائه الثنائي المقرر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين، بسبب احتجاز حرس السواحل الروس ثلاث سفن عسكرية أوكرانية.
وقال ترامب إنه ينتظر تقريرا من مستشاريه للأمن القومي ستكون استنتاجاته "حاسمة". وصرح لصحيفة واشنطن بوست "ربما لن أجري هذا اللقاء" مع بوتين.
وتطالب روسيا بالسيطرة على هذا المضيق، الممر البحري الوحيد الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف. واتهمت كييف والدول الغربية بشكل متكرر في الأشهر الأخيرة روسيا بتعمد "إعاقة" إبحار السفن التجارية بين البحر الأسود وبحر آزوف.
سامي آغا