حماس وإسرائيل ودوامة تحميل المسؤولية للطرف الآخر
١٦ مايو ٢٠١٨المنطقة الحدودية في غزة شهدت سقوط عدد كبير من الضحايا الفلسطينيين وصل إلى 62 قتيلا، إضافة إلى 3200 جريح، بحسب وزارة الصحة الفسطينية في القطاع. وكان يوم الاثنين (14أيار/ مايو) الأكثر دموية في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني منذ حرب غزة في صيف عام 2014.
وبينما حملت الدول العربية ومعظم الدول الإسلامية إسرائيل المسؤولية عن ما يجري على حدود القطاع، واصفة ذلك بأنه "مجزرة غزة"، جاءت ردود الفعل الغربية بمعظمها داعية لضبط النفس وتشكيل لجنة تحقيق محايدة، مع دعم لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس. وحدها الولايات المتحدة انحازت للموقف الإسرائيلي بالكامل وحمّلت حركة حماس المسؤولية عن أحداث مسيرات العودة.
فكيف برر كل طرف موقفه السياسي وتحميل الآخر للمسؤولية في هذه القضية؟
نقد لإسرائيل حتى من إسرائيليين
حركة حماس رفضت من جانبها تحميل واشنطن لها مسؤولية أحداث غزة التي وقعت الاثنين. وقال الناطق باسم الحركة، سامي أبو زهري، في تغريدة له على موقع تويتر: "تحميل البيت الأبيض حركة حماس المسؤولية عن أحداث غزة هو قلب للموازين، وتبرير وقح للمجزرة بحق المدنيين الفلسطينيين، وإصرار على معاداة الأمة واستفزازها".
من أبرز مطالب مسيرة العودة، إنهاء الانقسام الفلسطيني، وحل جميع القضايا المتعلقة بتطبيق بنود المصالحة الفلسطينية كاملة وتسليم ما تبقى للشرعية الفلسطينية تحت الرعاية المصرية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين لمنازلهم التي هجروا منها في حرب عام 1948.
ولكن إسرائيل تحمل حماس المسؤولية عن ما جرى. وتقول الحكومة الإسرائيلية إن ما قامت به هو "دفاع عن النفس".
"حركة حماس هي من أشعلت الحدود، وجلبت أطفالا صغارا ونساء كي يقتلوا هناك. حماس حاولت اختراق الحدود"، يقول بنحاس عنباري، الباحث في مركز القدس لأبحاث الدولة والمجتمع.
ولكن هناك أصواتا في إسرائيل تخالفه الرأي. ومنها ما كتبته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الرصينة: "في أجواء الغطرسة التي استحوذت على النظام السياسي، تحت رعاية رئيس أمريكي متعاطف، استجاب لكل نزوات رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يرفض السلام، تبقى لنا أن نأمل فقط بأن يبذل جنود الجيش الإسرائيلي اليوم على الأقل، يوم النكبة، ذروة مسيرة العودة التي أعلن عنها الفلسطينيون، كل ما في وسعهم لمنع قتل جماعي آخر".
لكن هذه الآراء التي حملت إسرائيل المسؤولية لقيت آذانا صماء عند القيادة الإسرائيلية. وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان دعا جنوده إلى عدم الالتفات إلى معارضي طريقة الجيش في التعامل مع احتجاجات قطاع غزة. وكتب ليبرمان على موقع تويتر: "لا تستمعوا إلى جوقة المنافقين حول العالم".
سعوديون يحملون حماس المسؤولية
من بين كل الدول الإسلامية برز رد الفعل التركي، الذي كان الأكثر حدة، سواء في الشارع أو على الصعيد السياسي الرسمي. والطلب من السفير الإسرائيلي في أنقرة ودبلوماسيين آخرين المغادرة بدا لافتا.
وعربيا بدأت الجامعة العربية الأربعاء اجتماعا على مستوى المندوبين الدائمين تحضيرا لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب الخميس في القاهرة "لمواجهة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني (...) وقرار الولايات المتحدة غير القانوني" بنقل سفارتها إلى القدس.
هذا هو الموقف الرسمي المعتاد. ولكن غير المعتاد هو بروز أصوات عربية داعمة لإسرائيل، معتبرة أن المواجهة مع "حركة إرهابية".
وأبرزها ما كتبه الكاتب السعودي المعروف، تركي الحمد، ووصفه ما يجري على حدود قطاع غزة بأنه "مناورة إيرانية".
كما هاجم الإعلامي السعودي منصور الخميس، مسيرات العودة وتظاهرات الفلسطينيين بذكرى النكبة، ووصف حماس بأنها "حركة إرهابية تتاجر بالدماء". كما هاجم اللواء في الجيش السعودي، الدكتور زايد العمري، حماس واتهم قاداتها بأنهم "ضحوا بالشعب الفلسطيني لأجل إيران". أما الصحفي السعودي طراد الأسمري فساوى بين حماس وإسرائيل.
إيقاف المظاهرات لأنها "ضارة بصورة إسرائيل"
الأمم المتحدة انتقدت إسرائيل. وأعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان أن أي فلسطيني يتظاهر في غزة يمكن أن يتعرض "للقتل" برصاص الجيش الإسرائيلي سواء كان يشكل تهديدا أو لا.
وفيما صدرت دعوات دولية عدة من أجل تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتحديد المسؤولية، رفض الإسرائيليون ذلك.
بنحاس عنباري، الباحث في مركز القدس لأبحاث الدولة والمجتمع، يرى أنه لا داعي للتحقيق. فإسرائيل "دافعت عن حدودها بصورة مسؤولة. ثلاثين إلى أربعين ألف شخص أرادوا اقتحام الحدود. هذا يعتبر غزوا وعملا عسكريا"، على حد تعبيره.
لكن حماس لم تطلق هذا الحراك (أي مسيرات العودة)، برأي مارسيل بوت، الخبير الألماني بشؤون الشرق الأوسط، وإنما "كانت بمبادرة من أشخاص عاديين". وإن كانت "حماس دعمت هذه المسيرات لاحقا واستغلتها لمصالحها"، يضيف بوت.
ويرى بوت أن هناك من يحاول تحميل حماس المسؤولية عن ما جرى. و"هذا صحيح جزئيا"، برأي بوت. و"لكن المسؤولية تتحملها إسرائيل أيضا. فلماذا يتم استهداف فتى فلسطيني عمره 15 عاما ويحمل زجاجة مولوتوف برصاصة بالقلب، بدلا من الساقين مثلا".
والهدف من هذا الرد العنيف من الإسرائيليين، برأي بوت، هو "أن الجيش الإسرائيلي يريد بتصرفه هذا إخافة المشاركين بالمظاهرات، كي يتوقفوا عنها. لأن هذه المظاهرات ضارة بصورة إسرائيل أمام العالم".
ف.ي/س.أ