حماية الغابات الشمالية تعني حماية للمناخ
٢ مارس ٢٠١٠تعمل الرافعة على نقل جذوع الأشجار الضخمة، الواحدة تلو الأخرى دون صعوبة تذكر. وعلى مدى ساعات، تتواصل عملية شحن جذوع الأشجار فوق بقعة جرداء في وادي بيكين في أقصى الشرق الروسي حيث تبلغ درجة الحرارة ثلاثين درجة مئوية تحت الصفر. ويقوم يوغيني لبيوشكين، خبير الغابات في صندوق حماية الحياة البرية (WWF)، بتصوير المشاهد المتتابعة أثناء عملية إخلاء المنطقة من بقايا الأخشاب، فما يحدث في ذلك المكان يبعث -على غير العادة- الفرح في نفسه. فاتخاذ القرار وتحديد ما ينبغي القيام في هذه المنطقة الشاسعة التي تبلغ مساحتها 460 ألف هكتار، أصبح مسؤولية السكان الأصليين وصندوق حماية الحياة البرية (WWF)، منذ قيامهم باستئجار تلك الغابة المهددة بالقطع الجائر، من الدولة الروسية لمدة 49 عاما.ويصف ليبوشكين هذه الغابة الشمالية الباردة قائلاً:"تلعب الأدغال هنا دوراً هاماً في حماية البيئة، وإذا وضعنا في الاعتبار فقط المنطقة التي قمنا باستئجارها، فإن الأشجار فيها تمتص كمية من غاز ثاني أكسيد الكربون تصل إلى 48 مليون طناً".
وتدعم الحكومة الألمانية وفرع صندوق حماية الحياة البرية الألماني هذا المشروع بمبلغ 2.5 مليون يورو على مدى ثلاثة أعوام، وذلك في إطار المبادرة العالمية لحماية البيئة. وبعد انقضاء هذه الفترة الزمنية، من المخطط أن يتم توفير الدعم للمشروع عبر بيع شهادات انخفاض الانبعاث الكربوني.
دور هام للغابات الشمالية في حماية المناخ
إن قسما كبيرا من غابات وادي بيكين تعد جزءاً مما يطلق عليه "الغابات الشمالية الباردة"، والمعروفة أيضاً بـ"الغابات المخروطية" نظراً لكونها مغطاة بأوراق إبرية دائمة الخضرة، مثل أشجار الصنوبر والشربين والبتولا. والغابات الشمالية الباردة تمثل أكثر من ثلث مساحة الغابات في العالم، وتشكل حزاماً أخضراً يمتد شمال خط الاستواء بين خطي العرض 40 و70. وتقع 60 بالمائة من هذه الغابات في روسيا، لكن طبقا لتقديرات المنظمة الروسية غير الحكومية "نادي الغابات الروسي"، المعنية بحماية الغابات، فإن المساحة التي تتمتع بالحماية الكافية لا تتجاوز ثلاثة في المائة من مجمل مساحة هذه الغابات في روسيا. هذا الوضع دفع "شبكة حماية الغابات الشمالية الباردة" إلى تقديم الدعم لمنظمات حماية البيئة الروسية بشكل خاص وللشعوب الأصلية في جهودهم لمكافحة القطع الجائر لتلك الغابات. وكما جاء تقرير حديث للشبكة، فإن "منطقة الغابات الشمالية الباردة تمثل منطقة هامة من الناحية البيئية، ونظرا إلى حساسية تلك الغابات وكبر مساحتها فيمكن لها أن تؤثر على المناخ بشكل كبير."
قنبلة موقوتة تهدد المناخ
لكن غابات الصنوبر في كندا والدول الاسكندينافية أيضا مهددة بأخطار القطع الجائر والاستغلال المتزايد لتلك الغابات. وتنشط منظمة غرين بيس "Greenpeace" منذ سنوات في شمال كندا وفنلندا لوقف أو للحد على الأقل من القطع الجائر للغابات. وقد زادت هذه الظاهرة بشكل حاد في هذين البلدين نسبة للحاجة المتزايدة للأخشاب في قطاع صناعة الورق. ولا تعتبر حماية غابات الصنوبر ضرورية نظرا إلى قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون فحسب، بل كذلك إلى القدرة العالية التي تتمتع بها هذه الأشجار في مقاومة التبعات الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض. وبحسب نتائج دراسة أجراها علماء كنديون بتكليف من منظمة غرين بيس " Greenpeace" فإن القطع الجائر يستهدف الأشجار القوية في تلك الغابات بوجه خاص. ويأتي على رأس المشاكل أيضا ذوبان الأرضية الجليدية حيث تنمو معظم الغابات الشوكية، إذ إن هناك تلك الأرضية المتجمدة تخزن في باطنها كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، ويؤدي ذوبانها إلى تصاعد الغازات الضارة وعلى رأسها غاز الميثان إلى الجو. ويمكن الحيلولة دون ذلك كما يرى أوليفر سالغا خبير الغابات في منظمة غرين بيس، بالحفاظ على الغابات وحمايتها، وعلى العكس من ذلك فإن تدميرها يكون "بمثابة قنبلة زمنية موقوتة لما لذلك من أثر بالغ الضرر على صحة المناخ." بحسب الخبير الألماني.
"الغابات الاستوائية ليست وحدها المتضررة"
عندما يدور النقاش حول حماية الغابات، لا تعطى الغابات في المناطق الباردة اعتبارا كبيرا، ويرجع فرانك مورشل منسق شؤون الغابات في صندوق حماية الحياة البرية السبب إلى "وجود فجوة في تصور الوعي العام لهذا الموضوع". ويضيف مورشل الذي يتولى من الجانب الألماني الإشراف على مشروع وادي بيكين شرقي روسيا قوله، بأن الغابات الاستوائية وحمايتها تمثل موضوعا جذابا وغير مألوف للكثيرين، "فالمشاهد التي تصور الأشجار العملاقة وهي تهوي إلى الأرض كما تعرض في شاشات التلفزيون، مأساوية إلى حد بعيد." وهو يلفت النظر إلى عدم تجاهل التطورات السلبية في الغابات الصنوبرية لأنها لا تقل سوءا عن مثيلها في الغابات الاستوائية.
لكن لحسن الحظ هناك فسحة كبيرة من الزمن، أي خمسون عاما تقريبا، أمام الناشطين في مجال البيئة للعمل على حماية الغابات في وادي بيكين على الأقل. ويأمل هؤلاء أن تضم روسيا تلك المنطقة إلى المحميات الطبيعية في البلاد بعد انقضاء تلك المدة، لتخضع للحماية بشكل رسمي. ويمكن لوجود فصيلة النمور النادرة المهددة بالانقراض Amur-Tigers في تلك المنطقة ولشهرة سكانها الأصليين، أن تمثل عوامل تسرع من ضمها للمحميات الطبيعية. وسيجتمع في فالديفوستوك الروسية خريف هذا العام 2010 السياسيون من مختلف البلاد التي توجد فيها نمور من فصيلة Amur-Tigers. وإذا ما وضع رئيس الوزراء الروسي حماية منطقة وادي بيكين على رأس أولوياته، فإن النمور النادرة لن تكون المستفيد الوحيد من ذلك، إذ إن ذلك سيكون له فوائد أخرى تمس المناخ العالمي.
الكاتبة: مارايكا آدن/ نهلة طاهر
مراجعة: سمر كرم