حمى شراء ومخابئ حصينة.. الخوف من الحرب يزداد في ألمانيا!

التغير المناخي وجائحة كورونا، والآن الهجوم الروسي على  أوكرانيا، وهو الذي طغا على كل شيء! أخبار الأزمات لا تنقطع! والشعور بالأزمات ينتشر في ألمانيا مرة أخرى، وسط مؤشرات واضحة على انتشار الخوف بين الألمان: رفوف خالية من البضاعة في محلات السوبرماركت وتقييد شراء المعكرونة والخميرة بكميات معينة، إذ بدأت حمى الشراء تنتشر مرة أخرى بين الألمان، كما كان الأمر في بداية جائحة كورونا. وبدلاً من مناديل المراحيض وقتها، زاد الطلب على زيت عباد الشمس هذه المرة!
مخاوف من نقص المواد الغذائية الأساسية
في الأسابيع والأشهر المقبلة، من المتوقع وجود "قيود على تدفق سلع زيت عباد الشمس والكتان وفول الصويا من منطقة الصراع"، كما حذر اتحاد صناعة معالجة البذور الزيتية في ألمانيا. وتعد أوكرانيا  وروسيا  من بين أهم دول العالم المصدرة لزيت عباد الشمس. وتغطي ألمانيا 94 في المائة من احتياجاتها من الواردات. وبدافع القلق من أنه سيكون هناك "نقص قريب" في المواد الغذائية الأساسية الأخرى، يزداد الطلب بشكل جنوني على سلع أخرى أيضاً مثل المعكرونة والطحين، وذلك رغم أن قطاع صناعة المواد الغذائية يزيل المخاوف من احتمال انقطاع توريد تلك المواد.

وكان وزير التغذية الألماني جيم أوزدمير قد ناشد المواطنين "عدم التكالب على الشراء وتكوين مخزونات غير ضرورية بدافع الذعر" بسبب الحرب في أوكرانيا وارتفاع الأسعار. وقال أوزدمير في تصريحات لمحطة "آر تي إل ديركت" التلفزيونية مساء الثلاثاء: "رجاء لا تتكالبوا على الشراء، ليس هناك داع لذلك. لقد قمنا بتأمين الإمدادات"، مضيفا أنه أجرى محادثات مع ممثلي القطاع التجاري، وقال: "لقد قالوا أيضاً بوضوح شديد إن الوضع لديهم تحت السيطرة، والإمدادات مضمونة!".

ولا يتوقع اتحاد التجارة الألماني نقصاً في إمدادات المواد الغذائية بألمانيا رغم الحرب في أوكرانيا. وقال نائب رئيس الاتحاد بيورن فروم في تصريحات للقناة الثانية في التليفزيون الألماني (زد دي إف) الثلاثاء: "ليس علينا الترشيد على نحو كبير، هناك مواد غذائية كافية لكل السكان".

ووفقاً لاستطلاع إجراه مركز "فورسا" للإحصاء، يخشى 69٪ من الذين شملهم الاستطلاع من أن الناتو، وبالتالي الجيش الألماني، قد  ينجرف إلى الحرب. ووفقاً لاستطلاع آخر "دويتشلاند ترند"، فإن العديد من المشاركين مقتنعون بأن الصراع سيخلف أثرا على ألمانيا، إذ توقع 64% تدهور الوضع الاقتصادي. وحتى الآن، كان رد فعل معظم الألمان هادئاً. ومع ذلك، فإن الحرب، التي يمكن متابعتها بشكل عبر البث المباشر على الشبكات الاجتماعية، والتي هي أقرب جغرافياً من أي صراع عسكري منذ فترة طويلة، تثير مشاعر الكثيرين من الألمان.
الحديث عن المخاوف
كثير من الألمان يطلبون المساعدة عبر خط ساخن مخصص للتعبير عن المخاوف. وتقول كريستينا زاغاكوفسكي من الخط الساخن في مدينة كولونيا: "أصبحت الاستفسارات مكثفة للغاية"، مشيرة إلى أن 20% من المكالمات كانت عن الحرب، عبر فيها الناس عن مخاوفهم من وصولها إلى ألمانيا وحدوث أشياء مثل "مقتل أفراد عائلاتهم أو أصدقائهم وقصف منازلهم وحدوث أشياء سيئة للغاية كما يراها المرء في وسائل الإعلام"، كما تقول زاغاكوفسكي، التي ترى أنه من الجيد أن يعبر الناس عن مخاوفهم.
ومن المتصلين شباب ولدوا وترعرعوا في ظل السلام الأوروبي، يعبرون عن قلقهم بشأن المستقبل، ولكن أيضاً أفراد الجيل الذي عاش الحرب العالمية الثانية، والذين تثير لديهم صور الدمار في أوكرانيا مخاوف عميقة الجذور.
يقول مفوض شؤون الفقر بالكنيسة الإنجيلية في منطقة نويكولن ببرلين، توماس دي فاشروي: "لقد استبعد هذا الجيل كافة (المخاوف) في أوقات السلم، والآن ظهرت (المخاوف) من جديد"، ويضيف فاشروي، الذي يدير مرفقاً لذوي الاحتياجات الخاصة، يعيش فيه العديد من كبار السن أيضاً: "إنهم يخشون بشدة أنه في مرحلة ما سيتم تجاوز الخط الأحمر، ويتدخل الناتو وبعد ذلك سيرى الجميع اللون الأسود. يجب أن أخبرك بصراحة أنني أيضاً أرى الأمر الآن بهذه الطريقة".
"ماذا يحدث في هذا العالم؟"
لكن المقيمين الأكبر سناً في المرفق لا يقلقون على أنفسهم بقدر قلقهم على أطفالهم وأحفادهم، بحسب دي فاشروي. فبالنظر إلى تجاربهم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بين عامي 1945 و1955، يقولون: "لن يستطيع أحفادنا أن يتحملوا ما مررنا به بعد الحرب من (محاولة) النجاة من الجوع والبحث عن الطعام في الحقول وعدم توفر ملابس (كافية)"، ويضيف دي فاشروي: "يجلسون أمامك ويفكرون: يا إلهي! ماذا يحدث في هذا العالم؟".
هذه المخاوف يأخذها على محمل الجد الرئيس الألماني للرابطة الطبية العالمية فرانك أولريش. ويطالب أولريش بمعالجة الخوف من الحرب بين الناس ويقول لصحف مجموعة "فونكه الإعلامية": "من المهم أن يؤخذ الأشخاص الذين يخشون الحرب على محمل الجد وألا يتم التقليل من شأن مشاعرهم"، ويضيف: "الخوف من حرب نووية ليس خوفاً غير حقيقي تماماً. ولهذا لن يفيد مواجهة ذلك الخوف بالحجج العقلانية فقط".
"البقائيون" يستعدون للأسوأ!
لكن من المؤكد أن الحجج العقلانية لن تقنع أولئك الذين كانوا يستعدون للأزمات والكوارث لسنوات، وهم ما يطلق عليهم "البقائيون" (Prepper)، وهم أشخاص يعملون استعدادا للحالات الطارئة. إنهم يفترضون الأسوأ دائماً! والآن يقدمون على الإنترنت حقائب ظهر للبقاء على قيد الحياة،  وأقراص اليود  لـ"الحماية من النشاط الإشعاعي في  الحوادث النووية"، ومولدات الطاقة في حالات الطوارئ، ويقدمون "نصائح للمبتدئين".
لكن الخوف تجارة مربحة للبعض، خصوصاً بالنسبة للشركات الأمنية! وتلقى شركة "Bunker Schutzraum Systeme Deutschland BSSD" المتخصصة في أنظمة  بناء المخابئ  للحماية، ومقرها برلين، إقبالاً متزايداً في الآونة الأخيرة. ويقول مدير التواصل في الشركة مارك شميشن لـDW: "قبل الآن، كان عدد الزيارات اليومية لموقعنا الإلكتروني يتراوح بين 100 و 300 زيارة. مع بداية الحرب، ارتفع العدد إلى أكثر من 10000"، مشيراً إلى أن الاستفسارات كانت تدور حول إنشاء غرف فولاذية صغيرة، تسمى "غرف الذعر المنبثقة"، أو حول الأقبية أو المرائب التي يتم تحويلها إلى ملاجئ، فضلاً عن إنشاء مخابئ مقاومة للقنابل الذرية!
وأطلقت الشركة خطاً ساخناً من ستة هواتف لمدة أسبوعين، من الساعة الثامنة صباحاً حتى العاشرة مساء. يقول شميشن: "كانت لدينا عشر مكالمات في الساعة لكل هاتف"، مضيفاً أن العديد من المتصلين كانوا يريدون معرفة ما يجب فعله في حالة الطوارئ.
تحذيرات من هجمات إلكترونية!
بالنسبة للعديد من الألمان، فإن انقطاع إمدادات الكهرباء والماء سيكون كابوساً، وسط مخاوف "مبررة" من  هجمات إلكترونية من قبل "هاكرز بوتين" على البنية التحتية الحيوية في ألمانيا. وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر دعت إلى أخذ هذا التهديد على محمل الجد. كما أصدر المكتب الاتحادي لأمن المعلومات (BSI) تحذيراً بشأن استخدام البرنامج الروسي للحماية من الفيروسات "كاسبرسكي".
من جانبه اعتبر المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث (BBK) في رد على سؤال من DW أن انقطاع التيار الكهربائي بسبب هجوم للقراصنة الروس "ممكن من حيث المبدأ". وأنشأ المكتب قسماً خاصاً للحرب في أوكرانيا على موقعه الإلكتروني. ورغم أن كثيرين في ألمانيا كانوا يعتبرون في السابق أن التهديد الحالي المتعلق بالحرب في أوكرانيا "غير محتمل"، إلا أن المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث يقول إنهم كانوا يتوقعون ذلك، مضيفاً أنه في هذا الصدد لم يتغير شيء في السيناريوهات "بل على الأرجح حدث التغير في كثافة الاستعدادات".

رالف بوزن/م.ع.ح