خبير ألماني: مبادرة أبناء القذافي جاءت بعد إدراكهم بأن القضاء على الثوار غير ممكن
٤ أبريل ٢٠١١يشتد الخناق على نظام القذافي بعد أن بدأت الضربات العسكرية على كتائبه تضعف من قدراته العسكرية في مواجهة الثوار المطالبين بسقوط نظامه ورحيله هو وأبنائه عن السلطة في ليبيا. وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز أن اثنين على الأقل من أبناء القذافي هما سيف الإسلام والساعدي، يعرضان عملية انتقال إلى ديمقراطية دستورية تتضمن رحيل والدهما عن السلطة. وتطرح هذه المبادرة أن يتولى سيف الإسلام القذافي إدارة المرحلة الانتقالية.
غير أن الشكوك تدور حول مدى مصداقية العرض المقدم من عائلة القذافي، كما يقول، ميشائيل باور، خبير منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بمركز الدراسات السياسية التابع لجامعة ميونيخ، والذي يضيف في حوار مع دويتشه فيله"أهم ما في هذه المبادرة من أبناء القذافي، هو المبادرة نفسها. أي اتخاذ طريق الحوار لحل النزاع. ولكن يبقى السؤال: من سيدعم هذه المبادرة وهل هي ذات مصداقية؟".
معركة كسب الشرعية
استخدام القذافي القوة العسكرية خلال الأسابيع القليلة الماضية ضد شعبه محاولا البقاء في السلطة بعد 42 عاما من حكم ليبيا، سحبت منه ورقة الشرعية كشريك حوار من قبل دول عديدة في المجتمع الدولي، كما يؤكد ميشائيل باور، والذي يتسائل عن صاحب الكلمة الأخيرة في هذه المبادرة. إن كان القذافي نفسه أم أبناؤه؟
ويقول الخبير الألماني:" السؤال الآن هو هل يمكن لأبناء القذافي طرح تصور مستقبلي لليبيا بدون وجود والدهم؟ أعتقد أن هذا يعتمد بالدرجة الأولى على نوعية العرض الذي يقدمونه. وهذا سيكون بكل تأكيد محور التفاوض الذي سيدور حوله العرض. بجانب نقاط كثيرة مثل كيفية معالجة الماضي مع عائلة القذافي. لو حدث هذا فانه سيكون أمرا صعبا بكل تأكيد". مشيرا إلى أن أطراف التفاوض بحاجة دائما لأوراق قوية لتحقيق النتائج على طاولة المفاوضات.
وموقف المجلس الوطني الانتقالي الذي يمثل الثوار الليبيين بدا واضحاً برفض فكرة مرحلة انتقالية يقودها احد أبناء القذافي. فقد قال المتحدث باسم المجلس شمس الدين عبد المولى إن "على القذافي وأبنائه أن يرحلوا قبل أي مفاوضات دبلوماسية". ولكن هل يملك هذا المجلس شرعية الحوار، حتى لو اعترفت به دولا أوروبية عدة كشريك على طاولة المفاوضات وممثل للشعب الليبي؟
وقد جاء احدث اعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي من روما، حيث أكد وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني اليوم الاثنين(4 أبريل/نيسان) أن إيطاليا تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي لتكون بذلك ثاني دولة أوروبية بعد فرنسا تقدم على تلك الخطوة.
ويطرح السؤال حول من يملك المصداقية؟ صاحب الشرعية أم من يملك تغيير الأحداث على الأرض وإيجاد الحلول؟ يقول ميشائيل باور:"نفس المعضلة دائما، هل يكفي التعامل بطريقة أخلاقية لإيجاد الحلول لمثل هذه المشاكل. ولكن من جانب آخر فان على المرء أن يتعامل مع الأشخاص، الذين بإمكانهم تحقيق أقوالهم". متسائلا عن قدرة الثوار والمجلس الانتقالي الالتزام بما يعدون به.
الحوار بعد السلاح؟
عدم قدرة طرفي النزاع في ليبيا على حسم الصراع عسكريا يدفعهما للتفكير بطريقة أخرى لإنهائه عبر استخدام لغة الدبلوماسية. إلا أن المعضلة هي انه لا يمكن الحديث هنا عن طرفين فقط، كما يرى المراقبون، لان دخول قوى دولية وإقليمية تحرك الأحداث على طول وعرض الأراضي الليبية قد منحها كلمة في الصراع الدائر. فبجانب القذافي ونظامه والثوار ضده، هناك دول حلف الناتو، وبالذات فرنسا، وبريطانيا والولايات المتحدة. وهناك أطراف عربية وإقليمية، مثل قطر وتركيا.
وحول ذلك يقول ميشائيل باور: "لو القينا نظرة فاحصة على الوضع الليبي، فسوف نجد أن كل الأطراف لها مصلحة بإنهاء الصراع في أسرع وقت ممكن. ليس نظام القذافي فقط، بل حتى القوى الغربية التي تشارك حاليا في العمليات العسكرية ضده. والقذافي يعلم أن القضاء على الثوار بوجود الغطاء الجوي الذي توفره القوى الغربية قد أضحى أمرا غير ممكن. من جانب آخر فان النظام بدأ ينهار من الداخل أيضا، الدليل على ذلك، هروب وزير الخارجية موسى كوسا."
ومن جانب آخر يشير الخبير الألماني إلى مسألة أخرى: "الحيرة، التي يعاني منها الناتو نفسه. إذ يبدو أن الناتو قد أساء تقدير قوة الثوار. ما يعني، أن مصادر القوة التي على الأرض هناك والتي يمكنها تغيير النظام في ليبيا ليست واقعية، كما كان متصورا من قبل".
هل الجميع في مأزق؟
عوامل أخرى تدفع الجميع وخاصة دول الناتو، التي لا يوجد بينها توافق على طبيعة إدارة الصراع في ليبيا، إلى البحث عن طريق يقود إلى مخرج. فبجانب الموقف الألماني المتحفظ على استخدام القوة في ليبيا هناك تصور مختلف لدى الولايات المتحدة من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى. كما يضيف ميشائيل باور: "فرنسا وبريطانيا، استعدا لمواجهة طويلة الأمد مع نظام القذافي، أما الولايات المتحدة، فإنها لا ترغب بدخول صراع طويل الأمد في ليبيا. وحلف الناتو على علم، أن إنهاء الصراع بالوسائل العسكرية، هو أمر غير ممكن، الأمر الذي دفع ببريطانيا، لأن ترسل وفدا إلى بنغازي للحديث عن مرحلة ما بعد القذافي".
إلا أن أزيز الطائرات مازال يسمع في سماء ليبيا، والقتال داخل المدن الليبية مازال يحتدم بين قوى الثوار مدعومة من طائرات حلف شمال الأطلسي وبين كتائب القذافي. ويحاول الطرفان الحصول على مغانم اكبر تمنحهما أوراق لعب مهمة على طاولة المفاوضات.
عباس الخشالي
مراجعة: منصف السليمي