خبير موريتاني: غياب الإرادة يعطل حل معضلة الصحراء الغربية
٦ نوفمبر ٢٠١٥
في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1975 نظم العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني مسيرة شعبية حاشدة شارك فيها 350 ألف مدني سماها بـ "المسيرة الخضراء"، مكنته من بسط السيادة المغربية عمليا على إقليم الصحراء الغربية الذي كان مستعمرة اسبانية. وبدعم من كل من نظامي معمر القذافي وهواري بومدين تأسست جبهة البوليساريو التي تطالب بتأسيس دولة في الإقليم المتنازع عليه. وبعدها خاض المغرب والبوليساريو حربا ضروس كان أهم محطاتها بناء المغرب عام 1980 لـ "جدار أمني" بمئات الكيلومترات على طول الحدود الصحراوية، مجهز بأحدث تقنيات الاستشعار، ما مكنه من حماية الإقليم من هجمات الجبهة، وهو ما شكل، من الناحية العسكرية، نقطة تحول لصالح الجيش المغربي. إلا أن المشكل لم يحل سياسيا ودبلوماسيا. وفي عام 1991 أشرفت الأمم المتحدة على اتفاقية لوقف إطلاق النار، كما أسست بعثة أممية اسمتها "مينورسو" بهدف تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية.
وبدخوله العقد الرابع، يكون نزاع الصحراء أحد أقدم الصراعات في إفريقيا وأكثرها استعصاء على الحل، مغاربيا، عربيا، إفريقيا وحتى دوليا، ذلك أن أطراف النزاع لم تتوافق على تحديد هوية الكتلة الناخبة التي يحق لها المشاركة في الاستفتاء. ورغم تعدد الوساطات وجهود الأمم المتحدة طوال عقود فإن الصراع لا يزال يراوح مكانه في غياب أفق للحل. ولتسليط الضوء على تطورات هذا النزاع أجرت DW الحوار التالي مع الخبير والإعلامي الموريتاني موسى حامد.
DW: يستعد المغرب للاحتفال بالذكرى الأربعين لـ"المسيرة الخضراء"، وتتزامن هذه المناسبة مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أطراف النزاع لإجراء مفاوضات خلال الأشهر المقبلة. هل تعتقد أن هناك أفقا لحل هذا النزاع، أم أن فرص الحل تتضاءل يوما بعد يوم؟
موسى حامد: للأسف، في الوقت الحاضر، لا أرى أفقا لحل هذا النزاع، فبعد أربعة عقود لا تزال مواقف أطراف النزاع على حدتها وتشددها ولم تتغير، فللجزائر والبوليساريو موقف معين، وللمغرب أيضا موقفه، وإن كان الموقف المغربي يبدو أكثر مرونة إلى حد ما، إلا أنه في الجوهر لم يتغير، وبالتالي ليس هناك أي مؤشر في النزاع يمكن أن يبعث على الأمل في الوقت الراهن.
المغرب اقترح مشروعا لتمتيع سكان الصحراء الغربية بحكم ذاتي موسع ولكن تحت سيادته، وهو ما رفضته الجزائر والبوليساريو واللتان تتمسكان بحق تقرير المصير. هل تعتقد أن إجراء استفتاء لا يزال خيارا واقعيا في ظل عجز أطراف النزاع عن الاتفاق حول كتلة ناخبة يحق لها المشاركة في الاستفتاء؟
أعتقد أن كل شيء وارد وممكن في هذا النزاع مثل النزاعات الأخرى، إذا توفرت الإرادة من قبل الطرفين، وارى شخصيا أنه إذا توفرت الإرادة، فإن طريقة الحل تبقى ثانوية. وأعتقد أن النزاع كما يبدو عليه اليوم، لا يوجد في وضع يسمح له بحلحلة المواقف، وبالتالي فليس هناك، في الوقت الراهن، أي حل يرتسم في الأفق.
ولكن كيف تفسر تمسك الأطراف بمواقفها بهذا الشكل المتشدد؟
الأسباب كثيرة، ولكل طرف أسبابه الذاتية، على الرغم من أن الوضعية الجيوـ استراتجية قد تغيرت. اليوم نجد أن مفهوم الأمن القومي لم يعد كما كان في الماضي. كما أن الاستقلال لم يعد له لا اللون ولا الطعم الذي كان له في الماضي. واعتقد أن فرقاء النزاع لم يأخذوا هذه التغييرات بعين الاعتبار.
جبهة البوليساريو ومعها الجزائر تركزان في صراعهما مع المغرب على وضعية حقوق الإنسان وعلى مسألة استغلال الثروات الطبيعية في إقليم الصحراء الغربية، ما أهمية هذا العنصر في المفاوضات بين الجانبين؟
هذا العنصر في حد ذاته ليس مهما في المفاوضات، ولكنه مهم في المزايدات بين أطراف النزاع، بمعنى استمالة الرأي العام الدولي، وهو عنصر يُوظف تكتيكيا لمحاولة إيقاع كل طرف بالطرف الآخر.
المغرب يربط بين حل النزاع وموقف الجزائر التي تدعم دبلوماسيا وعسكريا جبهة البوليساريو، في حين تقول الجزائر إنها ليست طرفا في الصراع. هل تتصور حلا لهذه القضية دون دور للجزائر؟
أعتقد أن الدور الأول يرجع للجزائر، وإن كان هناك في الأصل وجود لصحراويين وللبوليساريو، ولكن الاستمرار والاستماتة والنجاحات الدبلوماسية وراءها الجزائر وليس البوليساريو، ولذلك لا يمكن أن نتصور حلا لا يرضي الجزائر.
طيب، في نظرك، ما الذي يجب أن يتغير لحلحلة النزاع وإيجاد حل سياسي يرضي جميع الأطراف؟
أعتقد أنه منذ بدأ النزاع لم يحدث هناك أي تغيير في العقيدة السياسية المغربية أو في الرؤية الجيو ـ استراتجية للجزائر، وأرى أنه لا يمكن أن ننتظر حلا لهذه المشكلة، ما دام فيها شحنة من العاطفية، فالجزائر اليوم تعتبر بأن أي حل لا يعطي جبهة البوليساريو جميع مطالبها، حلا غير مقبول. فيما يرفض المغرب أي حل يضع سيادته على الصحراء موضوع تساؤل.
هذه اعتبارات جيو ـ استراتجية، ولكن إذا حصل تقدم في المفاوضات، وهذا ما أرجوه، وتم التفكير في ايجابيات وأضرار هذا النزاع بالنسبة لكل بلد، آنذاك فقط يمكن الحديث عن حل. إلى اليوم لا تزال هناك شحنة عاطفية، أكثر مما هي عقلانية أو سياسية يمكن حلها.
تتمركز بعثة المينورسو التابعة للأمم المتحدة منذ عام 1991 في المنطقة. كيف ترى دور الأمم المتحدة في هذا النزاع؟
دور الأمم المتحدة يشبه دور المنظمة الأممية في الكثير من النزاعات، إنه دور إنساني وإداري أكثر مما هو دبلوماسي أو سياسي، ولا أعتقد أن المنظمة الأممية تلعب دورا كبيرا بشأن هذا النزاع، خصوصا في ظل غياب إرادة لدى أعضاء مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن.
موريتانيا توجد بين نارين، كيف يؤثر نزاع الصحراء لغربية على موريتانيا وعلاقاتها بدول المنطقة؟
علاقات موريتانيا بدول المنطقة، على ضوء هذا النزاع، علاقات متأرجحة، فالعلاقات تكون تارة قريبة من المغرب وتارة أخرى من الجزائر، إلا أن الشعب الموريتاني متضرر من هذا النزاع لسبب بسيط. فعلى سبيل المثال سافرت شخصيا الصيف الماضي إلى المغرب وكان معي شخص سينغالي، وهو يدخل المغرب بدون تأشيرة. أما أنا فأحتاج لتأشيرة لأنني موريتاني وسبب ذالك النزاع الصحراوي الذي يمس يوميا مصالح الشعب الموريتاني سواء تعلق الأمر بحركة المرور مع المغرب، كما العلاقات الأمنية بين البلدين.