خبيرة ألمانية في علم الجريمة تحلل دوافع عمليات الدهس
٦ يناير ٢٠١٩في البداية في مدينة بوتروب، ومن ثم في مدينة ايسن. قام رجل ألماني، يبلغ من العمر 50 عاماً ويُدعى أندرياس ن. بدهس مجموعات من الأشخاص، غالبيتهم من الأجانب بسيارته. وأسفر هذا الحادث عن إصابة ثمانية أشخاص قبل أن تعتقله الشرطة في ليلة رأس السنة. ويقبع أندرياس ن. حالياً في السجن بتهمة الشروع في القتل. وتفترض السلطات وجود دافع عنصري وراء الحادث، وأن الرجل، الذي يتلقى مساعدات اجتماعية، يعاني من اضطرابات نفسية.
لمزيد من الإضاءة على القضية الشاغلة للرأي العام في ألمانيا، حاورت DW الخبيرة في علم الجريمة بريتا بانينبيرغ:
DW: يشغل هجوم مدينتي بوتروب وايسن الذي يبدو أنه بدافع عنصري السلطات والرأي العام. الكثيرون يتساءلون عن ما قد يدفع بشخص إلى دهس حشد من الناس بسيارته؟
بريتا بانينبيرغ: هذا موضوع معقد. لقد قمنا بعمل عدة أبحاث عن ما يسمى بالجرائم ذات الطابع العشوائي على مدار سنوات. هي عمليات قتل يخطط لها الأشخاص، الذين عادة ما يتصرفون بشكل فردي، والذين لا يمكن تحديد دوافعهم على الفور والذين يركزون أهدافهم في النهاية على الضحايا الأجانب. ولهذا تحدث مثل هذه الحوادث كل هذه الضجة، لأنه نظرياً فإن أي شخص مُستهدف.
ما الذي يمكن أن يكون الدافع وراء حادث الدهس في ليلة رأس السنة؟
يتعن علينا الانتظار، للتمكن من تقييم الدوافع والحادث ككل بشكل دقيق. البيانات الأولية تشير إلى سلوك متعارف عليه في مثل هذه الحوادث. ويختلف الجناة صغار السن عن الجناة البالغين، الذين يكون لديهم الكثير من الصفات الملفتة للانتباه.
ماهي هذه الصفات الموجودة لدى الجناة من البالغين؟
في الواقع الجناة ليسوا أصحاء نفسياً. الأمر يتعلق بأعمال إجرامية نادرة، وجرائم قتل خطيرة للغاية. لكن طبيعة الاضطرابات النفسية تختلف من شخص لآخر. لكن لاحظنا أن أكثر من ثلث الجناة البالغين، والذين تتراوح أعمارهم بين 24 و70 يعانون من اضطراب نفسي شديد والمتمثل في الفصام العقلي. والمستهدفون في الغالب من الأجانب، وقد يسفر ذلك عن عدة إصابات مميتة. وعادة ما يكون هؤلاء الأشخاص مشبعين بالسخط والكراهية ويعانون من رفض المجتمع.
يبدون كراهيتهم بطريقة خاصة إزاء مجموعات معينة. سواء كانوا من الأجانب أو النساء أو زملاء العمل أو بشكل عام من أفراد المجتمع. هذا الاضطراب المتمثل في انفصام الشخصية هو اضطراب عقلي، يجمع بين أعراض المرض النفسي ودوافع الكراهية. ولهذا، فإن هؤلاء الأشخاص يشكلون خطراً كبيراً، في حالة عزمهم قتل أشخاص آخرين، أو إيذائهم وبهذا هم يُرسلون إشارة انتقام إلى المجتمع، إن جاز التعبير.
هل اضطراب الشخصية هو المسبب أم العامل المساعد وراء حادثي مدينتي بوتروب وإيسن؟ وهل هناك أي طرق للكشف عن هذا الخطر في مرحلة مبكرة أو الحيلولة دون وقوع مثل هذه الحوادث؟
نعم، بطبيعة الحال. وقد أظهرت ذلك البحوث التجريبية بوضوح. وهو أمر غير ممكن مع كل حالة، ولكنه يكون كذلك مع معظم الحالات. ويجب على المرء أن يضيف: ثلث الجناة البالغين، كما ذكرنا سابقاً، هم مرضى نفسيين ويعانون من انفصام الشخصية. وهذا مرض نفسي خطير، ولكنه يختلف عن اضطرابات الشخصية.
الأشخاص، الذي يعانون من اضطرابات الشخصية، قد يشكلون بدورهم خطراً بشكل أو بآخر. ربما يكون لديهم سيطرة أكثر على تصرفاتهم، لكنهم غالبا ما قد تسيطر عليهم فكرة الرغبة في ارتكاب جريمة قتل خطيرة أو عدة جرائم.
ومن الممكن الكشف عن مثل هذه الاضطرابات لدى الأشخاص داخل المحيط الاجتماعي، كالجار أو زميل العمل. حينها يمكن إبلاغ الشرطة في مرحلة مبكرة. لأنه سيكون هناك فرص جيدة للكشف عن هؤلاء الأشخاص، إذ يمكن معالجة مرضى الفصام بالأدوية. لكن في حالة تركهم من دون علاج، فإن خطر ارتكاب أعمال عنف قد يصل إلى ما لا يقل عن ثمانية أضعاف. وفي حالة كان مرضى الفصام من مدمني الكحول أو المخدرات، فسيزداد الخطر بمقدار 14 مرة. ولكن إن أخذوا الدواء، فإن حدة هذا الخطر قد تنخفض إلى المعدل الطبيعي.
هل استخلصت السلطات دروساً ملموسة من خلال الهجمات التي يقف وراءها الجناة، الذين يعانون من من انفصام الشخصية أو أي اضطرابات أخرى في الشخصية؟
يجب أن يولي المجتمع بأكمله الانتباه إلى الأشخاص، الذين قد لا يعانون فقط من اضطرابات نفسية، وإنما يكشفون أيضاً عن نوايا ذات طبيعة تهديدية. أي شخص يبدي اهتماماً كبيراً بارتكاب اعتداء أو أعمال عنف أو أعمال إرهابية، وهو مشبع بالكراهية، يمكن الكشف عنه بشهور قبيل تنفيذه ذلك. يتردد معظم الناس عن إبلاغ الشرطة، وذلك لعدم وجود أي شيء ملموس أو دليل في أيديهم. ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة لوقف هؤلاء الجناة قبل دخولهم مرحلة التنفيذ وتعريض حياة الناس للخطر.
إلى أي مدى يتشابه هؤلاء الجناة مع الإرهابيين الفرديين، مثل إرهابيي "الدولة الإسلامية"؟
أطروحتي حتى الآن، على الرغم من عدم البحث بشكل كافي في هذا الاتجاه، هو أن الجناة الأفراد الإرهابيين والجناة المرتكبين للجرائم ذات الطابع العشوائي متشابهون بشكل تام. لكن بالنسبة للجناة الجماعيين من الإرهابيين، يبدو الأمر مختلفًا، لأنهم يكونون في الغالب مجرمين معروفين لدى الشرطة من قبل، وبعضهم من متعاطي المخدرات ولديهم العديد من السوابق الجنائية. الجناة الفرديون مختلفون، سواء كان الدافع يمينياً متطرفاً أو إسلاموياً أو إذا كان أحدهما مجرماً يكره الجميع ويرفض المجتمع بأكمله. وهذا يرجع إلى اضطرابات شخصية أو اضطرابات عقلية.
سيدة بانينبيرغ، هل علينا أن نتوقع وجود نوع من التقليد في النقاش كالذي نشهده عند الحديث عن الإرهاب الإسلاموي؟
يوجد ذلك بالفعل منذ وقت طويل. منذ باريس تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، نشهد ارتفاعاً في مثل أعمال العنف هذه وفي جميع أنحاء العالم وكذلك في ألمانيا. وتلقى صدى متفاوت، ولكن تدور دائماً النقاشات نفسها، لكنها تبقى بعيدة عن اليمين المتطرف.
هنا تكمن بالضبط المشكلة! التصنيف إلى فئات. عندما أخبرك بأن هؤلاء الجناة لا يختلفون بسبب أيديولوجيتهم، لأن دافع العمل يأتي من شخصيتهم. ولكن هناك أيضا جناة يستخدمون السيارات لدهس الناس وليس لديهم دافع إيديولوجي معين. هؤلاء هم الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب والمشبعين بكراهية الآخرين والذين يرغبون في الحصول على شهرة سلبية من خلال هذا الفعل وهم مستعدون للموت أيضاً من أجل ذلك.
ما الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل يمكن أن يكون لها تأثير في تعزيز وجهات النظر لدى المستخدمين من ذوي التفكير المماثل، هل تمثل الدافع وراء مثل أعمال العنف هذه أو أنها عامل مساعد على الأقل؟
نعم. عادةً ما يفتقر هؤلاء الجناة الأفراد إلى التواصل في محيطهم الاجتماعي أو أنهم لا يمتلكون أي تواصل على الإطلاق. وما يفعلونه في هذه الحالة هو التوجه إلى الإنترنت، وبالتحديد إلى تلك العوالم والمنتديات التي تعزز وجهات نظرهم المبنية على كراهية ورفض مجموعات معينة أخرى. نلاحظ هذا مع الجناة من صغار السن في بعض الأحيان بشكل كبير للغاية، لأنهم يتحركون ضمن أوساط الجناة العشوائيين. كما نراه في "الدولة الإسلامية"، حيث يترحك الجناة ضمن أوساط إسلاموية متشددة تغذي الكراهية فيهم.
هل من الممكن أن تكون الاضطرابات النفسية لدى الجناة الألمان، العامل المساعد الأقوى وراء جرائمهم، ولكنه ليس بتلك القوة بالنسبة لدى الجناة غير الألمان، كالإسلامويين المتشددون؟
تكهنات وسائل الإعلام شيء وما يقوله العلم شيء آخر. عندما ننظر للوراء إلى حادثتي فورتسبورغ وأنسباخ في عام 2016، كان الجناة لاجئين، وكانت هناك معلومات تفيد بأنهم لم يكونوا يتمتعون بصحة نفسية عندما ارتكبوا جرائمهم. إن التحقيق في هذه الأعمال الإجرامية ليس بهذه السهولة، لأن مكتب المدعي العام الفيدرالي متكتم على هذه الملفات. ومع ذلك، أعتقد أننا على صواب تماماً في تقييمنا بأن هؤلاء الأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية، بغض النظر عن توجهاتهم الإيديولوجية.
بريتا بانينبيرغ، باحثة في علم الجريمة في جامعة غيسن الألمانية. تبحث منذ سنوات في الجرائم ذات الطابع العشوائي. وتسعى الباحثة الألمانية إلى تقديم المساعدة في منع هذا النوع من الجرائم ودعم المؤسسات المعنية بالمعارف والخبرات العلمية.
أجرى الحوار: رالف بوزن/ ترجمة: إيمان ملوك