خلافات داخل ائتلاف "إشارة المرور".. فهل تصمد حكومة شولتس؟
٥ يناير ٢٠٢٤
باتت مشاعر الاستياء جلية ومتنامية داخل الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية الألمانية، التي تنتمي إلى طيف يسار الوسط، وتضم أيضا الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر.
تكبد الحزب الديمقراطي الحر، الذي يدافع عن قيم الليبرالية داخل المجتمع الألماني، خسائر انتخابية وهزيمة تلو أخرى في انتخابات الولايات والانتخابات المحلية خلال العامين الماضيين.
وعزا بعض ساسة الحزب الهزائم إلى الانخراط في الحكومة الائتلافية، فيما تشير استطلاعات الرأي إلى أن واحدا فقط من بين كل خمسة مواطنين ما زال راضيا عن عمل الحكومة برئاسة المستشار أولاف شولتس.
ويرى كثيرون داخل الحزب الديمقراطي الحر أن المنفذ الوحيد يتمثل في مغادرة الحكومة الائتلافية على وقع اعتقادهم أنها تعيق مسار حزبهم، فيما كان يُفترض أن يمهد تصويت داخل الحزب الطريق أمام هذا الأمر، لكن 52% من أعضاء الحزب الذين صوتوا مؤخرا، اختاروا البقاء في الائتلاف الحاكم.
الصمود في وجه الخلافات
وعلى إثر هذا التصويت، تنفست الأحزاب الثلاثة المنضوية داخل حكومة شولتس الصعداء. ورغم أن التصويت ليس ملزما قانونا، إلا أن قادة الحزب الديمقراطي الحر لم يكن بوسعهم تجاهل قرار غالبية أعضاء الحزب. وفي حالة انفصال الحزب عن الحكومة، فإن تحالف أحزاب الائتلاف الذي يسمى بـ "إشارة المرور"، نسبة إلى الألوان الثلاثة المميزة لكل حزب، كان سيتعرض لضغوط كبيرة.
وعقب نتيجة التصويت، قال أمين عام الحزب بيجان جير ساراي إن "الحزب الديمقراطي الحر يريد تحمل المسؤولية عن بلادنا ويريد أعضاء الحزب أن يروا طابعا ليبراليا واضحا على سياسة الحكومة. وهذه النتيجة تعزز تصميمنا على معالجة التحديات الهائلة التي تواجه البلاد."
عام الحسم
ويرى خبراء أن نتيجة التصويت سوف تعزز مكانة الحكومة الائتلافية لكن بشكل مؤقت.
ويقول الخبراء إن 2024 سيكون عام الحسم في ضوء ازدحامه بالانتخابات بداية مع إجراء انتخابات البرلمان الأوروبي في 9 يونيو / حزيران، وإعادة انتخاب برلمانات ولايات ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ في سبتمبر / أيلول المقبل فضلا عن إجراء انتخابات محلية في تسع من أصل 16 ولاية ألمانية.
وفيما يتعلق بولايات ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ، تزداد شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي إذ بات الحزب الأقوى على الإطلاق في الولايات الثلاثة، فيما يرى مراقبون أن الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي ينتمي إلى طيف اليمين الوسط الأقدر على منافسة حزب البديل مع تخلف أحزاب الحكومة الائتلافية عن الركب وتعرضها لمعدلات تأييد شعبية منخفضة، وفق أحدث الاستطلاعات.
يشار إلى المكتب الاتحادي لحماية الدستور (المخابرات الداخلية) تصنف منظمة حزب البديل ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ بشكل جزئي كمنظمة يمينية متطرفة.
وعانت الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحكومي في برلين، كثيرا منذ توليها السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2021 إذ يشعر فقط 32 بالمئة من الألمان بالرضا تجاه الحكومة بالمقارنة مع نسبة بلغت 52 بالمئة إبان تشكيلها وفق استطلاعات الرأي.
وفي خطابه التلفزيوني التقليدي بمناسبة العام الجديد أقر المستشار أولاف شولتس بأن الكثير من الألمان غير راضين، لكنه رأى أن على ألمانيا أن تتغير لهذا السبب، وقال إن هذا الأمر "يثير أيضا حالة من عدم الرضا لدى البعض، وأنا أراعي هذا، وفي الوقت نفسه، أعرف أننا في ألمانيا سنجتاز هذا".
تدني شعبية شولتس
لكن كثيرون يطرحون تساؤلا مفاده: هل مسار التغيير هو يدفع الكثير من الألمان إلى السخط تجاه الحكومة أم أن الأمر يعود إلى تعامل الائتلاف الحاكم مع الأزمات التي عصفت بالبلاد بداية مع جائحة كورونا وأزمة الطاقة والارتفاع الكبير في الأسعار وتباطؤ الاقتصاد الألماني؟
يتزامن هذا مع تدني شعبية المستشار الألمان ي وفق أحدث استطلاعات الرأي فيما يعزو كثيرون ذلك جزئيا إلى شخصية شولتس الذي يحبذ خلال أزمات الحكومة الابتعاد عن الأعين ويرفض الحديث إلا في حالات الضرورة القصوى.
وأظهرت نتائج استطلاع أجراه معهد "إنفراتست ديامب" لأبحاث الرأي لصالح القناة الأولى بالتلفزيون الألماني (ايه آر دي) أن نسبة الألمان الراضين عن أداء شولتس وصلت إلى، 19% بتراجع بمقدار نقطة مئوية مقارنة بالنسبة المسجلة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهي أدنى
نسبة رضا عن أداء مستشار ألماني يتم تسجيلها في استطلاعات "إنفراتست ديامب" منذ عام 1997.
شبح فجوة في الميزانية
ويتوقع أن تواجه حكومة شولتس عاما صعبا فيما لا يتوقف الأمر على الخلافات السياسية والأيديولوجية داخل أركان الائتلاف الحاكم، بل يشمل ذلك المالية العامة.
وبالعودة إلى طبيعة الائتلاف الحاكم، فإن يعد تحالفا يضم حزبا يدعم نظاما اقتصاديا ليبراليا متمثلا في الحزب الديمقراطي الحر، لكنه يضم أيضا حزبين يساريين هما الاشتراكي الديمقراطي والخضر وهما كيانان يدعمان وجود دولة قوية وضخ الكثير من المال من أجل الرعاية الاجتماعية وحماية المناخ.
بيد أن الحزب الديمقراطي الحر يعارض هذا النهج ويصر على المسؤولية الفردية وتقليص حجم الدولة.
وللتوفيق بين هذه التناقضات، كان شولتس قد خرج بخدعة ذكية مكنته من تقليل فجوة الخلافات حيث اقترح نقل 65 مليار يورو من القروض غير المستخدمة لمكافحة جائحة كورونا إلى صندوق خاص تابع لحكومته.
وكان يمكن أن يوفر هذا المبلغ التمويل الكافي للخطط السياسية للحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر وساعد وزير المالية كريستيان ليندنر الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الحر، في الخروج بمشروع ميزانية فيدرالية عادية دون تحمل عبء ديون جديدة. وكُتب لخطة شولتس الذكية النجاح لعامين.
لكن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قضت المحكمة الدستورية الاتحادية بأنه لا يمكن نقل 60 مليار يورو من القروض غير المستخدمة لمكافحة جائحة كورونا إلى صندوق المناخ والتحول (KTF). ونتيجة لذلك، فقدت حكومة إشارة المروة مليارات للسنوات المقبلة لتمويل المشاريع المركزية لانتقال الطاقة.
وعلى وقع ذلك، سيتعين على الحكومة الائتلافية الآن توفير الموارد المالية ، ما ينذر باتساع فجوة الخلافات خلال الأشهر المقبلة.
النفقات الضرورية؟
وفي مؤتمر لحزبه الاشتراكي الديمقراطي، قال شولتس إن ألمانيا قد تضطر إلى توفير المزيد من الأموال لدعم أوكرانيا في حال قيام حلفاء كييف بخفض الدعم في إشارة ضمنية إلى الوضع السياسي في الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال شولتس إنه يتعين اتخاذ قرارات من الجانب الألماني لضمان "أن ألمانيا في وضع يمكنها من القيام بذلك".
وتمكن شولتس من إقناع وزير المالية ليندنر بمناقشة "فرملة" الديون مرة أخرى هذا العام في ضوء أن الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا سوف يحتاج إلى مخصصات مالية كبيرة.
لكن الموافقة على بدء النقاش لا تحمل في طياتها موافقة الحزب الديمقراطي الحر على تعليق فرامل الديون في ضوء أن استطلاع أظهر أن 48% من أعضاء الحزب يرغبون في الخروج من الائتلاف الحاكم.
ويضع قادة الحزب هذا الأمر في الحسبان أكثر من أي شيء آخر وسط مخاوف من أن يتكبدوا خسائر انتخابية كبيرة.
أعده للعربية: محمد فرحان