دمشقيون يتنفسون الصعداء عقب خطاب أوباما
١٢ سبتمبر ٢٠١٣لم يكن خورشيد، صاحب سوبر ماركت في حي "وادي المشاريع"، ذي الأغلبية الكردية، والذي يسمى باللغة الكردية "زور آفا"، يعلم أن الإعلان عن بوادر تسوية سياسية للأزمة السورية كانت القشة المانعة لسفره. خورشيد كان قد قرر السفر بعد أن شهد حي "زور آفا"، الواقع عن بعد 5 كلم غربي دمشق، مؤخراً حركة نزوح كبيرة. ويقول خورشيد في حديث مع DW عربية "التهديدات الأمريكية والتوقعات بحصول ضربة عسكرية ضد النظام (السوري) أجبرت سكان الحي على الهجرة. وحركة النزوح الأخيرة كانت جماعية وكبيرة لم يشهد الحي لها مثيلا خلال الفترة السابقة، إلى درجة أن نسبة النازحين من الأكراد قد تراوحت ما بين 60 إلى 70 بالمائة."
مخاوف أمنية ومشاكل اقتصادية
وعزا خورشيد أسباب حركة النزوح الأخيرة إلى"مخاوف السكان من الضربة العسكرية المحتملة ومن تغير الظروف الأمنية في دمشق وفي حي "زور آفا"، لافتا إلى أن "عدة مقرات عسكرية مهمة" تحيط بمنطقتهم. كما توجد بالقرب من الحي "مناطق موالية للنظام مثل جبل الرز حيث تطوع معظم سكانها في اللجان شعبية، وهي ميلشيات مسلحة تابعة للنظام، مما أثار مخاوفنا من تعرض المنطقة للاستهداف من قبل المعارضة المسلحة مع بداية الضربة أو في حال سقوط النظام، على حد تعبيره.
من ناحيته، يرى الكاتب والباحث الكردي فاروق حجي مصطفى أن العامل الاقتصادي دفع الكثيرين من سكان المناطق ذات الأغلبية الكردية، لاسيّما في وادي المشاريع وركن الدين وشبعا في ريف دمشق، إلى التفكير في الهجرة خارج سوريا بحثا عن فرص عمل بسبب توقف موارد الرزق في مناطقهم. ويقول ل DW عربية "بسبب تردي الأوضاع الأمنية رأى العديد من الأكراد أنفسهم مجبرين على مغادرة ديارهم. وكون منطقة كردستان العراق هي الوحيدة التي فتحت أبوابها لهم، فقد هاجر الأغلبية إليها."
من جهته، يقول باسل إنه وعائلته، كما هو الحال بالنسبة للكثيرين من الدمشقيين، أرادوا الرحيل من دمشق "تحسبا لأي عملية عسكرية، خاصة بعد انتقال عدد من مراكز العمليات الأمنية إلى الأحياء السكنية". لكن والده رفض ترك منزله في حي المزة أوتوستراد الدمشقي، والذي يعيش فيه منذ عشرات السنين وقضى فيه أجمل ذكرياته. ويقول: "والدي رفض الخروج من منزله. أمي توفيت فيه. نحن كبرنا وتعلمنا وعشنا فيه، لهذا السبب كان من الصعب عليه ترك كل شيء. لقد رفض أن يخرج تحت أي ظرف".
"نريد تحديد مصيرنا بأنفسنا"
وتعد الأيام الأخيرة خاصة بعد السجالات التي شهدتها أروقة عواصم صنع القرار إزاء احتمال توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري، من الفترات العصيبة التي مرت على سكان دمشق. وكان الجميع يترقب ما ستؤول إليه تلك المناقشات. وبعد الإعلان الرسمي على لسان وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن قبول المبادرة رسميا، تنفس أهالي العاصمة الصعداء بعد أن كانت الضربة العسكرية قاب قوسين أو أدنى. وجاء خطاب الرئيس الأمريكي الذي دعا فيه إلى إعطاء فرصة للدبلوماسية ليعزز لدى العديد من الدمشقيين قناعة أن العمل العسكري صار بعيدا، على الأقل في هذه الفترة.
بسمة أستاذة في جامعة دمشق كانت تجلس مع أختها حيث تتابع الأخبار المتسارعة. ولم تخف بسمة مشاعر خيبة الأمل التي سيطرت عليها حيال تلك الاجتماعات بحيث تقول في حوار مع DW عربية "كان شعوري أني مجرد دمية في مسرحية ضخمة الإنتاج، الكل يشارك فيها بأدوار بطولة. الجميع ينطق ويخطب، يشجب ويستنكر، يهدد ويتراجع، سيناريوهات مكتوبة تحت الطاولة، ونحن الدمى البلهاء نتابع باهتمام ما يجري على الخشبة ونمثل دورنا من دون أي وعي". وتضيف قائلة: "أصبحنا كالخيوط تتنقل بين الأيدي الروسية تارةً ومن ثم تستلمها أمريكا تارة أخرى؛ ثم تعيدها الأخيرة لروسيا من جديد. لا فرق، فالمهم في النهاية أننا لا نملك من أمرنا شيئاً، نهلل ونصفق كل مرة لأحدهم بعد أن نلمح قشة النجاة في يده، لنكتشف فيما بعد أنها قشة لينكش أسنانه بها وحسب، نحن ننتظر ما يلوح في الأفق".
أما محمود، وهو عضو في تنسيقية ثورية تعمل بشكل سلمي في دمشق، فيؤكد أن "الحل يجب أن يكون سياسيا". ويقول في حديث معDW عربية: "يحق لنا كسوريين أن تكون الكلمة الأخيرة لنا، كما كانت الكلمة الأولى لنا في تقرير مصير بلادنا، فالحل يجب أن يكون سياسياً والذهاب إلى مرحلة انتقالية وتشكيل حكومة مستقلة. وكل الشكر لكل من يرغب في مساعدتنا، ولكن بشرط أن نقدم رؤيتنا للحل المنشود وعلى العالم احترامها للوصول إلى الدولة التي طالما أردناها وثرنا من أجل بنائها".
ويضيف محمود، الذي يقول بأنه لم يكن راضياَ بتسلح الثورة، محملا النظام مسؤولية تغيير مسارها بعد أن "كانت سلمية طيلة أول ستة أشهر ومطالبها منطقية ومحقة،" يجب على مجلس الأمن استصدار قرار يقضي بتبني الحل السياسي في سوريا على أن يكون ملزما لجميع الأطراف المتصارعة".
أما ريم، وهي طالبة كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق وتسكن في ضاحية مشروع دمر (4 كلم غرب دمشق)، فتقول لـDW عربية "يخيّل للبعض أن أهالي دمشق أصيبوا بالهلع إثر سماعهم بـخبر الضربة الأمريكية! وكثيرا منهم تساءلوا ما إذا كان الناس قد هربوا إلى الملاجئ، ولكني أقول وأنا من سكان دمشق بأنه لم يحصل أي شيء من هذا القبيل. فنحن ومنذ سنتين وأكثر في حالة حرب، يعني تعودنا".