دواء الاقتصاد الأردني قريب من عتبة الباب!
٩ يونيو ٢٠١٨عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فإن الأردن محكوم عليه منذ تأسيسه بالاعتماد على المنح والمساعدات التي تشكل عصباً حيوياً لاقتصاده. وتأتي هذه المساعدات في معظمها من الولايات المتحدة ودول الخليج والاتحاد الأوروبي. أما حجمها فتراوح حتى عام 2016 بين 3.5 إلى 4 مليارات دولار سنوياً تدفع الولايات المتحدة منها نحو 1.3 مليار دولار والخليج 2 إلى 2.5 مليار دولار سنوياً. ومما يعنيه ذلك أن ما لا يقل عن ثلث إيرادات الموازنة الأردنية يعتمد على المساعدات الخارجية. وإذا كان هذا الاقتصاد يعتمد عليها بهذا الشكل حتى أيام النمو والازدهار والاستقرار، فكيف بأهميتها له في خضم أزمة احتجاجات غير مسبوقة تهدد استقرار الأردن ودوره السياسي والأمني وسط محيط متخم بالأزمات، لاسيما لدى أشقائه السوريين في الشمال والعراقيين في الشرق. ويفرض ضرورة المساعدة أكثر من أي وقت مضى تدهور السياحة الأردنية التي تعد أحد أهم قطاعات الاقتصاد، وتقطع سبل التجارة البرية الحيوية مع العراق وسوريا إضافة إلى تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والعراقيين.
أين إصلاح الإدارات الحكومية؟
يحصل الأردن سنوياً منذ عقود على مساعدات ومنح خارجية سخية كان من المفترض استغلالها في تعزيز إصلاح الاقتصاد والإدارات الحكومية. غير أن واقع الحال يقول بأن الملك عبدالله الثاني وحكوماته التي تتبدل كل سنة بشكل يشبه تبديل الحكومات الإيطالية بمعدل واحدة كل سنة فوتت فرص الإصلاح الاقتصادي والإداري الأمر الذي أضعف كفاءة مؤسسات الدولة وترك الفساد والمحسوبيات والبيروقراطية تنخر أكثر فأكثر في بنيانها. وهو الأمر الذي عزز الفوارق بين الناس وعرقل نمو مستدام للاقتصاد. وزاد الطين بلة تراجع مساعدات الدول الخليجية بشكل متزايد مؤخراً لأٍسباب من أبرزها تراجع أسعار النفط التي دفع هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات تقشفية وتقليص مساعداتها الخارجية. يضاف إلى ذلك التبعات السلبية للأزمة القطرية- الخليجية على الصادرات الأردنية.
وهناك حديث متزايد مؤخراً عن معاقبة الأردن مالياً من قبل دول خليجية بسبب تحفظه على ما يسمى "صفقة العصر" ("صفقة القرن") التي يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمريرها كحل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل يعني التنازل عن القدس وحق العودة وإقامة دولة فلسطينية حسب قرارات الأمم المتحدة. وكان من تبعات ذلك زيادة عجز الموازنة إلى أكثر من مليار دولار وإضعاف قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها. وهو ما دفعها مجدداً للجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 750 مليون دولار على مدى 3 سنوات اعتباراً من عام 2016 مقابل إجراءات تقشفية قاسية تشمل رفع دعم الدولة لأسعار الخبز وزيادة أسعار المشتقات النفطية وزيادة الضرائب.
شروط صندوق النقد بلا رحمة
بعد مرور عامين على قرض صندوق الدولي تشير المعطيات إلى أن حال الاقتصاد الأردني يزداد سوءاً. فمعدلات النمو بطيئة ونسبة الدين العام وصلت إلى نحو 96 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 40 مليار دولار خلال العام الماضي 2017. وحسب الأرقام الرسمية فإن معدل الفقر وصل إلى 20 بالمائة بين الأردنيين، في حين زاد معدل البطالة على 18.5 بالمائة. أما الأرقام الفعلية فهي أعلى من ذلك بكثير، لأن معدلات الدخل المنخفضة بين 300 و600 دولار في الشهر لا تسمح بتغطية تكاليف الحياة اليومية في بلد يحتل المركز الثامن والعشرين عالمياً في غلاء المعيشة حسب مجلة "الايكونومست" البريطانية.
وهكذا ومع كل قرار برفع الأسعار وزيادة الرسوم تتراكم مشاكل ضعف النمو والفقر والبطالة ومعها غضب الناس ورفضهم لسياسات الحكومة. وقد وصل الأمر إلى حد انفجار الشارع الأردني باحتجاجات وإضرابات عارمة مع بداية حزيران/ يونيو الجاري 2018 بعد قرار الحكومة تمرير قانون الضريبة الذي يوسع الشرائح الضريبية لتشمل الرواتب والأجور المنخفضة. وإذا كانت الإضرابات أدت إلى سقوط حكومة هاني الملقي، فإن السؤال، كيف يمكن لحكومة عمر الرزاز القادمة تحسين الوضع الاقتصادي ونزع فتيل الأزمة الخانقة؟
متى تعود المياه إلى مجاريها مع الجارتين؟
يعد الأردن من أفقر بلدان العالم بالموارد الطبيعية. غير أنه وعلى الرغم من ذلك استطاع بناء سياحة متنوعة وقطاع زراعي يتميز بخضاره الباكورية وقطاع خدمي مزدهر وصناعات استهلاكية خفيفة وخدمات معرفية عالية بفضل كفاءاته الشابة والمبدعة. وحتى عام 2010 كان الأردن يستورد نفطه من العراق كهدية أو بأسعار تفضيلية. وفي السوق العراقية كان يبيع قسما كبيراً من فوائضه الزراعية ومنتجاته الصناعية، وكانت سوريا تمد الأردن بالألبسة والمنسوجات والأغذية الرخيصة. أما المعابر السورية- الأردنية والمنطقة الحرة المشتركة فكانت ترفد الاقتصاد الأردني بأكثر من 800 مليون دولار سنوياً. وكان مصدرها الأساسي رسوم الترانزيت على الشاحنات التركية والسورية واللبنانية وغيرها المتوجهة إلى الخليج والتي زاد عددها على مائة ألف شاحنة سنوياً.
أما مجمل التجارة البرية والسياحة مع العراق وسوريا ولبنان فكانت تدر على الأردن 3 إلى 4 مليارات دولار سنوياً. ومما يعنيه ذلك أن عوائد الأردن من التجارة والسياحة مع العراق وسوريا ولبنان كانت تزيد على مجمل المساعدات الخارجية وقروض صندوق النقد الدولي. ومن هنا تأتي أهمية إعادة تواصل الاقتصاد الأردني مع هذه الأسواق التي فقدها بسبب الأزمات التي تعصف بها، كما تأتي أهمية سوق الغاز المصري الذي كان يمد الأردن بمعظم احتياجاته عبر خط الغاز العربي الذي توقف عن الضخ منذ عدة سنوات.
وهنا لا بد من القول أن على الحكومة الأردنية القادمة تلقف الفرصة لتكثيف العلاقات الاقتصادية مع السوق العراقية حالياً، والعمل على إعادة هذه العلاقات مع سوريا مع بداية انفراج الوضع هناك وعودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران. إن إعادة العلاقات بين الأردن من جهة وكل من العراق وسوريا من جهة أخرى يحتاج إلى قرار سياسي إقليمي ودولي أعلى من مستوى الأردن، غير أن على الحكومة الأردنية القادمة لعب ما لديها من أوراق ضغط لإعادة هذا التواصل بهدف إنقاذ اقتصاد لن تنعشه المساعدات والقروض لوحدها مهما كان حجمها كما تظهر تجربة السنوات العشر الماضية. وبالطبع فإن عودة العلاقات مع الجيران الأشقاء لن تغني الأردن عن إصلاح الاقتصاد من خلال إعادة هيكلته ومحاربة الفساد والمحسوبيات التي لم تعد غالبية الأردنيين قادرة على تحملها.