علماء سويديون "يخدعون" دماغ الإنسان
١٥ مارس ٢٠١١للإنسان رجلان وذراعان ورأس واحد، إلخ. ويتعرف الدماغ على هذه الأعضاء بشكل دقيق، حيث أن لديه "خارطة" مفصلة تحدد مكان وجودها وعددها، وكل هذا معروف وليس بجديد. لكن علماء المخ والأعصاب اكتشفوا في السنوات الأخيرة أن هذه الخارطة قابلة للتغيير، حيث أن باستطاعة العقل البشري أن يتقبل بشكل مؤقت أجساماً غريبة وأن يدمجها في خريطة الإدراك، مثل قبعة أو مضرب تنس.
واكتشف علماء سويديون مؤخراً أن المخ باستطاعته حتى أن يتقبل أطرافاً إضافية، وأن عدد الأطراف الإنسان ليس مقيداً من ناحية جينية. فقد تمكن العلماء من إيهام المخ بوجود ذراع ثالثة، وذلك عن طريق خدعة بسيطة. ويقول عالم الأعصاب السويدي والباحث في معهد كارولينسكا في ستوكهولم، هِنريك ايرسون: "الشعور بأنك تملك ثلاث أذرع هو شعور غريب وممتع ومذهل. أنا طبعاً أدرك أنني أملك فقط يداً يمنى واحدة، ولكنني لا أستطيع أستبعد فكرة وجود اليد اليمنى ثانية التي يشعر بها دماغي".
خدعة الذراع الثالثة
والتجربة "الخادعة" هذه كانت بسيطة. فقط قام الخبراء بوضع ذراع يمنى مصنوعة من المطاط على الطاولة بجانب الذراع الحقيقية للأشخاص الذين أجريت التجربة عليهم. وبعدها ربّت الخبراء بشكل متزامن ومتواز على الأيادي البشرية والأيادي المطاطية، مستخدمين فرشاة صغيرة. وعن هذه التجربة يقول العالم ايرسون: "في هذه التجربة أردنا أن نجبر الدماغ أن يقرر أي من الأيادي هي اليد الحقيقية. والنتيجة أدهشتنا، إذ أن المخ لم يختر بين اليدين، بل تقبل فكرة وجود ذراع ثالثة".
ولكن المخ لا يتقبل أي جسم غريب يعرض عليه، إذ أنه ليس باستطاعته أن يتقبل عصا أو فأرة كمبيوتر كطرف من أطراف الجسم. ولكي يتقبل المخ "الذراع الثالثة" فإن على هذه الذراع "المزيفة" أن تطابق تماماً شكل الذراع البشرية. وليس من الضروري في هذه الحال أن يتقبل الشخص الذي تجرى عليه التجربة الذراع المزيفة وكأنها جزء من جسمه للوهلة الأولى. وأظهر التصوير بالرنين المغناطيسي أن المخ لا تلزمه خلايا عصبية جديدة لدمج الأطراف والتخيل بأنها جزء من أعضاء الجسم. ولوحظ أن هذه الخلايا العصبية أعادت تنظيم نفسها وترابطها ببعضها البعض لكي تتقبل وجود ذراعين ويدين يُمنيين.
طرف إضافي
ولكي يثبت العلماء أن الدماغ قابل لدمج ذراع اصطناعية وتقبلها، أجرى عالم الأعصاب ايرسون اختبارا عملياً، حيث قام العلماء بمحاكاة تهديد اليد المطاطية بسكين. ويضيف ايرسون: "لقد حركنا السكين بشكل بطيء باتجاه اليد المطاطية ومن ثم قمنا بقياس كيفية تفاعل اليد البشرية الحقيقية مع هذه التهديد، ورأينا أن جلد الشخص المهدَد بالسكين تفاعل مع هذا التهديد لليد الاصطناعية وكأنه تهديد لليد البشرية، كإفراز العرق مثلا"ً.
ويمكن الاستفادة من هذه الاستنتاجات في مجال الأطراف الاصطناعية. حيث يقول ايرسون إن معظم الأطباء ينصحون المرضى مبتوري الأطراف أن يتقبلوا الأعضاء الاصطناعية كبديل لأعضائهم التي بُترت. غير أن ايرسون ينصح هؤلاء المرضى أن ينظروا إلى الأطراف الاصطناعية كأنها أطراف إضافية وليس كأطراف بديلة. وحسب قوله فإن هذا قد يكون حلاً مناسباً لمن عانوا من سكتة دماغية ولم يعد بمقدورهم أن يحركوا ذراعهم. في هذه الحال فإن بمقدور الدماغ أن يتأقلم مع وجود الطرف الاصطناعي كطرف إضافي، بالإضافة إلى تقبل وجود الطرف المشلول.
وحسب هنريك ايرسون فإنه من الممكن في المستقبل أن يُخدع العقل البشري لكي يدمج يد آلية كطرف اصطناعي وأن يتقبلها وكأنها ذراع إضافية، أو حتى أن يتم دمج ذراع إضافية تكون مرتبطة بالجسم بالإضافة لوجود الذراعين الأصليتين، وذلك لمساندتهما في رفع الأحمال الثقيلة على سبيل المثال. وبذلك قد يكون استخدام ذراع ثالثة وتأقلم المخ مع هذه الذراع شيئاً بديهياً خلال بضعة عقود.
نادر الصراص/ ميشائيل لانغه
مراجعة: أحمد حسو