رحيل رائد الواقعية السحرية العربية
٩ سبتمبر ٢٠١١شكل خبر وفاة الكاتب المصري خيري شلبي صدمة للعديد من أصدقائه المصريين والعرب، الذين تناقلوا التعازي وعبارات المواساة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين على أهمية الكاتب الراحل في المتن الروائي المصري والعربي. خيري شلبي، المولود في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ سنة 1938، يعد رائدا من رواد ما يسمى بالواقعية السحرية في العالم العربي، وهي تقنية الخلط بين الواقع والخيال في الرواية والقصة. فكان من أفضل الروائيين العرب، الذين عبروا بصدق عن واقع المهمشين والفلاحين في مصر.
صورة جديدة للريف المصري
وبدايات خيري شلبي، كحال بداية معظم العظماء في التاريخ، لم تكن مثالية أبدا، ولم يحظ أدبه في بداياته بالتقدير الملائم، حيث إنه تعرض لنوع من الحيف، بسبب خروجه عن دائرة المثقفين اليساريين، والذين كانت لهم حظوة في السبعينيات من القرن الماضي. ويقول الكاتب الصحفي سيد محمود من جريدة الأهرام العربي:" ظل خيري شلبي خارج الحظوة النقدية، التي نالها العديد من الكتاب المنتمين إلى اليسار، وهو لم يكن يساريا وإنما ظل متعاطفا مع القضايا التي رفعها اليساريون في ذلك التاريخ". فقد حرص الأديب الراحل على عدم الانتماء إلى أي جهة سياسية، واختار أن يخوض معاركه السياسية من خلال رواياته وأعماله القصصية والمسرحية، كرواية " الشُطار" .
وارتكز مشروع خيري شلبي على مسألتين أساسيتين، حسب الكاتب الصحفي سيد محمود. المسألة الأولى هي رصد القرية المصرية، وهو رصد مغاير للصورة الرومانسية، التي رسخها أدب عبد الرحمن الشرقاوي أو يوسف ادريس، مع تقديم صورة جديدة للريف المصري، خاصة في السنوات الحرجة وهي سنوات الأربعينات والستينات، وذلك من خلال رصد نماذج عاصرها الكاتب عن قرب من خلال أسرته، التي مرت بنوع من التراجع الطبقي إلى أسفل السلم الاجتماعي. وقد تجلت هذه الصورة في رواية " الوتد" . هذا بالاضافة إلى مسار آخر في عالمه الروائي وهو الكتابة عن المهمشين داخل المدينة، الذين كانوا خارج حزامها الرئيسي وخارج منطقة "وسط البلد"، وخاصة سكان المقابر، وهو مظهر تجلى في روايته " منامات عم أحمد السماك."
الانتشار السينمائي والتلفزيوني
استطاع خيري شلبي أن يدخل البيوت العربية من خلال أعماله التلفزيونية والسينمائية، التي لعب أدوار البطولة فيها عدد من نجوم الشاشة المصرية. ومن أشهر أعماله : مسلسل "الوتد" الذي قامت ببطولته الفنانة الراحلة هدى سلطان والممثل المصري يوسف شعبان. هذا إضافة إلى فيلم "الشطار"، الذي تناول بعض قضايا الفساد السياسي في مصر، وقامت ببطولته النجمة نادية الجندي، وحقق هذا الفيلم نجاحا جماهيريا كبيرا. ولكن مسلسله الأخير "وكالة عطية"، والذي قام ببطولته حسين فهمي سنة 2009، لم يحقق نجاحا كبيرا كذلك الذي حققه مسلسل "الكومي"، الذي قام ببطولته كل من إلهام شاهين وممدوح عبد العليم. ويقول الناقد المغربي حسن المودن حول أعمال الكاتب: "عندما نقرأ له أو نشاهد عملا من أعماله على مستوى السينما والتلفزيون، نحس أننا أمام كاتب كبير استطاع ان يقول ما نريد أن نقوله . أن يقول حياتنا وأوجاعنا وآلامانا".
خيري شلبي المشاكس الطيب
وعلى المستوى الإنساني ظل خيري شلبي إنسانا خفيف الظل، ومنبعا للحكايات التي يرويها في جلساته الخاصة مع أصدقائه من الأدباء المصريين والعرب، والذين حظوا دائما بترحيبه ودعمه. ويقول الكاتب المغربي عبد الرحيم العلام، وهو أحد الذين الذي عرفوا الكاتب عن قرب: "الفقيد خير شلبي يعتبر من أطيب الأدباء الذين تعرفت عليهم في مصر، بما يُعرف عنه من تسامح وتواضع ونبل وأخلاق عالية، و حسن إنصات للغير، وأيضا بما عُرف عنه من ترحيب بالأدباء والمثقفين المغاربة، كلما حلوا بأرض الكنانة". وقد كان اتحاد كتاب المغرب قد أصدر بيانا ينعي فيه أحد أصدقاء المغرب، الذي كانت تربطه علاقات صداقة مع عدد من مثقفيه.
ولم يكن خيري شلبي رائدا في مجال الرواية والمسرح والقصة فقط، وإنما يعد أيضا أحد رواد فن البورتريه في مصر، حيث يحسب له بأنه أول من أدخل هذا الجنس الصحفي إلى الصحافة المصرية. كما ترجمت أعماله للغات إنسانية عديدة كالانجليزية والفرنسية والروسية. هذا بالإضافة إلى حصوله على الكثير من الجوائز الرفيعة، كجائزة نجيب محفوظ للرواية، أو ترشيحه لجائزة نوبل للآداب. وهي كلها إنجازات هامة ستبقى راسخة في التاريخ لتخلد اسم خيري شلبي كأحد أعلام الثقافة والأدب في المصر.
ريم نجمي
مراجعة: فلاح الياس