رسائل سياسية - مصور يعرض "الجدران العازلة" في العالم
١٦ يوليو ٢٠١٣عبر ثقب في الجدارِ الإسمنتي الذي يفصل مدينتها بغداد إلى جزأين تنظرُ سيدة من الحي الذي تسكن فيه صوبَ حي آخر، وعلامات الخوف بادية عليها. تم بناء هذا الجدار من طرف القوات الأمريكية عام 2006 كإجراء وقائي من الانفجارات. والآن يشكل هذا الجدار حدا فاصلاً بين السكان السنة والشيعة في بغداد. فهو بمثابة سد للحد من وقوع عمليات عنف، غير أنه يعرقل التواصل بين الناس من مذاهب دينية مختلفة. يقول المصور كاي فيدن هوفار الذي صور هذا المشهد: " لا يمكن للجدار أبدا أن يحل صراعاً سياسياً"، ويضيف قائلاً:"نحن الألمان نعرف ذلك جيدا".
فهذا المصور البالغ من العمر 46 عاماً والمنحدر من من منطقة شفابن بولاية بادن ـ فورتمبيرغ الألمانية عايش لحظات سقوط جدار برلين، يعتبر ذلك حدثاً سياسيا مُثيراً وإيجابياً لم يعش مثله من قبل. وبالنسبة للكثيرين فإن سقوط جدار برلين كان مؤشراً على الأمل. فقد تم إسقاط هذا "الجدار الفولاذي" في أوروبا ليكون فاتحة عهد لأسقاط جدران أخرى في العالم. لكن عوض ذلك تم بناء جدران جديدة، وهو الموضوع الذي لم يعد يفارقُ ذهن المصور كاي فيدن هوفار، الذي أخذ مصورته واستثمر وقته لتصوير نماذج من تلك الجُدارن من مختلف دول العالم.
رحلات للتصوير من بلفاست إلى بغداد ومن مكسيكو إلى كوريا
ليس من السهل تصويرُ الجدران العازلة وأماكن المراقبة الأمنية بها . فالصور التي تلتقطها عدسةُ فيدن هوفار مليئةٌ بالدلالات وتحرك المشاعرَ. توجه المصور الى الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة الأمريكية ومكسيكو، والذي يسعى الكثيرون من المكسيكيين عبوره. كما سافر إلى كوريا الشمالية حيث يوجد أصعب جدار في العالم يمكن تحديه، كما يقول، والذي يفصل الكوريتين الشمالية والجنوبية. كما صور الجدران العازلة في مدينتي سبتة ومليلية شمال المغرب، التي شيدها الإتحاد الأوروبي للحيلولة دون دخول الأفارقة إلى المدينتين أو العبور الى أوروبا. وصور الجدار العازل في إسرائيل الذي يعزل الناس في الضفة الغربية. ووصل أيضاً إلى بغداد التي شُيدت فيها جدران عازلة كثيرة، تعودَ الناسُ عليها هناك. وتعرف المصور في مدينة بلفاس الإيرلندية على الجدار الخرساني الذي يفصل بين السكان البروتستانت والكاثوليك كما زار العاصمة القبرصية نيقوسيا المنقسمة إلى مدينتين تشكلان جدران حدودية ثابتةً في القارة الأوروبية لم تعد فيها الحدود بين الدول الأعضاء قائمةً.
عرض الصور على جدار برلين يُغصب بعض الفنانين
ولا تكون الصور التي تلتقطها عدسةُ المصور فيدن هوفار دائما مصدر ترحيب من طرف المسؤولين في تلك الدول التي توجد فيها الجدران العازلة، غير أنه ُسمح له بعبور تلك الحدود للقيام بعمله. فعلى عكس الناس الذين يسكنون في تلك المناطق، فإن المصورَ يعتبر تلك الجدران غريبةً ودخيلةً. ويقوم فيدن هوفار بتثبيت وعرض الصور التي التقطها على أحد بقايا جدار برلين، في موضع يصل طوله إلى 364 متراً. في هذا الصدد يقول: "هذا الموضع هو المكانُ المناسبُ لمثل هذه الصور الكبيرة "، ويضيف: "إضافة الى ذلك فإن عرضها هنا يتيح إمكانية رأيتها من طرف الناس ومن بينهم أولائك الذين لا يذهبون عادة إلى معارض الصور".
تطلب مشروع فيدن هوفار ستَ سنوات إلى حين تطبيق فكرته بتنظيم معرض للصور توثق الجدران العازلة في العديد من مناطق العالم. وأثار عمله هذا سخط البعض مثل رئيس جميعة مبادرة الفنانين الذي اعتبر: "إنها علمية تزوير للجدران الحقيقية، والمكان يجب أن يبقى أصيلاً وحقيقياً". لكن فيدن هوفار عبر عن اعتقاده" أن بقايا جدارِ برلين الحالي ليس هو نفس الجدار الذي كان زمن فصل برلين الشرقية عن برلين الغربية".
"المعرض رسالةً إلى العالم"
الصور التي التقطها فيدن هوفار تثير إعجاب الزائرين كما تقول إحدى الشابات من ميونيخ:" الصور رائعة جداً. وحجمها الكبيرُ معبر جداً". وبعد افتتاح المعرض بوقت قصير بدأ العديد من الزوار في التقاط صور للمشاهد المُثبتة على الجدار مثل صورة حرس الحدود الكورية أو المرأة البغدادية المنقبة. ويدخل الزوار في نقاشات حول الجدران وتأثيرها على الناس وعلى محيطهم. ويقول فرانك شولتس عمدة الحي الذي تُعرض فيه تلك الصور:" لقد نجحنا هنا في برلين في إسقاط الجدار"، ويستدرك قائلا:" نسعى عبر هذا المعرض إلى إثارة الانتباه بوجود مناطق أخرى في العالم لم تنجح في إسقاط الجدران العازلة التي تم بناؤها". فالمعرض ليس فقط فرصة لعرض صور فنية، بل هو في حد ذاته رسالةٌ موجهة للعالم " لمطالبة بإسقاط تلك الجدران كما فعل الألمان في برلين"، على حد تعبير أدرينه غولير أمين المؤسسة المُشرفة على المعرض.