رشا حلوة: الحبّ حاضر في الأغنية.. وممنوع في الواقع
١٧ يناير ٢٠١٨في اللغة العربيّة، هنالك حوالي 38 كلمة تعني "حبّ"، كما وأن للحبّ درجات، نحاول كل مرة أن نحفظها حسب ترتيبها، منها الهوى، الصبوة، الشغف، الوجد، العشق، النجوى، الشوق، الوصب، الغرام وغيرها. وبالتالي، وجود هذا العدد من المعاني والمرادفات والدرجات لشعور يسمى الحبّ، له دلالات كثيرة، لن نخوض فيها الآن، لكن دلالة واحدة بإمكاننا استنتاجها، أو نأمل ذلك، نابعة من فكرة أن اللغة هي من أهم مركبات الثقافة، ووجود هذا "الحبّ" للكلمة، من المفترض أن ينبع من تقدير الثقافة وأبنائها وبناتها لأحد المشاعر السّاميّة للبشر، إن لم يكن الحبّ هو الأسمى.
على مرّ التاريخ، وباختلاف الفترات الزمنيّة المتأثرة بمنظومات سياسيّة واجتماعيّة ودينيّة وغيرها، حضر الحبّ في الموروث الثقافيّ العربيّ من جهة، بالقصائد والقصص والروايات وحتى الأساطير، وفي التعبير المعاصر للثقافة اليوم من جهة أخرى، حيث بإمكاننا الاعتقاد بأن لا من موضوع آخر يُحكى عنه في معظم الأغاني والأفلام والروايات، عدا عن الحبّ، سواء وافقنا على شكل تقديمه أو اختلفنا عليه، فمن جهة، جميل حضور الحبّ عبر أشكال التعبير الثقافيّة والفنيّة، لكن من جهة أخرى من المهم نقد صور تقديمه على مرّ التاريخ، حيث فيها من الذكوريّة على سبيل المثال؛ فالرجل الرومانسيّ هو العنيف مثلًا، كما وتظهر من خلال بعض قصص الحبّ المتداولة أشكال كثيرة لقمع النساء.
عن هذا الجانب، قالت نجمة علي من فلسطين: "كل قصص الحبّ التي نتداولها فيها قمع؛ قيس وليلى، عبلة وعنتر. صدقًا، لا أرى أن هنالك فجوة بين الموروث وبين الحقيقة!"، وتتابع: "كما أن هذه القصص على سبيل المثال تتلاءم مع الأفكار الموجودة، منها فكرة أن الحبّ الصعب والمستحيل هو الحبّ، كما أنه لا يمكن ذكر اسم الحبيبة، بالماضي كان في الشعر والأدب، اليوم مثلًا بدعوات الفرح. المشكلة الأساسيّة هي بعدم قراءة موروثنا بصورة نقديّة".
الحضور القوي للحبّ في أشكال التعابير الثقافيّة والفنيّة المتنوعة في المنطقة العربيّة، هو حقيقة لا نقاش عليها، وإنّ كان التعبير الثقافيّ يتراوح بين الفضاءات الخاصّة والعامّة للناس، فالحبّ في الموروث والتعبير الثقافيّ والفنّي يحضر في حقول عديدة؛ ففي الأفلام على سبيل المثال، والفيلم هو مُنتج لفضاء عامّ، أي صالات السينما، لكنه يُشاهد أيضًا في الفضاءات الخاصّة، أي البيوت، طبعًا مع التغييرات التي طرأت على تعابير الحبّ بالأفلام على مرّ السنوات وفقًا للتغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة في المنطقة العربيّة.
بالمقابل، وهي النقطة الأساسيّة في هذا المقال، الحبّ، بأشكال تعابيره المتنوعة، ولا أتحدث هنا عن القبل الفرنسيّة في الشارع، وإنما ببساطة التعبير عن الحبّ وحق البشر بإحساسه، بالبوح به أو ممارسته حسيًا، هو شبه معدوم في الفضاءات العامّة من جهة، لكن الأهم هو أنّه معدوم أيضًا في حيوات العديد مننا، ففي كثير من الأحيان، يصنّف الحبّ على أنّه عيبًا، وممارسته تأخذ منحى السريّة دومًا، أي نحبّ سرًا لا علنًا.
في حديث مع صديق، عن هذا الموضوع، قال: "أسلوب حياة المجتمعات العربيّة بشكل عام، هو عبارة عن حياة سريّة لكل ما يعتقده البعض بأنه يتناقض مع ثقافة شعوبنا في هذه المنطقة. فالحبّ، كما الكحول والمخدرات والجنس والحريات الفرديّة عمومًا، مع اختلاف كل منها، يُمارس في الخفاء، فعلى سبيل المثال، تدخن بعض النساء السجائر سرًا بلا علم الزوج أو الأب، وبالتالي، الممارسات السريّة غير مقتصرة فقط على الحبّ".
من جديد، وعلى الرغم من أهمية شكل تقديم الحبّ في الموروث الثقافيّ، كما الفنّي المعاصر، إلا أن الفكرة المرعبة هي الانفصام الذي نعيشه في ظلّ معادلة المسموح والممنوع في حيواتنا، وبالأخص الحبّ، بمعنى وعلى سبيل المثال، ينكشف جيل الشباب على مضامين فنيّة عديدة تتطرق إلى الحبّ والعلاقات العاطفيّة، وهي متوفّرة وسهلة المنال نسبيًا، في الإذاعات والتلفزيونات، يسمعها ويشاهدها كلّ الأجيال، لكن على أرض الواقع: ممنوع تجريب الحبّ في البيوت!
عن هذا تقول صديقة: "على الرّغم من أن 90 بالمائة من الأغاني العربيّة عن الحبّ والغرام، إلّا أن الواقع كان محافظًا وأبويًا دائمًا ويمنع الفتاة من التعبير عن مشاعرها في الحبّ أو أن تكون لديها علاقات. حتى التعبير عن الحبّ كان مقتصر على الرجال في القصائد القديمة على سبيل المثال".
على الرّغم من هذه العلاقة العكسيّة بين حضور الحبّ في الثقافة والفنّ وبين حضوره في حياة البشر، حيث يبدو أن ازدياد أغاني الحبّ على سبيل المثال يدل على فقدان الحبّ في حيواتنا، إلّا أن البشر يبتكرون دومًا طرقًا لممارسة أكثر المشاعر إنسانيّة، وهي الحبّ، خاصّة في واقع تزداد فيه مشاهد الكراهيّة كلّ يوم. وفي وقت يمكن للحبّ أن يكون الحلّ الوحيد لأزمات هذا الواقع، بلا تعامل سطحيّ مع هذا المبدأ، يبدأ بالسماح له بأن يكون ويُمارس علنًا بلا خوف من ردود الفعل الاجتماعيّة ضده وضد من يشعر به؛ بلا أن تخاف امرأة من أن تقتل إذا أحبّت، وبلا أن يضطر المثليّون للهروب من بلادهم كي يعبروا عن حبّهم علنًا، لربما عندها سيتغيّر الواقع. فمنع الحبّ، لا يمنعه من حياة البشر، إنّما فقط يعزز من سلطة المانعين، أولئك الذين لم يعرفوا نعمة الحبّ بعد، في الحقيقة، لا في الأفلام.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.