رشا حلوة: حجاب الفتيات، حرية شخصية أم انتهاك للطفولة؟
١١ أبريل ٢٠١٨بين كل حين وآخر، تعود قضيّة حجاب النساء إلى النقاش العامّ في أوروبا، وهذه المرة في ألمانيا، حيث ما زال الجدل الذي أثاره اقتراح وزير شؤون الاندماج بولاية شمال الراين ويستفاليا الألمانية، يوآخيم شتامب، حول منع الفتيات البالغات من العمر أقل من 14 عامًا من ارتداء الحجاب، حيًا، بين معارض ومؤيد، خاصّة في وسط السياسيّين الألمان.
قبل الخوض في ماهية الآراء المؤيدة للقانون والمعارضة له، من الجدير بالذكر أن اختيار السّن 14 عامًا نابع من أنه وفقًا لألمانيا يبدأ السّن القانوني لاختيار الانتماء الديني مع بلوغ الرابعة عشر. المهم، تختصر الآراء المؤيدة للقانون على أنّ "حظر الحجاب للفتيات تحت سن 14 عامًا من شأنه المساهمة في التخلص من الأرضية لنشأة العنصرية الناجمة عن أسباب دينية، وبالتالي فإن الحجاب يمكن أن يكون رمزًا يعزز هذا الأمر"، أمّا ملخص الآراء المعارضة للقانون، فمفادها هو: "يجب تربية الأطفال كأفراد يتمتعون بالحرية وبحق الاختيار، لذلك يجب تعزيز بناء الديموقراطية في المدارس، بالإضافة إلى التثقيف السياسي والتربية على قيم التعايش المشترك". وكان رئيس المجلس الإسلامي، برهان كسيجي، قد صرّح قائلًا: "إن حظر الحجاب لا يختلف عن الإجبار عليه، إذ كلاهما يسلب المسلمات حقهن".
إنّ مسألة الحجاب حاضرة دومًا، مع اختلاف حضورها في العالم العربي مقارنة بأوروبا، لاختلاف السياقات والدوافع التي تثير النقاش، يقول (ف.) من فلسطين: "الحجاب هو فرض ديني، وإن كان هنالك خلاف عليه، والخلاف لا يتعلق بمسألة الجيل، إنما بمسألة وجوده أو عدمه.
ففي حالة وجوده، أي تسليم بالفرض الديني، وإذا تحدثنا عن ذلك، فعندها نسحب ادعاء حرية الاختيار، لأن اختيارك مقرر مسبقًا حسب النّص الديني. ولكن بما أن هذا النص الديني ليس من الفرائض الأساسية: صلاة، صوم، زكاة، حج، شهادتين، فنحتاج إلى التعامل مع جذر الحجاب، خاصة بما يتعلق بالأطفال، وذلك لأن لا يمكن أن يكون معانٍ للحجاب إلّا معاني جنسية. بالتالي، لا يجوز تحميل الفتاة "حرية اختيار" فرض ديني في هذا الجيل، وفي جوهره سياقات تتعلق بما يسمى الشهوات التي هي لا تدركها تمامًا، وغالبًا سوف تُحمّل الفتاة هذه المعاني غصبًا. هذا يشبه التدخل في سن الزواج بما أنه شرعًا للفتاة أن تتزوج أول الحيض، أي من جيل 13 أو 14 عامًا، لذا بما أن الحديث عن أطفال، هنالك مكان للتدخل لضبط الظاهرة حتى لو كان مجتمعًا مسلمًا داخل دولة غير إسلامية".
بعيدًا عن أهمية الجدل الحاصل حول حرية المعتقد والاختيار في سياق حقوق الإنسان، وهذا مهمّ جدًا، لكن لا يمكن فصل النقاش أيضًا عن مسألة الطفولة وفرض قرارات الوالدين والعائلة على الأطفال والتي من شأنها أن تغيّر مجرى حيواتهم، خاصة الفتيات ضمن عقليات أبوية سلطوية على النساء، بلا تشكيل قاعدة خصبة وآمنة تمنح النساء في الجيل المناسب الحرية للاختيار والقرار، بما في ذلك مسألة الحجاب أيضًا، بلا أي شكل من أشكال الوصاية، ومسألة حجاب الفتيات من هذا المنطلق، لا تنفصل عن مسائل حياتية عديدة تُفرض على الفتيات صغيرات السّن، منها "الزواج المبكر" و"ختان الإناث" في بعض الأماكن، التي جميعها تنطلق من التعامل مع المرأة ككائن جنسي يجب "حمايته" وكبته وقمعه، وهي نابعة من دوافع ذكورية بالمطلق.
قبل كتابة المقال، كنت قد طرحت سؤالًا حول الجدل الحاصل في ألمانيا عبر صفحتي في موقع فيسبوك، حيث تنوّعت الردود بشأنه، منها التي وصفت "حجاب الطفلات على أنه جريمة بحقهن، جريمة سلب الطفولة والعار من الجسد"، تعليق آخر مفاده "مع هذا القرار وبشدّة، حرام قتل الطفولة، القانون هو حماية للطفل"، تعليق آخر كان: "أحزن كثيرًا لرؤية طفلات يلبسن الحجاب، لأن فتاة في مثل هذا العمر ليست واعية كي تأخذ قرار كهذا، وغالبًا يأتي القرار من سلطة أبوية، قانون كهذا سيمنع استغلال الأطفال والمراهقين من قبل العائلة والدين، وسيمنح الوقت والفرصة للفتاة كي تجد نفسها"، بالمقابل، كتب أحدهم تعليقًا مفاده: "مجرد نقاش قضايا كهذه هو تعدٍّ على حرية أي شخص، بإمكاننا أن نفكر بالحجاب على أنه زيّ شعبي بعيدًا عن الدين، وزي تقليدي متوارث، هل سيكون من حق أي شخص التدخل فيه؟".
امتدادًا للشق الثاني من التعليق الأخير، أعتقد أن هنالك حساسية بل وخطورة ما تكمن بوضع النقاش ضمن تقاليد وعادات، تنبع بالأساس من الخوف على ترجمة عادة سيئة بأنها شأن مجتمعي خاصّ، والتي - يا محاسن الصدف- فأغلب هذه "العادات" مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بواقع النساء والمستضعفين/ات وحرياتهم/ن.
بالعودة إلى ألمانيا والجدل الحاصل حول حظر الحجاب لفتيات دون 14 عامًا، من المهم أيضًا التعامل الحذر مع القضية ضمن السياق السياسي، في حديث مع (ص.)، المقيمة في ألمانيا، والتي عرّفت نفسها على أنها مسلمة ناشطة نسويًا، قالت: "لماذا لا يطلبون تعليمًا أفضل للفتيان والفتيات على حد سواء؟ لا سيما بالنظر إلى الظروف السيئة التي تعاني منها مدارس برلين مثلًا، ونقص الاستثمار فيها، ونقص المعلمين/ات من الأقليات؟ والقائمة تطول. أعتقد أن هذا هو نقاش وهمي يعود إلى النظرة الاستعمارية التي تعمل على تنظيم وتأديب الأقلية المسلمة".
هنالك وجهات نظر متنوعة إزاء القضية، سواء في العالم العربي أو للعرب الذين يعيشون في الخارج، على مستوى شخصي، أرى أنه من المفترض التعامل مع قضايا حساسة، بحساسية أيضًا، وعلى وجه الخصوص بما يتعلق بالأطفال، الذين غالبًا، وللأسف، يقعون ضحايا لقرارات والديهم أيًا كانت، على الرغم من أن هنالك قرارات أقل وطأة من غيرها عليهم، خاصة في جيل مؤسِس للتربية على المساواة وعدم التمييز وتقبل واحترام الآخر وحرية الاختيار، كلّ هذا يأتي من تربية أسرية ومجتمعية ومنهاج تربوي تعليمي وقانون، جميعها تعي وتؤمن بأهمية هذه الحقوق، التي تقع جلّ مسؤوليتها بحماية الأطفال ومنحهم مساحة للتعبير والاختيار، اليوم وفي المستقبل.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW