رشا حلوة: كلنا أيضًا، تعرضنا للتحرّش الجنسيّ
٢٥ أكتوبر ٢٠١٧امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ، بهاشتاغ #MeToo، والذي تُرجم إلى العربيّة بـ #أنا_أيضًا، حيث احتوى في بعض مضامينه قصصًا كتبتها نساء عن تعرضهن لأشكال متنوعة من التحرّش أو الاعتداء الجنسيّ.
القصص التي سردتها النساء عن تعرضهن للتحرّش الجنسيّ، جاءت ضمن حملة توعيّة أطلقتها الممثلة الأمريكيّة أليسا ميلانو التي دعت كل شخص في العالم تعرض للتحرّش والاعتداء الجنسيّ إلى مشاركة الهاشتاغ لإظهار حجم المشكلة عالميًا. وقد جاءت الحملة بعد فضيحة أحد منتجي هوليود، هارفي واينستين، الذي وجهت له اتهامات بالتحرّش والاعتداء على النساء. استجاب عدد كبير من النساء للحملة، واللواتي سردن قصص تعرضهن للتحرّش الجنسيّ بكافة أشكاله، وبكل لغات العالم.
وفي العالم العربيّ، بدأت النساء أيضًا بمشاركة قصص تعرضهن للتحرّش الجنسيّ، وسردنها علنًا، خاصّة عبر فضاء فيسبوك، بكل جرأة وقوة، حتى تفاصيل قصصهن الشخصيّة، سواء تلك التي تعرضنَ لها في البيوت، الشوارع، الجامعة، العمل، إلخ.
فكرة مشاركة نساء علنًا لقصص تعرضهن للتحرّش أو للاعتداء الجنسيّ، هو ليس بالمفهوم ضمنًا. نعم، هنالك قصص قليلة تم مشاركتها مؤخرًا عبر الصّحافة والإعلام الاجتماعيّ، خاصة ما وفّرته منصات الإنترنت من حملات توعيّة ومحاربة هذه الظواهر، إلّا أن هذا الكم من القصص الذي قرأناها على لسان النساء أنفسهن في كلّ البلاد العربيّة، هو غير مفهوم ضمنًا، ليست القصص بالطبع، جميعنا نعرف، خاصة النساء، بأن كل امرأة تعرضت على الأقل مرة في حياتها إلى شكل من أشكال التحرّش الجنسيّ، الكلامي أو الجسدي.
لكن جميعنا نعرف أيضًا، مدى صعوبة مشاركة النساء لقصصهن الشخصيّة، خاصّة في مجتمعات لا زالت تلوم المرأة التي تم التحرّش بها، أو الاعتداء عليها جنسيًا أو حتى اغتصابها، بأن هي المذنبة بذلك.
في حديث مع صديقة عن الحملة، قالت: "من حق كل امرأة أن تحكي علنًا عن قصص التحرّش الجنسيّ التي تعرضت لها بلا أن تهاجَم. وبرأيي، عدد النساء المشاركات بالحملة يكسر ردود الفعل الداخليّة في المجتمعات تجاه المرأة عندما تتعرض لتحرّش جنسيّ، مثل لومها أو جلدها لذاتها بدلًا من أن نلوم المعتدي عليها، بالإضافة إلى الحالات التي سمعنا فيها عن امرأة تعرضت للتحرّش، يقوم البعض بالتساؤل إن كان فعلًا ما تعرضت له هو اعتداء أم لا!".
امتدادًا من نقطة التعريف ما هو تحرّش أم لا، من الجدير بالإشارة والتأكيد دومًا، أن من الحق المرأة التي تعرضت لأي شكل من أشكال التحرّش أو الاعتداء الجنسيّ، أن تحدد وتعرّف وتوصف ما تعرضت له بما تراه مناسبًا، وإن شعرت بأن ما تعرضت له هو تحرّش، إذن هو تحرّش.
عن هذا، كتبت صديقة عبر صفحتها: "كل امرأة لديها تجربتها وفهمها لمثل هذه المواقف، ولكل امرأة الحق أن تترجم التصرف حسب شعورها في ذات اللحظة والحالة. باختصار، عند كل مرة تشعر فيها امرأة أن هنالك تهديد على أمنها وعلى حريتها، حتى في أبسط الأشياء، هذا تحرّش".
خلال أيام الحملة المكثفة، شارك عدد هائل من النساء قصصهن مع التحرّش. على قدر ما نعرف حجم الكارثة، إلا أن تبقى القصص بمثابة صدمة على كل متلقي ومتلقيّة، مع الكثير من الألم. إحدى النساء كتبت عبر صفحتها في الفيسبوك: "كنت أصغر من أن أفهم معنى أن يحاول رجل لا أعرفه لمسي لثوانٍ ثم يمضي في طريقه كأن شيئًا لم يكن. كنا يومها في رحلة إلى حديقة الحيوانات. فيما بعد، تعلّمت أن ذلك يسمى تحرّشًا جنسيًا وأن الأمر ممتد من التلميحات والإيحاءات الجنسيّة وصولًا إلى المضايقة الجسديّة المباشرة، وبناء على ذلك النطاق الواسع للتحرّش الجنسيّ، فتدوينة واحدة لن تكفي". بالطبع، أثارت الحملة ضجة كبيرة، قوتها تكمن بالقصص الحقيقيّة التي شاركتها النساء من العالم.
عربيًا، تم تغطيّة الحملة على أكثر من شكل، سواء بالصحافة كما عبر الإعلام الاجتماعيّ. بالطبع، لم يخلو الأمر من ردود فعل عربيّة منتقدة للحملة، فكتب أحدهم عبر تويتر: "المرأة هي جزء من المشكلة بلبسها وأسلوبها المبتذل مع الرجال وعطرها الحاد تبقى رائحته في الممر مستفزًا كل عابر"، لكن من هم مثله، أو من كتب بهذا الأسلوب المعروف بلوم الضحيّة دومًا، كان هنالك ردود كافيّة للتصدي له، من نساء ورجال. منها التدوينة التي كتبتها امرأة: "ليس هنالك امرأة لم تتعرض للتحرّش الجنسيّ، سواء الجسدي أو الكلامي. أيًا كان لبسها، ليس هنالك شكّ أن انعدام الأخلاق هو سبب الانحلال الفكريّ في المجتمع".
لا بدّ من توجيه التحيّة لكل امرأة قامت بمشاركة قصتها مع التحرّش الجنسيّ، لجرأتها وقوتها الذاتيّة في مواجهة واحدة من أكثر الظواهر بشاعة في العالم، كما مواجهة كل من يلومها بذلك. بما في ذلك، الإشارة إلى أهميّة هذه الحملات التي تسلط الضوء على ضرورة مواجهة التحرّش في كل مكان. كما ضرورة التوعيّة المستمرة تجاهها، لحماية الأطفال والنساء وكل من يمكن استغلاله/ـا والاعتداء عليه/ـا جسديًا من خلال فرض سلطة وقوة عليه و/أو عليها. التحرّش الجنسيّ موجود في كل مكان، وهو غير مقتصر لا على شكل أو لون أو مكان واحد ولا على طبقة اجتماعيّة أو مهنة محددة، وبالطبع النساء غير مسؤولات عن تعرضهن للتحرّش!
من المؤسف أننا لا زلنا نشدد على هذا حتى يومنا هذا، لكن من دواعي الأمل، هي رؤية هذا العدد من النساء اللواتي لا يخفن سرد قصصهن، ورفع أصابع الاتهام بوجه المتحرّشين كما بوجه صمت، وأحيانًا سخريّة، بعض فئات المجتمعات من قصصهن. ولربما أكثر ما يؤلمنا، هو وجود أفراد يتذمرون من سرد النساء لقصصهن، بل يتم اتهامهن بالمبالغة، وفي أحيان كثيرة، هؤلاء الأفراد يعيشون في دوائرنا "الآمنة".
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.