رشا حلوة: قيادة النساء للسيارة أو الدراجة..أساليب قمع متنوعة
٤ أكتوبر ٢٠١٧كان لا بدّ من الشعور بالمفاجأة مع صدور خبر السّماح للنساء السّعوديّات بقيادة السّيارة، يليه شعور بالفرح، ذات الفرح الذي شعرته النساء السعوديّات، خاصّة الناشطات منهن لسنوات طويلة ضد القانون الذي سنّه النظام السّعوديّ عام 1990 الذي ينصّ بعدم السماح للمرأة بقيادة السّيارة، وعلى أساسه حوكمت نساء سعوديّات عديدات ناضلن من أجل نيل هذا الحق، وبالتالي، هذا الفرح والاحتفال يعود لهن.
شعور الفرح مع النساء السّعوديّات، من نساء تحديدًا، لم يكن هو الوحيد الذي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، إنّما كانت هنالك بعض التعليقات، للأسف، السّاخرة من القضيّة ومن احتفال النساء السّعوديّات بانتصارهن، سخريّة بغالبيتها نابعة من شعور الاستعلاء، سواء من رجال أو نساء، على واقع يعتقدون بأنهم/ بأننا نعيش أفضل منه.
كتبت الباحثة الفلسطينيّة، د. سهاد ظاهر – ناشف عبر صفحتها، تعليقًا على الموضوع، مشيرة إلى ما أثمره نضال العديد من النساء السعوديّات اللواتي وصلن إلى إنجازات مهنيّة وثقافيّة عديدة بالعالم، كما وأنها انتقدت سخرية ومزايدة البعض على هذا الإنجاز، وتابعت: "نتمنّى لهن حاليًا النّجاح بإلغاء القيود المرافقة للقانون، والنجاح بسن قانون يحدد سن الرّشد (...) أمّا لنا (الفلسطينيات) أتمنى أن تستطيع من تريد سياقة الدّراجة أن تركبها بدون أن تُرجَم". وفي حديث خاص معها، أضافت: "طبعا هذا ليس تعميمًا على كلّ النساء الفلسطينيّات، هنالك جوانب من القوة لدى المرأة لتحدي ما مُنعت من فعله، كآلية مقاومة علنيّة وسريّة تختارها هي، إلّا أنني أنتقد السخرية والمزايدة على المرأة السعوديّة، فإن كنت على إدراك بواقع النساء الفلسطينيّات، هذا لا يعني بأني أفهم بواقع نساء عربيات أخريات، نسمح لأنفسنا أحيانًا أن نوعظ على حريات أخريات في دول أخرى، بلا أن نكون ملمات بسياقهن أو باحثات فيه، بالمقابل، هنالك إنجازات عديدة صنعتها النساء ضمن واقع فيه قمع، تمامًا كما واقعنا كفلسطينيّات في ظل القمع، أثمرت عنه إبداعات عديدة، لكن هذا لا يعطينا صلاحيّة وعظ نساء أخريات".
أساليب القمع ضد المرأة وحقوقها الإنسانيّة الأساسيّة تتعدد وتتنوع من مكان إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، منها تلك التي تُمارس ضمن قوانين هذه الدّول ومنها القوانين الاجتماعيّة، التي فرضتها المجتمعات على النساء، فمنع المرأة السّعوديّة من قيادة السّيارة حسب القانون، لا يختلف كثيرًا عن منع النساء في بعض المجتمعات من ركوب الدراجة الهوائيّة، بمعنى: تسمح بعض الفئات في المجتمعات للفتاة بأن تركب الدراجة الهوائيّة حتى سنّ معيّن، وبعد ذلك تُمنع من ركوبها، لماذا؟ ستكتشف النساء فيما بعد الإجابة عنه: "لأن ركوب الدراجة الهوائيّة من الممكن أن يسبب لفقدانها غشاء البكارة".
في حديث مع صديقة عربيّة في الثلاثينات من عمرها، قالت: "عندما كنت صغيرة، أحببت دراجتي الهوائيّة كثيرًا، ولكن عندما صرتُ في الحادية عشر من عمري أخبرتني أمّي بأنه من غير المسموح لي بعد الآن ركوب الدّراجة، قالت لي عندها بأنني أصبحت كبيرة وممنوع أن أبقى في الشوارع. لكن فيما بعد، وفي المدرسة، فهمت بأن هذا المنع له علاقة بموضوع فقدان غشاء البكارة. وهذا أرعبني، أصبحت خائفة أن أخسره نتاج أي حركة جسديّة!".
لا يتمحوّر المقال فقط حول المفهوم المباشر لركوب الدّراجة الهوائيّة، اذ يمكن أن يكون هذا الأمر بلا أهمية عند بعض النساء وبإمكانه أن يكون مهمًا، كما وأنه بالعموم لا توفّر شوارع بلادنا إمكانيّات سهلة لركوب الدّراجات الهوائيّة، كما وأنها ليست ثقافة عامّة تشكّل بديلًا جيدًا للطبيعة عن السّيارات، إلّا أنه في حال نظرنا إلى شوارع بلادنا عمومًا، نادر جدًا أن نرى امرأة تقود دراجة هوائيّة، أو يميل الاحتمال إلى الصّفر، وبالتالي، فإن حقيقة منع نساء من ركوب الدراجة "خوفًا" على غشاء بكارتهن، بإمكاني تطبيقه على تفاصيل عديدة في واقع اجتماعيّ فيه قمع للنساء، وبدلًا من السخريّة من الواقع السّعوديّ، وانجازات النساء هناك بما يتعلّق بقانون قيادة السيارة، فلنتوقف قليلًا عند أشكال القمع الاجتماعيّة الممارسة ضد المرأة في كل مكان.
في حديث مع الباحثة الفلسطينيّة همت زعبي حول هذه القضية، قالت: "من المهم وضع الأمور في سياقها، صحيح أن واقع النساء في السّعوديّة صعب، لكن هذا موجود في كل مكان، هنالك معيقات اجتماعيّة غير محكيّة. لدينا معيقات لا تقلّ أهميّة، ليس منذ زمن بعيد مُنعت مبادرة امرأة فلسطينيّة عملت على تنظيم ماراتون للركض، كيف يختلف هذا عن منع النساء السعوديات من قيادة السيارة؟ تعاني النساء في كل العالم من قمع بأشكال مختلفة، وكل امرأة ومجموعة نساء تجد وسائلها للنضال ضد هذا القمع، وما حصل في السعودية هو إنجاز للنساء السعوديات، بلا أن نقوم بوصاية على أحد. وفيما يتعلّق بسّن الرّشد حسب القانون في السّعوديّة، لدينا في مجتمعاتنا أيضًا سن رشد اجتماعيّ، يحدد على المرأة ساعة العودة إلى البيت، كما أنه يطلق الأحكام على المرأة التي تقود سيارتها في الليل".
يجدر الإشارة، إلى أن قضيّة ركوب الدراجة الهوائيّة كما السخريّة من انجازات نساء أخريات، هو ليس تعميمًا، لكن لربما هنالك ضرورة دائمة لأن نسلط الضوء على تفاصيل في حياتنا، وإن كانت هامشيّة لدى البعض، لكنها بالطبع تعطي صورة أوسع عن الواقع. والأهم من ذلك، أن نحاول قدر الإمكان أن لا نستهتر من إنجازات أخريات، ببساطة، لأننا لا نعرف واقعهن ولم نجربه، ولأنه بالفعل هنالك قوانين اجتماعيّة لا تقل قسوة عن قوانين الأنظمة، وأحكام اجتماعيّة لا تقل ثقلًا عن القانونيّة، لكن، كما إنجازات النساء السعوديّات، استطاعت وتستطيع النساء دومًا تحقيق أحلامهن الطبيعيّة، حتّى وإن كان بركوب دراجة هوائيّة، وهذا ليس حلمًا صغيرًا.
* المقال يعبرعن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسةDW.