رشا حلوة: مِثليَّة المشاهير، هل تساهم في تقبّل المثليين؟
٩ يناير ٢٠١٩مع ليلة رأس السنة الميلادية، أعلن الفنان العالمي ريكي مارتن (47 عامًا) عبر صفحته في انستغرام، ميلاد ابنته لوسيا مارتن يوسف، التي وُلدت عن طريق رحم مستأجر، بالنظر إلى كونه يعيش حياة مثلية مع شريكه الرسام السوري جوان يوسف، وكان قد كتب مارتن تعليقًا على الصورة: "نشعر بسعادة أكبر من أن توصف ونحن نعلن أننا أصبحنا أبوين لهذه المولودة التي تنعم بصحة جيدة"، حيث قام شريكه جوان بنفس الفعل، مضيفًا نفس الجملة باللغة العربية أيضًا.
كما هو متوقّع، بشكل أو بآخر، تثير الأخبار المتعلّقة بحياة المثليّين، ضجة ما، سواء بالإعلان عن الهوية الجنسية، أو بتصريحات متنوعة بشأنها، وبالأساس في الحديث عن تشكيل أسرة مع أطفال. حيث كان قد ذكر ريكي مارتن في مقابلة سابقة له، بأنه "يتعمد الظهور بجانب زوجه السوري أمام عدسات الكاميرا وتحت أضواء الإعلام، حتّى يدرك الناس أن الأمر يتعلق بعائلة طبيعية وأنه لا وجود لخطأ في الأمر".
بالمقابل، هنالك بالضرورة تأثير ما لإضافة هوية جوان يوسف لعناوين الأخبار، فيما يتعلّق بتعامل المجتمعات العربية (إن صح التعبير) إزاء هذا الخبر، ولا من تعميم هنا، لكن يبقى سؤال أحدهم عبر تويتر، مهمًا، وهو: "لماذا يُذكر ريكي مارتن باسمه دون جنسيته، وتُذكر جنسية الرجل الثاني دون التطرق لاسمه أو يُذكر الاسم والجنسية معًا؟". وبالتالي، فقد شُنّ هجوم ما على جوان يوسف، ونُعت بصفات عديدة، لكن سؤالي في هذا السياق، وبعيدًا عن الهجوم على جوان يوسف وعائلته، هل من تأثير إيجابي على المجتمع نتاج هذه الخطوات العلنية لشخصيات مشهورة كي يصبح هنالك "تقبّل" أكثر للمثلية الجنسية؟ وبالمقابل، هل تُسهّل علنية هذه الشخصيات على آخرين من مجتمع الميم بالإعلان عن هويّاتهم الجنسية؟
للإجابة عن هذا السؤال، تحدّثت مع إبراهيم (اسم مستعار)، وهو كويري(الهويات الجندرية غير النمطية أو الخارجة عنثنائية ذكر/أنثى)، قال: "هنالك تأثير على المجتمعات، سواء العربية أو غير العربية، في سياق تقبّل أو رفض المثلية. في المجتمعات الغربية، وفي وسط الناس ذوي ميول متشددة، لا يتقبلون المثلية بشكل عام، أما بالنسبة للمجتمعات التي تسود فيها توجهات ليبرالية، فإن وجود مثليين على الشاشة يزيد ظهورهم من تقبلهم بشكل أوسع، وأعتقد أن وجود مثليين من المشاهير وحديثهم عن المثلية كظاهرة طبيعية، أثّر على تقبّل المجتمعات للمثلية. وعدم وجود هذا التمثيل في الثمانينات مثلًا، وسط انتشار وباء الإيدز، منح شعورًا للمثليين بأنهم ليسوا بشرًا ولا من أحد يهتم بهم. لو انتشر وباء الإيدز في هذا العصر، لكان التعامل معه مختلفًا".
بالنسبة للمجتمعات العربية، يرى إبراهيم أن الأمر يختلف قليلًا، ويضيف: "لأنه من الطبيعي أن لا نتقبّل المثلية في مجتمعاتنا، فمن يتكلّم عنها كأنها أمر طبيعي، يصبح هو الغريب وليس العكس. شخصيات مثل حامد سنو، مغني فرقة مشروع ليلى، وغيره، فتحوا مجالاً للنقاش من خلال دعمهم لمجتمع الميم والمثلية في العالم العربي".
هنالك مقالات وأبحاث كثيرة تحدثت عن تأثير ما يُقدّم في الميديا على بلورة وعي جمعي إزاء ذلك، سواء كان وعيًا إيجابيًا أو سلبيًا، والأحكام هنا بالضرورة عندما نتحدث عن احتضان أو إقصاء البشر. مثالٌ على ذلك، تصوير "جمال المرأة المقبول" عالميًا، أثّر على نهج حياة عدد كبير من النساء، وما زال، كذلك على منظورنا لما "هو جميل"، وبالتالي، هنالك قمع لمعايير جمال أخرى غير معروضة على الشاشات. من هذا المنطلق، من الجدير بالإشارة، أن في الميديا والأفلام العربية خاصّة، ما زالت تُعرض شخصية الإنسان المثلي بصورة سلبية، تلائم عقليات المجتمع الذكورية وتواصل هذه الصورة في قمع المثليين بأشكال متنوعة. لكن، هل العلنية الحاضرة اليوم - بصورة إيجابية إن صح التعبير - للمثليين، تعود بالفائدة على مجتمع الميم؟
في حديث مع موسى الشديدي، وهو كاتب وفنان تشكيلي كويري، حول السؤال السابق، قال: "أرى أن طرح الموضوع في سياق ترسيخ هويات جنسية ليبرالية غربية، بالأساس مؤذٍ. عادة هذا الإشهار المتمحور حول الهوية الجنسية يسبب موجة عنف ضد الكويريين في البلاد الناطقة بالعربية، يدفع ثمنه خصوصًا القادم من طبقة اقتصادية أقل أو من عمر أصغر أو صاحب تعبير جندري أنثوي أكثر، وكل من لديه امتيازات أقل من ريكي مارتن، وأعدادهم كبيرة. كأن المجتمع يريد أن يحاسبهم على أفعال ريكي مارتن، محليًا أعتقد أن هنالك أُطر للحديث عن الحريات الجنسية والجسدية أفضل من أُطر الهويات الجنسية، ففكرة الخروج من الخزانة كانت قد انتقدتها النظرية الكويرية من البداية، أرى لربما أنها استراتيجية مناسبة في الغرب، مع أنها مُنتقدَة هناك أيضًا، لكنها لا تفيد محليًا، منذ العام 2012، وعملي في الحقل، لم أرى أن خروج شخص مشهور من الخزانة ساهم بأن يتقبّل المجتمع المثليين، وفي أحيانًا كثيرة، أنتج عن عنف أكثر تجاههم"، وتابع موسى: "اليوم، ومن هو/هي جنسانيته/ا غير معيارية في المجتمعات المحلية، يتحدث/ تتحدث على سهولة حياته/ا قبل 10 سنوات مقارنة باليوم، سهولة المشي بالشارع مثلًا، وهذا سببه الظهور والإفصاح غير المدروسين".
كنت قد كتبت عن حق المثليين/ات بالإنجاب، وبتكوين أسر وأن يصبحوا أمهات وآباء، وبالتالي، لا يأتي هذا المقال ليُناقش حقهم/ن الإنساني هذا، لكنه أتى لطرح أسئلة حول كيف يمكن أن تُشكّل بيئة حاضنة لقرارات البشر هذه، وهل تُساهم قصص مثل ريكي مارتن وجوان يوسف بسيرورة التشكيل هذه أم لا؟ ليس بالضرورة، لربما تساهم في أن يشعر البعض من مجتمع الميم، بأنه ليس لوحده، وأن رغباته قابلة للتحقيق بتقنيات عديدة يوفّرها الطبّ والتكنولوجيا اليوم، لكن الاحتضان الجماعي، وليس بالضرورة الاحتضان المطلق! ليس سريع التحقيق. وبالتالي ما يمكن طرحه هو أن تكون مجتمعاتنا أقل عنفًا تجاه المثليين وخياراتهم/ن الحياتية، مع أنه يحتاج ذلك إلى طريق طويل، لكن على ما يبدو، أضواء أمل كثيرة من حولنا، سببها الناشطين/ات والمؤسسات التي تُعنى بقضايا المثليين/ات والعابرين/ات للجنس، تعرف الواقع عن قرب وكيفية بناء حوار معه، على أمل أن يُساهم هذا الحوار في خلق فضاءات أكثر أمانًا.
* الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.