رشا حلوة: نساء مطلقات أو أرامل يعشن تحت مجهر العيب والممنوع
٣ أبريل ٢٠١٩أصدرت المغنية اللبنانية كارول سماحة، في 25 آذار/ مارس 2019 أغنيتها الجديدة بعنوان "مطلقة"، الأغنية التي تبدأ بالكلمات التالية: "حُكم عليَّ بالوحدة، والجريمة: مُطلقة.."، وتتابع: "ممنوعة أن أُعشَق، للاستعمال السريري فقط مع شهادة خبرة مصدقة. امرأة مستعملة... زورق بأشرعة ممزقة. يراني الرجال سريرًا أو كوب رغبة يريدون منه معلقة. كأنني محطة انتظار يزورها الجميع لكن لا أحد بها يبقى .. نعم أنا المطلقة".
أثارت الأغنية جدلًا واسعة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد/ة ومعارض/ة على مضمون الأغنية ومقولتها الاجتماعية الصارخة التي تقف إلى جانب النساء المطلقات في معاركهن الاجتماعية وكذلك الحياتية المتجسّدة بتفاصيل عديدة، منها الحق بالحبّ من جديد. حيث هدفت الأغنية في صلبها إلى تسليط الضوء على المرأة المطلقة ومعاناتها في بعض المجتمعات العربية الشرقية.
لا تحتوي الأغنية فقط على مضمونٍ جديدٍ غير معتاد في الأغنية العربية عامّة، في زمن تتميّز أغاني "البوب" بمواضيع متعلقة بالبحث عن الحبيب والشوق له، إلخ.. وكذلك في صوت امرأة ترسّخ بحثها عن الحبّ من موضع "ضعف"، إنّ صحّ التعبير. فتأتي هذه الأغنية بمقولة جديدة وجريئة، تحكي باسم شريحة من النساء اللواتي لا يحضرن عادة في مضامين الأغاني أو التلفزيون أو السينما، وإن حضرن، فعلى الأرجح بالصورة التي رسمتها المجتمعات: النظرة السلبية تجاه المرأة المطلقة، التي ترتكز على تحميلها مسؤولية الطلاق و"فشل" العلاقة الزوجية.
بالإضافة إلى ذلك، تجسّد كارول سماحة في أغنيتها تعامل بعض الرجال مع النساء المطلقات، فيما يتعلّق بالعلاقات العاطفية والجنسية أيضًا، فتستخدم مصطلح "امرأة مستعملة"، وهو مصطلح شائع الاستخدام وسط بعض المجتمعات العربية، يعود إلى ربط "الشرف" بـ "عذرية" المرأة، وإلى غشاء البكارة. فالمرأة المطلقة بالضرورة قد مارست الجنس مع زوجها/ طليقها، فهي تُخرَج من الاعتبارات الذكورية تجاه المرأة التي "تُصلح" للزواج، فهنالك من مارس الجنس معها "من قبل"، ورجال كثيرون لا يقبلون أن يرتبطوا عاطفيًا أو أن يتزوجوا من امرأة "ليست عذراء" بعد، لذلك تقول كارول سماحة في أغنيتها: "كأني محطة انتظار يزورها الجميع لكن لا أحد بها يبقى..".
هذه المعادلة غالبًا لا تسري على الرجال المطلقين، سواء من "عدم" تحميلهم مسؤولية فشل المؤسسة الزوجية أو من أن "يحظوا" بعلاقات عاطفية أو زوجية أخرى بعد طلاقهما، بلا أحكام متعلقة بأجسادهم ولا أنماط حياتهم. هذه الأحكام أيضًا التي تغيب في سياقات أخرى، بما يتعلق بالنساء الأرامل والرجال الأرامل، اللواتي/ اللذين فقدن/ فقدوا شركاء حياتهم/ن. بمعنى، تربطنا هذه الفكرة بالسؤال: كيف تُعامل النساء الأرامل مقارنة بالرجال الأرامل في بعض المجتمعات العربية؟
بالطبع، يختلف منبع الأحكام المجتمعية على النساء الأرامل مقارنة بالمطلقات، بمعنى، يغيب تحميل المسؤولية لأن الموت مختلف عن الطلاق، لكن بالمقابل، ما زالت تُمارس على النساء الأرامل مراقبة مجتمعية ما، وإن لم تُمارس بشكل مباشر، فهي تُذوّت في النساء أنفسهن واحتمال أن يرتبطن عاطفيًا برجل آخر بعد موت أزواجهن أو أن يتزوجن من جديد، وعادة، هذا غير وارد اجتماعيًا أو شخصيًا (الرقابة الذاتية)، مقارنة بالرجال الأرامل الذين تشجّعهم المجتمعات عادة على الزواج من جديد، كي تكون هنالك من "تدبر" أمور حيواتهم وبيوتهم أيضًا.
في حديث مع سميرة (اسم مستعار)، وهي امرأة في الأربعين من عمرها، ترملت في بداية الثلاثينات من عمرها بصحبة طفليْن، عن الواقع الذي تعيشه النساء الأرامل في المجتمعات من تجربتها، قالت: "أعتقد أن المجتمع يفكر بأنه من المسموح للرجل الأرمل أن يتزوّج من جديد والمرأة ممنوعة من ذلك، لأن المجتمع يرى بأن على الرجل الخروج للعمل والمرأة عليها رعاية الأطفال والبيت. من تجربتي، أعتقد أن المرأة أقوى من الرجل في أن يكون بمقدورها العيش وحدها مع أطفالها، لم أعرف في حياتي عن رجل مطلق أو أرمل ولم يتزوّج من جديد. من تجربتي أيضًا كامرأة أرملة، نحن نعيش في مجتمعات ترغب بافتراسنا، كأنني أعيش في غابة وكل الأسود تريد افتراسي. المجتمع يرى فينا كنساء أرامل أو مطلقات بأننا مساكين، ولسن أقوياء".
تختلف معاناة النساء المطلقات عن الأرامل، وإن تشابهت بالقاعدة الأساسية التي تنطلق منها عقليات المجتمعات الذكورية تجاه دور المرأة وجسدها وحريتها، وكذلك حقّها في الاختيار. هذه القاعدة تعود إلى منظومات اجتماعية في بعض المجتمعات ترى في الأبوية هي الوصي على المرأة، روحها وجسدها. وبالتالي، كل ما له علاقة بعاطفتها وجسدها، ليس ملكها، بل ملك العائلة التي تنتمي إليها والمحيط الذي تعيش فيه، مما يجعل النساء اللواتي اخترن الطلاق أوفُرض عليهن، محطًا للمراقبة الدائمة وللقمع الذي يمارس عليهن بأن يواصلن حياتهن كبشر، وإحدى طرق مواصلة هذه الحياة هو الشعور الطبيعي والإنساني بالحبّ والارتباط العاطفي واحترام حقهن باختيار حيواتهن، بلا أن يعشنها تحت مجهر العيب والممنوع والتعنيف بأشكاله العديدة.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW