رغد العيش وتحديات أمراض الرفاهية
٢١ أكتوبر ٢٠١١في المجال الصحي هناك تحول منهجي، فيما يصفه العلماء بالتحول الوبائي. وهذا يعني أن الأمراض المزمنة ستحل محل الأمراض المعدية، كمسبب أول للوفاة. فإذا ما استثنينا دول جنوب الصحراء في إفريقيا، فإننا نجد أن أمراضا مثل السكري وضغط الدم المرتفع والبدانة، تتسبب في وفاة عدد أكبر من الناس، من أولئك الذين يموتون بأمراض الإيدز والملاريا والسل. وهذا الاتجاه في تصاعد قوي. ويجد بعض العلماء، مثل بيتر بايوت من المدرسة البريطانية للصحة والطب، أن هذا الأمر أكثر من مثير للقلق: "إن ذلك مثار للسخرية، لأن هذا التطور كان بالإمكان تلافيه. إنه نتيجة لطريقة الحياة غير الصحية، التي امتدت من أميركا وأوربا إلى مناطق أخرى في العالم".
الفقر مسبب للأمراض المزمنة والعكس صحيح
الطعام المالح أو الحلو أو الغني بالدهون، وقلة الحركة، كلها أمور يعيشها كثير من الناس في الدول المتقدمة. الأمراض المزمنة تعتبر من أمراض الرفاهية أو التطور المدني في الدول الصناعية الغربية. ولكن العولمة والتمدن جعلت حتى سكان القارة الأفريقية يلجأون إلى الأطعمة المحضرة صناعيا بدلا من الوجبات التقليدية. في الإمارات العربية يتم استهلاك كميات هائلة من المشروبات الغنية بالسكر. كما أن صناعة التبغ امتدت إلى القارة الآسيوية بقوة، بسبب القوانين الصارمة ضدها في أوربا وأميركا.
بيكا بوسكا، رئيس الاتحاد العالمي لأمراض القلب، يعتبر الربط بين الأمراض المزمنة ومستوى المعيشة فكرة قديمة لم تعد صالحة في هذا العصر. "فحتى في الدول الغنية، مثل الدول الأوربية، ترتفع في الأوساط الاجتماعية ذات الدخل المنخفض احتمالات الإصابة بتلك الأمراض. إنها مرتبطة بقوة بالفقر والمستوى الاجتماعي المنخفض"، كما يرى بوسكا. ولكن هذا المنطق يصح بالعكس أيضا: "في الدول المتطورة تحديدا يصبح الناس المصابون بالأمراض المزمنة ضحية للفقر أكثر من غيرهم، لعدم وجود دعم مالي كاف لهم. فالفقر نتيجة للمرض".
80 بالمائة من الناس الذين يموتون نتيجة لأمراض مزمنة، ينتمون إلى دول ذات دخل منخفض إلى متوسط. وباستمرار يكتشف مزيد من العلماء والسياسيين والمنظمات الدولية هذه المشكلة. ولكن إلى جانب السكري وأمراض القلب فإن هناك جانبا آخر من الأمراض المزمنة لم يلق حتى الآن الاهتمام الكافي. إنها الأمراض النفسية. يعاني حوالي 150 مليونا من البشر حول العالم من الاكتئاب. ويحذر بيتر بايوت من كون "الأمراض النفسية أكثر الأمراض إهمالا على الإطلاق". كما أنها تعتبر مسببا لأمراض أخرى. وبعض تلك الأمراض النفسية يمكن معالجتها، مثل الاكتئاب أو انفصام الشخصية. ولكن المشكلة تكمن في عدم اهتمام السياسيين بها، يقول بايوت منتقدا.
درهم وقاية خير من قنطار علاج
بعض الأمراض، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم قابلة للوقاية. "إنها أمراض يمكن تلافي الإصابة بها"، كما يؤكد الدكتورعلاء العلوان، المسؤول عن جانب الأمراض غير المعدية والأمراض النفسية لدى منظمة الصحة العالمية. ويضيف العلوان قائلا: "فإذا ما خفض المرء استهلاك الكحوليات والتبغ، وغذّى نفسه بشكل صحي، وقام بمزيد من الحركة (الرياضة)، فإن باستطاعته أن يتحاشى الإصابة بجزء مهم من أمراض القلب والسكري وبعض أنواع السرطانات". ولكن الصعوبة في تحقيق كل ذلك تكمن في أن الإجراءات الوقائية التي تضع السكان في طريقة حياة صحية تحتاج إلى تغيير في السلوك. وهذا التغيير يصعب تحقيقه ويرتبط بمسألة التوازن المناسب بين تدخل الدول من جهة، عن طريق منع التدخين في الأماكن العامة مثلا، وبين حماية الحرية الفردية من جهة أخرى. ولكن بالنسبة لبيكا بوسكا فلا يوجد تناقض في ذلك، "إنها عملية تغيير اجتماعي. يجب أن نساعد الناس عن طريق التوعية، لكي يعيشوا بطريقة صحية أكثر. أما ماذا نأكل أو كيف نتحرك، فإن البيئة كفيلة بتنظيم ذلك". وحتى تنجح جهود مكافحة الأمراض المزمنة لابد من تعاضد الأقاليم المحلية والدولة وشركات صناعة الأغذية وغيرها من الجهات الفاعلة.
ولكن بيتر بايوت لا يخفي شكوكه حول توافر وعي كاف بشأن المشكلة، ويدعو إلى الاستعجال في التعامل مع الإحصائيات التي تشير إلى زيادة الوزن لدى الشباب في أوربا. "يجب اتخاذ إجراءات جديدة، مثل فرض ضرائب إضافية على الأطعمة غير الصحية، وعلى التبغ والمشروبات الكحولية". برأي بايوت تتمثل المشكلة في التركيز على استثمار أموال كبيرة في العلاج الطبي، بدلا من الاستثمار في جانب الوقاية. وطالما لا يوجد تغيير في هذا الجانب، فإن العالم لم يصبح ناضجا بما يكفي لمواجهة تحدي الأمراض المزمنة.
آنا كورفيس/ فلاح الياس
مراجعة:هبة الله إسماعيل