رفض أوروبي لإقتراح بريطاني تقشفي لحل أزمة الموازنة القادمة
إستقبل الاقتراح البريطاني للخروج من المأزق بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي بفتور في غالبية العواصم الأوروبية، في الوقت الذي كان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو لازال يوضح في لندن مشروع للاتحاد الأوروبي. وجاءت ردود أفعال الحكومات متفاوتة بين الرفض الصريح والمبطن في عبارات معتدلة لكنها عبرت عن غياب واضح لأي حماسة تجاه الإقتراح البريطاني. ومن جهته كان رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل دوراو باروزو أول من اشعل شرارة الرفض من بروكسيل، بينما توالت ردود الأفعال من العواصم الأوربية الأخرى مما ينبىء بمعركة حامية حول الأرقام والحجج حتى موعد القمة الأوروبية المرتقب أجراؤها في منتصف الشهر الحالي والتي ستبت في مشروع الميزانية القادمة للإتحاد الأوروبي.
ماهية الإقتراح البريطاني
إقترحت بريطانيا، الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، أول أمس الاثنين خفضا بنسبة تصل إلى حوالي ثمانية في المئة في المخصصات المتعلقة بالمساعدات للدول الجديدة الأعضاء في الاتحاد في الموزانة الأوروبية المخصصىة للأعوام 2007-2013. وأوضحت لندن أن هذا الخفض سيوفر 14 مليار دولار من المساعدات للأعضاء الجدد إلى جانب خفض خمسة مليارات من صناديق تنمية الريف في أوروبا. وفي هذا الإطار كان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يأمل من وراء الخطة المقترحة تمهيد الطريق أمام التوصل إلى اتفاق خلال القمة الأوروبية المقبلة لإنهاء الجمود الذي أرهق الاتحاد مؤخرا. ورغبة منها في إثبات استعدادها أيضا للتقشف أعلنت لندن في موازاة الخطة المقترحة عن تنازلها للمرة الأولى عن جزء من "الخصم" الشهير الذي تحظى به بريطانيا لجهة مساهمتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي والذي كانت مارجريت تاتشر قد انتزعته في عام 1984، غير أن ذلك لم يقنع العواصم الأوربية الأخرى بقبول الخطة البريطانية.
المفوضية الأوروبية: الاقتراح "غير مقبول وغير واقعي"
اعتبر رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل دوراو باروزو أن الاقتراح البريطاني "غير مقبول" و "ليس واقعيا"، لأنه لا ياخذ بالاعتبار إحتياجات أوروبا الموسعة اليوم، وأوروبا القوية "التي نريدها في المستقبل". وأكد باروزو في السياق نفسه الذي ابلغ رد فعله لرئيس الوزراء البريطاني "إنها موازنة لأوروبا مصغرة"، مضيفاً في هذا الصدد بأنه سيتم العمل في الأيام القادمة على إيجاد اقتراح"منسجم مع أهداف" الاتحاد الأوروبي.
باريس: الإقتراح "يهدف إلى تمويل الحسم" لبريطانيا
من جانبها اعتبرت فرنسا أن هذه المقترحات "لا يبدو أنها تؤدي إلى الاتفاق الذي نصبو اليه". ووصف دبلوماسي فرنسي الاقتراح بأنه يطلب من الدول المساهمة أن تمول الحسم الممنوح للندن الذي لا يزال مستواه مرتفعا، حسب تعبير الدبلوماسي الفرنسي، الذي أضاف بان المطلوب من الدول المساهمة هو بذل جهد ليس لتمويل سياسات التضامن بل للحفاظ على مستوى مرتفع من الخصم الممنوح لبريطانيا.
رفض برتغالي بولندي
كما رفضت البرتغال، على لسان وزير خارجيتها ديوغو فريتاس دو امارال الذي وصف الإقتراح البريطاني بأنه "مثير للقلق جدا" بصيغته الحالية، كما أنه يحد من إمكانية تحرك الاتحاد الأوروبي وقدراته وحداثته وحضوره على الساحة الدولية، مشيرا في هذا السياق إلى إن الدول الغنية تكسب والدول الفقيرة تخسر، حسب تعبير المسئول البرتغالي. ومن جانبه وصف رئيس البولندي كازيمير مارتشينكيفيتش الخطة بأنها مخيبة للآمال وعبر عن عدم قبول بلاده لها "بهذه الصيغة"، لأنها في نظره "لا تحترم مبدأ التضامن". أما المستشارة الألمانية الجديدة أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني فقد رفضا التعبير عن إي موقف قبل دراسة الإقتراح البريطانية بشكل متعمق.
صمت وتحفظ المستفيدين؟
من ناحية مالية بحتة وبلغة الأرقام المجردة فان الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي هم المتضررون من الإقتراح البريطاني، لأن عليهم التنازل عن 14 مليار يورو من المساعدات المالية المقررة لهم والمخصصة لتحسين بنية إقتصادياتهم التحتية. وعلى النقيض من ذلك هناك دول ستستفيد من ذلك. ويعتقد المحللون الماليون انه وفقا لهذه الخطة ستستفيد مثلا لوكسمبورج وبلجيكا التي تحتضنان مقر مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بحوالي مليار يورو، بينما قد تستفيد ألمانيا ملياراً إلى مليارين على مدى السنوات السبع القادمة التي تشملها فترة الموازنة المقترحة. ويلاحظ أن هذه الدول قد فضلت عدم التسرع في الحكم على الخطة البريطانية أو استخدمت لغة معتدلة في وصفها للخطة!
تقرير: عبده جميل المخلافي ـ دويتشة فيله