رموز سيادة العراق في قرارات مؤجلة
٢ ديسمبر ٢٠١١تعبر الرموز الوطنية في كل بلد، وهي النشيد الوطني والعلم والعيد الوطني، عن سيادته واستقلاله. وتعبر من جانب آخر أيضا عن جزء من تاريخ البلد وحضارته. لكن رموز العراق الوطنية ليست مؤجلة إلى إشعار آخر فحسب، بل إنها محل اختلاف العراقيين على مدى التاريخ الحديث، وتغيرت على مدى قرن من الزمان عدة مرات. ويرى الكثير من العراقيين وعلى مدى عمر الدولة الحديثة أنها لا تعبر عنهم.
النشيد الوطني مختلف عليه، من يكتبه؟ ومن يلحنه؟ ومن ينشده؟ أما العيد الوطني فمشكلة كبيرة. فالاختلاف يدور حول تحديد اليوم والمناسبة. أما علم العراق، فقد تغير خمس مرات خلال ثمانين عاما من عمر الدولة الحديثة في العراق. والعلم الحالي الذي أقر في عام 2008 فهو علم مؤقت، بانتظار صدور قانون العلم الذي سيوضع بموجبه علم جديد، وهذه هي المشكلة الكبرى في البلاد.
النظام السابق حل المشكلة من زاوية إيديولوجيته القومية، فرفع علم الوحدة العربية بين العراق ومصر وسوريا، رغم أن مشروع الوحدة لم يتحقق إطلاقا. كما أن النظام السابق رأى في رفاقه الوحدويين في سوريا ومصر أعداء ينبغي محاربتهم لفترة طويلة. أما النشيد الوطني فتم اختياره من وحي فكرة الوحدة، وأنشدته مجموعة الإنشاد التابعة للفرقة القومية للفنون آنذاك. والسؤال المطروح هو إلى متى تبقى رموز سيادة العراق مؤجلة؟ خصوصا وأن البلد مقبل على انسحاب كامل للقوات الأمريكية من أراضيه.
النخبة الجديدة والصراع السياسي
يقول الصحافي العراقي المقيم في باريس سيف الخياط في حواره مع العراق اليوم "إن العراق يمر بأزمة حقيقية". ويحدد الخياط مظاهر الأزمة بوجود "دولة دون ملامح" وبدون " هوية ودون " انتماء"، رغم أن البلد مقبل على "عتبة نيل السيادة الكاملة والاستقلال". ويٌُحمًل الخياط النخبة السياسية الحاكمة التي أفرزتها ظروف الحرب الأخيرة في العراق مسؤولية ذلك. ويقول في هذا السياق " النخبة السياسية هي المسئولة عن غياب الرموز الوطنية والسيادية، لأنها لم تمهد الطريق لقيام دولة عراقية جديدة ديمقراطية، بل إنها إعادة إنتاج ما خلفته السلطة السابقة".
ويشير الصحافي سيف الخياط إلى أن العراقيين يقفون أمام "مشهد مفكك للعراق". ويؤكد الفنان العراقي ساطع هاشم الرأي في تحميل السياسيين العراقيين الجدد مسؤولية تأجيل ملف الرموز الوطنية والسيادية في البلاد، مشيرا إلى " أن المشكلة هي أكبر من ملف الرموز الوطنية". لكن البعض يعتقد أن الوجود الأمريكي في العراق له تأثير على الساسة العراقيين، الذين قد يعتقدون أنه لا يمكن وضع رموز وطنية تمثل الاستقلال التام والسيادة الكاملة في ظل تواجد عسكري أجنبي على الأراضي العراقية.
لكن المحلل السياسي العراقي صادق حسين الركابي ينفي أن يكون للانتشار الأمريكي في العراق دور في تأجيل ملف الرموز السيادية. كما لا يعتقد الركابي أن يشعر السياسيون العراقيون بأي "خجل" إزاء الوجود الأمريكي في العراق، إذا ما اتفقوا على اختيار علم ونشيد للبلاد. ويقول الركابي إن المشكلة تكمن في العراقيين عموما، فهم " يهملون هذا الموضوع، نتيجة عدم الاكتراث. وعلى ما يبدو نتيجة عدم حب الوطن، كما هو الحال في مصر، حيث التف المصريون حول علم ثورة جمال عبد الناصر أثناء ثورتهم الأخيرة. فلو كان هناك دور شعبي في النقاش حول الموضوع لحسم الأمر منذ أمد".
مقترحات المبدعين العراقيين
وشهد العراق منذ سقوط النظام السابق في عام 2003 جهودا مختلفة وعلى عدة أصعدة بشأن اختيار علم جديد للوطن ووضع كلمات ولحن لنشيد وطني، كما يشير إلى ذلك الفنان ساطع هاشم. ويضيف " قدم أكثر من ثلاثين فنانا عراقيا ومنذ عام 2003 عدة مقترحات عبر وزارة الثقافة وعبر البرلمان العراقي تضمنت نماذج لعلم جديد للعراق وكلمات لنشيد وطني جديد، من بينها نموذج العلم الذي اقترحه الفنان كامل الجادرجي". بيد أن السياسيين لم يأخذوا المقترحات على محمل الجد، حيث باتوا يلجؤون إلى تناول ملف العلم والنشيد فقط عندما يكونون في أزمة سياسية خانقة لإلهاء المواطنين"، كما يقول ساطع هاشم.
ويؤكد الفنان أن المشكلة ليست فنية ولا تتعلق بعدم قدرة العراقيين بوضع مخطوطات لعلم ونشيد. المشكلة تتعلق أساسا بعدم إجماع النخب السياسية في البلاد على مشروع وطني تنبثق منه رموز وطنية تمثل السيادة والاستقلال، والإجماع الوطني على شكل ونهج دولة جديدة. فنيَا، يقول الفنان ساطع هاشم " إن الأمم المتحدة حددت ستة ألوان لرايات الدول المنضوية تحت لوائها، وهي الأحمر والأسود والأخضر والأصفر والأبيض والأزرق، وهي الألوان التي تتزين بها أعلام دول العالم.
إذن الاختيار يتم وفق معطيات الأمم المتحدة، وهو ما يسهل عموما على السياسيين الاتفاق على ألوان علم جديد للعراق، ذي النظام الديمقراطي التعددي. يشار إلى أن الثوار الليبيين رفعوا علم الاستقلال في مرحلة مبكرة من مجريات أحداث التغيير في البلاد، وهو العلم الذي رفعه نظام الملك إدريس السنوسي. كما يرفع المحتجون في سوريا هذه الأيام علم استقلال سوريا، الذي رفع في الثلاثينات من القرن الماضي.
الشارع العراقي منقسم على نفسه
ويبدو أن الخلاف حول ملف الرموز الوطنية السيادية بين أوساط السياسيين العراقيين قد انتقل إلى الشارع أيضا. فآراء المستمعين لحوار عراق اليوم الذين تحدثوا في برنامجنا تباينت هي الأخرى. أحدهم طالب بالإبقاء على العلم الحالي، بحجة أن العلم قد تغير فعلا نوعا ما، كما أنه ليس علم النظام السابق، بل هو علم العراق. فيما طالب مستمع آخر بتبني علم الدولة العراقية الملكية التي تأسست في عشرينيات القرن الماضي، وهو ما يعرف بعلم الملك فيصل الأول. وطالب مستمع آخر برفع علم ثورة الرابع عشر من تموز في عام 1958 التي قضت على الملكية وأسست الجمهورية العراقية، وهو ما يعرف بعلم الزعيم عبد الكريم قاسم.
لكن مستمعا آخر طالب بعلم جديد يأخذ تاريخ العراق القديم والجديد بعين الاعتبار. وتتفاوت الآراء بشأن تحديد يوم العيد الوطني أيضا. فأحد المستمعين طالب بجعل يوم عاشوراء، وهو يوم مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب قبل 1400 سنة عطلة رسمية، نظرا " لهول المصاب"، وحدوثه في أرض كربلاء العراقية. فيما طالب مستمع آخر بجعل يوم 30 من حزيران يوما وطنيا، تمجيدا لثورة العشرين في عام 1920 ضد المحتل الانكليزي آنذاك. لكن مستمعا آخر طالب بالعودة إلى يوم الرابع عشر من تموز كعيد وطني، وهو يوم الجمهورية الذي يحتفل به العراقيون حتى اليوم،.
لكن ضيوف البرنامج والمستمعين اتفقوا عموما على أن تتشكل لجنة وطنية كبيرة تضم شخصيات فنية وأكاديمية وشعراء وفنانين ومفكرين من مختلف شرائح المجتمع، تعمل من أجل وضع مقترحات محدودة، تطرح لاحقا على الجمهور العراقي للتعريف بها، ومن ثمَ تبنيها من قبل البرلمان العراقي وطرحها على استفتاء شعبي في وقت لاحق. ولعل الانسحاب الأمريكي الكامل المقرر بنهاية العام الجاري سيمنح ملف الرموز الوطنية السيادية المؤجلة في العراق زخما قويا ويدفع به إلى الواجهة، رغم استمرار الخلافات بين النخب السياسية في بغداد.
حسن ع. حسين
مراجعة: منى صالح