هل يصبح احتجاج مارينا أوفسيانيكوفا بمثابة "كرة ثلج"؟
١٦ مارس ٢٠٢٢أصبحت مارينا أوفسيانيكوفا المحررة في القناة التلفزيونية الحكومية الروسية "القناة الأولى" نجمة إعلامية في غضون دقائق ليس داخل روسيا فحسب وإنما خارجها أيضاً.
ففي مساء يوم الاثنين (14 مارس/آذار 2022) وقفت مارينا - 42 سنة - خلف المذيعة الروسية البارزة إيكاترينا أندرييفا التي كانت تقدم نشرة الأخبار في وقت الذروة لتفاجئ الجميع من مشاهدين وعاملين برفع لافتة كتب عليها بخط اليد وباللغتين الإنجليزية والروسية: "لا للحرب. أوقفوا الحرب.. لا تصدقوا الدعاية .. إنهم يخدعونكم هنا .. الروس ضد الحرب".
استمر ظهور الصحفية - التي لم يكن أحد يعرفها وقتها - بضع ثوانٍ فقط لكنها تسببت في حدوث زلزال إعلامي ، خاصة في الغرب. تمت مشاهدة مقتطفات من البث مئات الآلاف من المرات على قنوات يوتيوب المختلفة في غضون ساعات قليلة.
كما ناقشت البرامج الإخبارية ما قامت به الصحفية الروسية بكثافة، إذ تعد هذه هي المرة الأولى - ليس فقط منذ الغزو الروسي لأوكرانيا ، ولكن منذ عقود - التي يظهر فيها احتجاج واضح ومباشر ضد الكرملين بهذه الطريقة في وسائل الإعلام الروسية التي تسيطر عليها الدولة بصرامة. قبل هذا الموقف كان الاعتقاد الراسخ لدى الكثيرين أن هذا الأمر مستحيل الحدوث إلى أن قامت به أوفسيانيكوفا.
غرامة 30 ألف روبل
لاحقاً، نشرت أوفسيانيكوفا، التي ولدت في مدينة أوديسا الساحلية بجنوب أوكرانيا في عام 1978 ، رسالة فيديو تتحدث فيها عن والدها الأوكراني، وأضافت: "إنه لأمر مخزٍ أنني سمحت بالكذب على شاشة التلفزيون، أشعر بالخجل لأني سمحت بتضليل الروس ونشر الدعاية الروسية".
وبحسب ما ورد تم القبض على أوفسيانيكوفا في وقت متأخر من مساء يوم الاثنين، وتمت إحالتها يوم الثلاثاء إلى المحاكمة بتهمة "تنظيم عمل عام غير مصرح به". حكمت محكمة في موسكو مساء الثلاثاء عليها بغرامة تعادل 230 يورو وأطلق سراحها في الوقت الحالي.
ولم توجه إلى أوفسيانيكوفا تهمة بموجب قانون الإعلام الروسي الجديد، الذي ينص على عقوبة تصل إلى السجن لمدة 15 عامًا لنشر "أخبار كاذبة" عن الجيش، كما جرم القانون الجديد الإشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا على أنه "حرب" على أن يشار إليه بوصف "العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا".
وقال محاميها، دانييل بيرمان، لوكالة الأنباء الفرنسية، إنه كان يخشى أن توجه إلى موكلته اتهامات بناء على قانون الإعلام الجديد، وأضاف: "هناك احتمال كبير أن تكون السلطات قد قررت أن تجعل من أوفسيانيكوفا عبرة لإسكات المحتجين الآخرين". كما اشتكى المحامي من اختفاء موكلته 15 ساعة عقب القبض عليها وعدم تمكنه من الوصول إليها وقال إنه لا يعرف مكان احتجازها على وجه التحديد.
وفي أعقاب القبض عليها وإحالتها للمحاكمة، عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حماية الصحفية الروسية. وقال ماكرون في رد فعل على سؤال من صحفي: "بالطبع سنتخذ الخطوات الدبلوماسية لحماية زميلتكم، إما في السفارة أو كلاجئة".
وذكر ماكرون أنه سيقترح هذا الحل بطريقة مباشرة وملموسة للغاية في محادثاته المقبلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "على أية حال، أود أن أعلم بوضوح وضعها الشخصي بأسرع وقت ممكن واحتمال استئنافها عملها".
المعارضة الروسية ترحب
وأثار تصرف أوفسيانيكوفا إعجاب الكثير من شخصيات المعارضة الروسية ، التي يعيش معظمها الآن في المنفى. وكتبت كيرا يارمش ، السكرتيرة الصحفية لزعيم المعارضة المسجون أليكسي نافالني ، على موقع تويتر، أن "القائمون على الدعاية ينددون ببوتين". وكتب دميتري جودكوف النائب السابق للدوما على فيسبوك: "يجب أن يصبح فعل امرأة واحدة هو البداية، ومثال لنا جميعًا".
أما تيموفي دزيادكو، الصحفي في قناة "Doshd" المطر التلفزيونية، المحظورة في روسيا منذ ذلك الحين ، فقد شبه الصحفية الروسية أوفسيانيكوفا بالمحتجين السبعة الذين تظاهروا في الميدان الأحمر عام 1968 ضد الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا.
ردود فعل متباينة في أوكرانيا
أما في أوكرانيا، فقد كانت ردود الفعل على فعل ما قامت به الصحفية الروسية متباينة، إذ وجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشكر لأوفسيانيكوفا عبر حسابه على تطبيق تليغرام: "أشكر هؤلاء المواطنين الروس الذين لا يتوقفون عن محاولة نشر الحقيقة .. خاصة تلك الشابة التي دخلت استوديو " القناة الأولى "بملصق مناهض للحرب".
ومع ذلك ، شكك آخرون على الشبكات الاجتماعية في نزاهة الصحفية الروسية، وكتب على حساب "معهد وسائل الإعلام" (IMI) الأوكراني (منظمة غير حكومية) في فيسبوك: "كيف يتم تشجيع الحرب لسنوات ثم الاستيقاظ فجأة؟"
وقال آخر : "ما رأيته لا يتوافق مع ما قيل. فالصحفية التي تظهر في الفيديو وتتحدث عن والديها ومشاعر الخزي التي تعتريها تبدو وكأنها تلقي نشرة إخبارية - بلا عواطف !!!"
وعلق آخر بالقول: ربما لم يكن البث مباشراً للنشرة الإخبارية وأن الموقف كله كان محاولة من قبل وكالة المخابرات المحلية الروسية FSB لتحويل الانتباه العالمي عن جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الروسي في أوكرانيا.
لكن هذا الإدعاء يصعب التحقق من مدى مصداقيته. ومع ذلك، يُظهر هذا المثال المدى الذي وصل إليه انعدام الثقة بروسيا في أوكرانيا.
رومان جونشارينكو/ع.ح.