1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ساحة عالمية للاحتجاج .. 75 عاماً على معرض فرانكفورت للكتاب

٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤

الحرب الباردة والنازيون الجدد وفتوى إهدار الدم: تحول معرض فرانكفورت للكتاب في كثير من الأحيان في تاريخه إلى مسرح سياسي. وعلى الرغم من أنه من المفترض أن يكون عن الأدب، إلا أنه لا يمكنه إغفال السياسة.

https://p.dw.com/p/4l6MU
ملصق معرض فرانكفورت الأول للكتاب من عام 1949، والذي أقيم في كنيسة "باولس كيرشه" في فرانكفورت.
ملصق معرض فرانكفورت الأول للكتاب عام 1949، والذي أقيم في كنيسة "باولس كيرشه" في فرانكفورت.صورة من: picture-alliance / dpa

معرض الكتاب موجودٌ منذ عهود بعيدة. فقد تحدثت وثائق تعود للقرن الخامس عشر عن   معرض للكتاب في فرانكفورت  ، إلا أن معرض فرانكفورت للكتاب في شكله الحالي أقيم لأول مرة في عام 1949.

وعلى مدار 75 عامًا من وجوده، كان أحد أعظم إنجازات المعرض هو إقامة جسور مرارًا وتكرارا من خلال "دبلوماسية الكتاب". ومع ذلك، فقد أثارت هذه المساعي في بعض الأحيان صراعات أيضاً.

وهم "العالم الموحّد"

خلال الحرب الباردة شاركت دول الكتلة الشرقية آنذاك، وهي الاتحاد السوفيتي وبولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، في  معرض فرانكفورت للكتاب  لأول مرة في عام 1955. وفي العام نفسه شاركت جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية السابقة) للمرة الأولى أيضاً.

وبعد ذلك بعامين، أي في عام 1957، كتبت صحيفة فرانكفورتر روندشاو  أن معرض الكتاب في ذلك الوقت كان الحدث التجاري الوحيد في العالم الذي يسمح بإحياء "وهم العالم الموحد" مؤقتًا وسط التنافس السياسي المستمر بين الغرب والشرق وأضافت: "النصفان المُتَضَادّان يقفان بسلام في مواجهة بعضهما البعض على جبهة الكتاب، الغرب والشرق، بينما يطلق كلاهما صواريخ عابرة للقارات في المناطق النائية. أما على جبهة الكتاب في فرانكفورت، فلا توجد منطقة محرمة بين المتخاصمين، فقد خرجوا من الخنادق وصافحوا بعضهم البعض دون إجبار دبلوماسي على الابتسام".

معرض فرانكفورت للكتاب 1955
معرض فرانكفورت للكتاب 1955صورة من: dpa/picture-alliance

ومع ذلك فقد ألقى الستار الحديدي بظلاله على المعرض لما يصل إلى أربعة عقود - إلى أن سقط جدار برلين. وقبل فترة وجيزة من 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 (تاريخ سقوط جدار برلين) حصل المعارض التشيكي فاتسلاف هافيل على جائزة السلام لتجارة الكتب الألمانية  التي تُمنح سنويًا في معرض فرانكفورت للكتاب. ومع ذلك حُرم هافيل من الحصول على تأشيرة خروج ولم يتمكن من استلام الجائزة. وبعد وقت قصير، اتخذت الأمور منعطفًا دراماتيكيًا، فقد انهارت الكتلة الشرقية وأصبح هافيل رئيسًا للتشيك في العام نفسه.

إشكالية مع التطرف اليميني

وكان هناك أيضًا احتكاك داخل مشهد النشر الألماني منذ البداية. ويرجع ذلك إلى أن معرض الكتاب  قد تبنى قضية إعطاء جميع الناشرين منصة، بما في ذلك الناشرون النازيون الجدد. وفي السنوات الأولى للمعرض، دعت شخصيات معروفة في صناعة الكتاب إلى استبعاد هؤلاء الناشرين. ومع ذلك قرر المنظمون أنه حتى الناشرين اليمينيين المتطرفين لن يتم استبعادهم مادام أن محتواهم لا ينتهك القانون الألماني. وفي عام 1955 قام بعض الناشرين من تلقاء أنفسهم بطرد ناشر من النازيين الجدد من قاعة المعرض، وإن كان ذلك بشكل متكتم لحد ما، "في وقت الغداء، عندما كانت الأمور أكثر هدوءًا"، كما يمكن قراءته في وقائع معرض فرانكفورت للكتاب.

ولم تمر الاحتجاجات الأخرى بهدوء. فقد اضطرت الشرطة إلى التدخل في عام 2017 عندما عطل متظاهرون جلسة قراءة لبيورن هوكه، رئيس  حزب "البديل من أجل ألمانيا"  اليميني المتطرف في ولاية تورينغن. لكن السياسي، الذي يمكن وصفه رسميًا بأنه "فاشي" وفقا لحكم إحدى المحاكم، عاد إلى فرانكفورت في العام التالي ليقوم بقراءة أخرى، وذلك تحت حماية الشرطة.

وحتى يومنا هذا لا يزال ظهور الناشرين والمؤلفين اليمينيين المتطرفين مثار جدل شديد، لكن معرض الكتاب يتمسك بعقيدته وهي: لا رقابة، حرية الرأي هي الأهم.

اضطرابات أثناء قراءة للسياسي من حزب البديل من أجل ألمانيا بيورن هوكه
اضطرابات أثناء قراءة للسياسي من حزب البديل من أجل ألمانيا بيورن هوكهصورة من: Frank Rumpenhorst/picture alliance

منبر للقضايا الدولية

في وقت مبكر من عام 1966 أصبح معرض فرانكفورت للكتاب  مسرحًا للاحتجاجات الدولية عندما تظاهر المنفيون الكرواتيون ضد العارضين اليوغوسلاف. وبعد ذلك بعام واجه الناشرون اليونانيون الطلاب وبائعي الكتب الذين تظاهروا ضد الديكتاتورية العسكرية التي وصلت إلى السلطة في اليونان في أبريل/ نيسان 1967.

وتميز عام 1968 بالاحتجاجات الطلابية الحاشدة في ألمانيا الغربية وحول العالم. لم يترك هذا الأمر معرض الكتاب سالماً، والذي دخل التاريخ في ذلك العام باسم "المعرض البوليسي". وكان الدافع وراء ذلك هو منح جائزة السلام لتجارة الكتاب الألماني لأول رئيس للسنغال، ليوبولد سيدار سنغور، الذي كان معروفًا كشاعر ومنظّر ثقافي. ولكن أيضًا كحاكم استبدادي على نحو متزايد، وقد واجه مظاهرات الطلاب السنغاليين بعنف. ودفع ذلك مئات المحتجين إلى الخروج من كنيسة القديس بولس (باولس كيرشه) في فرانكفورت خلال معرض الكتاب لعام 1968، حيث تُمنح جائزة السلام تقليديًا. وفي عام 1971 تركزت الاحتجاجات خلال معرض الكتاب على إيران، حيث قوبلت محاولة الإطاحة بالشاه بعنف غير مسبوق.

الشرطة تستخدم خراطيم المياه في مظاهرة ضد سنغور الحائز على جائزة السلام
الشرطة تستخدم خراطيم المياه في مظاهرة ضد سنغور الحائز على جائزة السلامصورة من: picture alliance / dpa

1989: إلغاء دعوة إيران بعد دعوات لقتل سلمان رشدي

انتقد الكاتب البريطاني من أصل هندي  سلمان رشدي  أيضاً شاه بلاد فارس محمد رضا بهلوي، وأيد في البداية الثورة الإسلامية عام 1979.

ولكن بعد عشر سنوات أصبح الكاتب الهدف الأبرز للزعيم الروحي الأعلى في إيران روح الله الخميني. وقد اعتبر المسلمون الأصوليون كتابه "آيات شيطانية" بتلميحاته العديدة إلى النبي تجديفًا. وأصدر الخميني فتوى أهدر فيها دم رشدي ودعا إلى قتله.

ودفعت الدعوة إلى القتل منظمي معرض الكتاب إلى استبعاد إيران من المشاركة في المعرض لسنوات - كما فعلوا في عام 1998 عندما ظهر رشدي بشكل مفاجئ في حفل الافتتاح تحت احتياطات أمنية مشددة. وبعد مرور عام تمت دعوة إيران مرة أخرى - لكن العلاقة ظلت معقدة. وقاطعت إيران معرض فرانكفورت للكتاب عدة مرات، بما في ذلك في عام 2015 عندما دُعي رشدي لإلقاء كلمة الافتتاح.

وفي عام 2023 حصل رشدي على جائزة السلام لتجارة الكتب الألمانية بعد نجاته من هجوم بسكين في العام السابق.

2023: سلمان رشدي يتسلم جائزة السلام لتجارة الكتب الألمانية
2023: سلمان رشدي يتسلم جائزة السلام لتجارة الكتب الألمانيةصورة من: Arne Dedert/dpa/picture alliance

"ضيف الشرف" .. دول مثيرة للجدل

بعد نجاح معرض فرانكفورت للكتاب في التركيز على الكتب الهندية في عام 1986، تم رسميًا بعد عامين استحداث مفهوم الدولة "ضيف الشرف"، وكانت البداية مع إيطاليا - والتي يتصادف الآن أيضًا أنها عادت مرة أخرى لتصب "ضيف شرف" المعرض هذا العام.

وتمت دعوة تركيا كضيف شرف في عام 2008، للترويج لتنوع أدبها تحت شعار "ملون بشكل رائع".

وقد قدم مؤلفون مثل أصلي أردوغان وأليف شافاق وسيبنيم إيسيغوزيل أنفسهم كأصوات قوية جديدة في البلاد. ومع ذلك انتقد الكاتب الأكثر مبيعاً والحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 2006، أورهان باموق، في كلمته الافتتاحية غياب حرية التعبير في بلده الأم. وكان باموق قد تحدث في السابق عن الإبادة الجماعية للأرمن والمجازر التي تعرض لها الأكراد، وبالتالي اختبر حدود حرية التعبير في تركيا. وقد تمت مقاضاته عدة مرات وأحرقت الجماهير الغاضبة كتبه.

وأثارت مشاركة الصين كضيف شرف في المعرض في عام 2009 جدلاً أكبر. وقبل أسابيع قليلة من الحدث، تم إلغاء دعوة المؤلفين الصينيين الذين ينتقدون النظام والذين كان من المقرر أن يشاركوا في ندوة عن الصين في الفترة التي تسبق معرض الكتاب تحت ضغط من الصين. لكن المؤلفين حضروا على أي حال - وعندها غادر العديد من المندوبين الصينيين القاعة بغضب أثناء الفعالية.

الجناح الصيني في معرض فرانكفورت للكتاب 2009
الجناح الصيني في معرض فرانكفورت للكتاب 2009صورة من: JOHN MACDOUGALL/AFP via Getty Images

وعندما افتتحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المعرض  في وقت لاحق مع نظيرها الصيني شي جين بينغ، تناولت الخلاف في خطابها. وأكدت على أن الصين لا بد أنها كانت تدرك عند تقديم مشاركتها في فرانكفورت أن "الأصوات الناقدة ستقول كلمتها ويجب أن تقول كلمتها أيضًا".

وفي الخطاب الافتتاحي نفسه أشارت ميركل إلى الرقابة التي عانت منها في شبابها في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وأكدت على القوة الديمقراطية للكتب: "هذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الكتب تخضع للرقابة أو حتى تحرق في الأنظمة الديكتاتورية. فللكتب طاقة كبيرة للحرية".

هذا، ويُنظم معرض فرانكفورت للكتاب هذا العام في الفترة من 16 إلى 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.

أعده للعربية: م.أ.م