سجن بمواصفات خاصة ـ وصفة تونس لـ"تأديب" الإرهابيين العائدين
٦ يناير ٢٠١٧باتت عودة المقاتلين ملفا يقض مضاجع الشعب والدولة التونسية على حد سواء، وقد أثار جدلا بين الأحزاب والمنظمات الوطنية لاختلاف الرؤى بشأن التعاطي معه. إذ على الرغم من النفي المتكرر للرئاسة والحكومة من وجود أي خطط سرية كانت أو معلنة، للسعي نحو استعادة من تورطوا في عمليات إرهابية في الخارج، إلا أن الأمر المقضي يتجه في نهاية المطاف إلى تحمل الدولة لمسؤوليتها والتعامل مع هؤلاء، خاصة إذا ما قرروا العودة طواعية أو تم تسليمهم من الدول الأجنبية.
وفي الواقع ليست معضلة السجون المكتظة، التي بلغت نسبة 150 بالمائة بحسب تقرير أممي، السبب الوحيد لقرار الحكومة بناء سجن جديد بمواصفات خاصة، إذ إن التجارب السابقة في التعامل مع سجناء القضايا الإرهابية عبر عزلهم في أجنحة خاصة أو دمجهم مع سجناء الحق العام، أفضت، بحسب وزير العدل، إلى نتائج عكسية جعلت من السجون نفسها مهددة بأن تتحول إلى معاقل لنشر الفكر المتشدد والاستقطاب وتكوين خلايا جديدة.
وأفاد العضو المكلف بالإعلام في نقابة قوات الأمن الداخلي رياض الرزقي لـDW عربية أن فكرة بناء سجن جديد بدأ طرحه منذ عام 2013 ولكن مع توفر التمويل من الاتحاد الأوروبي سيجري الانطلاق في تشييده قريبا بجهة باجة شمال غرب البلاد.
ويوضح الرزقي، من جهة أخرى، أن النقابة الأمنية تبدي معارضتها لمشروع تخصيص السجن الجديد بأكمله لسجناء القضايا الإرهابية لأن ذلك سيجعله مستهدفا مع كل الاحتياطات الأمنية التي يمكن وضعها. الرزقي يشير في المقابل إلى مقترح النقابة بتوزيع السجناء في أعداد صغيرة بغرف خاصة بسجون البلاد، مع احتفاظ السلطات بسرية تركزهم لأسباب أمنية.
عوائق لوجستية
وعموما تعترض تونس صعوبات لوجستية عديدة في التعامل مع السجناء في القضايا الإرهابية ترتبط مثلا بمدى استعداد المؤسسة القضائية في معالجة عدد كبير من القضايا قياسا لما هو متوفر حاليا من موارد بشرية. إذ بحسب ما أفاد به المتحدث باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب سفيان السليطي لـDW عربية فإن عدد القضايا الإرهابية التي ينظر فيها حاليا يبلغ حوالي ثلاثة آلاف قضية يتعهد بها ثمانية قضاة فقط بمساعدة أربع مساعدين في التحقيق.
وأوضح السليطي "يعمل القطب القضائي في وضع لوجستي صعب، وهو يحتاج إلى دعم عاجل بتوفير موارد بشرية متخصصة"، مشيرا في نفس الوقت إلى أن عودة العناصر الإرهابية من الخارج ليست مسألة حديثة في تونس إذ هي تعود إلى ما قبل الثورة، أي منذ عام 2008. وبالفعل أوضح وزير الداخلية الهادي مجدوب في جلسة استماع في البرلمان إلى عودة ما يقارب 800 عنصر مقاتل من الخارج منذ ذلك التاريخ، يقبع أغلبهم في السجون و137 منهم يخضعون إلى الإقامة الجبرية.
وبحسب الأرقام التي أعلنت عنها الرئاسة فإن العدد الإجمالي للمقاتلين التونسيين في الخارج يبلغ 2926 أغلبهم في سوريا. وقد كشف رئيس الحكومة يوسف الشاهد أنه سيجري إرسال بعثات أمنية إلى مناطق النزاع لتحديث تلك الأرقام بأكثر دقة لأن عددا كبيرا من المقاتلين لقوا حتفهم في القتال الدائر في سوريا وليبيا على وجه الخصوص.
وبخلاف العقوبات السجنية فإن أكثر الأسئلة التي تطرح الآن تحوم حول مدى توفر مراكز تأهيل للجماعات المتشددة بعد انقضاء فترة العقوبات ومغادرتها للسجون أو ما إذا كانت هناك مراجعات تقطع مع الفكر المتشدد.
ويبين المحلل السياسي والخبير في الحركات الإسلامية نورد الدين المباركي لـDW عربية أن ابرز الحلقات المفقودة في الحرب على الإرهاب تمكن في الافتقاد إلى مراجعات كان يفترض أن تحصل داخل السجون وتشرف عليها المراجع الدينية الرسمية في البلاد عبر الجدل والنقاش وإبراز الحجة.
ويضيف المباركي في تعليقه "لم يتم الحديث إطلاقا على الأقل منذ 2008 عن مراجعات فقهية وشرعية مثلما حدث في ليبيا مع الجماعة الإسلامية المقاتلة في فترة ما قبل 2011. تفتقد الدولة فيما يبدو لسياسة واضحة في هذا المجال وهو أمر يجعل باب التشدد والتكفير مفتوحا على مصراعيه للشباب".
وفي غياب تلك المراجعات توضح تجارب سابقة إن عددا كبيرا ممن غادروا السجون، بعد صدور قانون العفو التشريعي بعد الثورة عام 2011، انخرطوا مرة أخرى في تنظيمات متشددة والعمل المسلح ضد الدولة في سبيل تحويل طموحهم القديم لتأسيس دولة دينية. ويأتي في مقدمتهم زعيم تنظيم أنصار الشريعة المحظور سيف الله بن حسين الملقب بأبي عياض، والذي فر خارج تونس منذ 2013.
الإدماج الثقافي والاجتماعي
ويشير وزير الثقافة السابق ومدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات المهدي مبروك إلى أن "إعلان القطيعة والتوبة والمراجعة الفكرية يقتضي طمأنة الناس وتشجيعهم وعدم دفعهم إلى الأقصى لأن ذلك قد يؤدي إلى ردود فعل مضادة والعودة إلى الإرهاب. يجب أن نتعامل معهم ونشجع على الحوار معهم ومع عائلاتهم".
ويعتبر مبروك في حديثه مع DW عربية أن فترة العقوبات في السجن تظل محدودة وهو ما يستدعي تكثيف الإحاطة والرعاية حتى لا يتحول السجناء إلى قنابل موقوتة بعد خروجهم من السجن.
ويضيف مبروك في تحليله قائلا "المسألة الثقافية تلعب دورا مهما جدا في الاحتياط والوقاية؛ إذ يتعين إتاحة الفرص لأكثر ما يمكن من الشباب في الأحياء الشعبية الفقيرة خاصة للانخراط في الممارسة الثقافية مثل المسرح والرقص والموسيقى والسينما. يسمح هذا بالحد من جاذبية الفكر المتطرف ومن حالة الاستقطاب".
وأشاد كثير من نشطاء حقوق الإنسان في تونس إلى أهمية الخطوة التي أقدمت عليها إدارة مهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورتها الأخيرة في 2016 بإدراجها عروضا في عدد من السجون التونسية كخطوة أولى تحتاج إلى دعم أكبر. وتقول الحكومة إنها تستعد لطرح إستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب تضم مقاربة شاملة كانت شاركت في الاشتغال عليها كافة الوزارات وتأخذ بعين الاعتبار المقاربات الثقافية والتربوية والدينية في معالجة الفكر المتشدد. لكن حتى الآن لم تظهر أي معالم لهذه الخطة.
طارق القيزاني ـ تونس