سقوط نظام القذافي – نجاح لساركوزي وتعثر سياسي لميركل
٢٤ أغسطس ٢٠١١يخوض ثوار ليبيا الآن في العاصمة طرابلس معركتهم الأخيرة، ومعالم سقوط نظام القذافي باتت تلوح في الأفق. وهذه التطورات، التي طال انتظارها منذ بدء الثورة الليبية قبل أكثر من ستة أشهر، تعد نصراً للرئيس الفرنسي ساركوزي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، و"هزيمة سيئة" للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وغيدو فيسترفيله، بل ولسياسة ألمانيا الخارجية عموماً، كما وصفتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية. فقد نأت ألمانيا بنفسها عن العملية العسكرية التي شنها شركاؤها في حلف شمال الأطلسي "ناتو" على نظام القذافي بموجب تفويض مجلس الأمن، الذي أقر في قراره 1973 فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا لحماية المدنية من بطش كتائب القذافي ومرتزقته.
ووجد وزير خارجية ألمانيا غيدو فيسترفيله الكثير من التبريرات لتحفظ بلاده على هذا القرار، الذي أيده كل شركائها الغربيين منتصف آذار/ مارس، كان أهمها أن "المهمة تنطوي على مخاطر عدة"، ما آثار وقتها جدلاً وانتقادات لهذا الموقف الألماني. وبقيت ألمانيا، كما تنقل المجلة الألمانية عن المحلل السياسي رولاند نيليز، "تحبذ الظهور بدور المعلم الكبير. وكلما فشل هجوم من هجمات الثوار، يظهر وزير الدفاع الألماني توماس دي ميزير ليتهم حلف الناتو، بالتعجل في التخطيط لهذه المهمة".
ويضيف الخبير الألماني قائلاً: "لكن الآن اتضحت صحة تقديرات الشركاء الغربيين وأن حكومة ألمانيا كانت على الجانب الخاطئ، فعلى الرغم من هذه المخاطر تمكن حلف الناتو من خلال طلعاته إنقاذ حياة الكثير من المدنيين وأسهم في نهاية نظام القذافي بشكل حاسم". لكن هذا الموقف الألماني غير الحاسم "أضر بصورة ألمانيا كداعم لحقوق الإنسان والديمقراطية، وكشريك موثوق في التحالف الغربي"، حسب نيليز.
لمن الكلمة العليا في أوروبا؟
لكن الأمر لا يتوقف على هذا فقط، كما يوضح بعض المراقبين، وإنما يطرح إشارات على من له الكلمة العليا في أوروبا، وهنا يقول نيليز بصراحة: "من له الكلمة العليا في أوروبا ليست ألمانيا، وإنما فرنسا". فقد أثبت ساركوزي أنه اتخذ القرار الصائب من خلال نشاطه المبكر، بينما كانت ألمانيا تتردد وتؤخر اتخاذ قرار صائب. عن الموقف الألماني يقول الدكتور زياد عقل، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة في حوار مع دويتشه فيله إن "ألمانيا طالما تبنت نوعاً من الدبلوماسية الناعمة تجاه ما يحدث في ليبيا".
ويبدو أن رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل بدأ منذ الآن يشير إلى طبيعة علاقة بلاده المستقبلية مع الدول التي دعمت الثورة من البداية حتى النهاية، إذ قال على هامش مؤتمره الصحفي الاثنين (22 آب/ أغسطس 2011) إن بلاده الغنية بالنفط "ستراعي وتقدر دور الدول الداعمة لهذه الثورة والتي واكبت بداية الثورة وحتى نهايتها. وسيكون لهذه الدول تمييزاً خاصاً في العلاقات".
جدل جديد
ومع التطورات الأخيرة بدأ في برلين جدل جديد حول دعم عسكري لاستقرار الأوضاع في ليبيا، فقد طالب حزب الخضر المعارض حكومة بلاده بدراسة "بناءة جداً" لطلب محتمل من المجلس الانتقالي الليبي بدعم عسكري لهذا الغرض. وقالت رئيسة الحزب كلاوديا روت في تصريحات للقناة الثانية في التليفزيون الألمانية الثلاثاء (23 آب/ أغسطس 2011) إنه مازال من المبكر إصدار قرار حول مشاركة الجيش الألماني في مهمة تابعة للأمم المتحدة لتأمين عملية إعادة الإعمار المدني في ليبيا.
ومن أجل إثبات مصداقية ألمانيا، التي خدشها موقف حكومة ميركل من قرار مجلس الأمن، أشارت روت إلى أن بلادها "لديها الكثير لتفعله من أجل إثبات مصداقيتها مجدداً"، معتبرة أن تحفظ ألمانيا على القرار الأممي آنذاك "لم يكن له ما يبرره على الإطلاق". ورأت روت أن ألمانيا كان بإمكانها الموافقة على قرار مجلس الأمن دون المشاركة في مهمة عسكرية في ليبيا. ومن جانبه طالب مسؤول الشؤون الأوروبية في الحزب الديمقراطي الحر أليكسندر غراف لامبسدورف الاتحاد الأوروبي بوضع خطة لاستقرار الأوضاع في ليبيا. وذكر لامبسدورف في تصريحات إذاعية أن ليبيا بحاجة إلى مساعدات سريعة عقب انتصار الثوار.
دور آخر لإعادة المصداقية
وبعد أن قدمت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة مساهماتها لدعم التغيير في ليبيا، فإنها ستطالب ألمانيا بتقديم دعم جوهري في مرحلة ما بعد القذافي. ولن تكون ألمانيا آنذاك قادرة على الإفلات من هذا الدور المتمثل في المساعدة البشرية والمادية الكبيرة، وهذا ما أوضحه أوباما للمستشارة ميركل في آخر زيارة لها إلى واشنطن. النخبة السياسية الألمانية تعي هذا الدور بشكل واضح، لكن على الرغم من ذلك فقد بانت بوادر انقسام آخر حول دور ألمانيا في ليبيا ما بعد القذافي. ففي الوقت الذي أعلنت فيه ميركل أن بلادها ستقدم معونات كبيرة لليبيا في مرحلة إعادة البناء و"أنها ستتشارك مع المجتمع الدولي في هذا الأمر بقوة"، خرج وزير التنمية الألمانية ديرك نيبل ليقول "إن ألمانيا لا تخطط لمنح ليبيا مساعدات تنموية أخرى عقب الإطاحة بنظام القذافي"، معتبراً أن ليبيا الغنية "ليست شريكاً في التعاون التنموي مع ألمانيا".
وعن أهمية الدور الألماني في ليبيا الجديدة علقت صحيفة لاوسيتسر روندشاو الألمانية بالقول: "يجب أن تكون برلين قد استوعبت الآن أي أهمية تحظى بها التنمية في شمال إفريقيا عموماً وفي ليبيا خصوصاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وعلى ميركل ألا تصر على ترك هذه المشكلة لوزير خارجية فاقد للأهمية بشكل كبير، وعليها أن تشرك المعارضة من الخضر والاشتراكيين، لأن الربيع العربي بحاجة إلى رد يتجاوز الأطر الحزبية".
وعن طبيعة هذا الدور يشير عقل إلى أن هناك العديد من القطاعات التي يمكن أن تقدم فيها ألمانيا مساعدة، ومنها "إعادة ضبط البنية الأساسية، سواء من ناحية الطرق أو البنية النفطية لمساعدة اقتصادها على النهوض". ويضيف الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة إلى أن "هناك العديد من المساعدات التي تحتاجها منظمات المجتمع المدني داخل ليبيا. فليبيا في النهاية بلد لا يعرف التنظيمات السياسية، لكن به مجتمع مدني قوي يحتاج إلى مساعدات أوروبية"، معتبراً أن ذلك لا يقل أهمية عن الدور العسكري والأمني في المرحلة المقبلة على الأقل.
عماد غانم
مراجعة: سمر كرم