سياسات ترامب تقوض جهود الرفع من أسعار النفط
٢٩ يناير ٢٠١٧إنها مفارقة عجيبة أن يتصدر زعيم شيوعي مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ مهمة الدفاع عن حرية التجارة العالمية في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي/ دافوس 2017. وبالمقابل فمن سخرية القدر أن يقوم رئيس أمريكي من الحزب الجمهوري وخاصة الرئيس دونالد ترامب بتبني سياسات حمائية، رغم أن هذا الحزب معروف بنهج سياسات ليبرالية شبه عمياء في دعمها. الرئيس الأمريكي الجديد يريد "إعادة عظمة أمريكا" من خلال تقييد حرية التجارة باستخدام سلاح العقوبات الجمركية وتبني سياسات حمائية للصناعة الأمريكية بحجة حمايتها من المنافسة الأجنبية وإعادتها إلى عصرها الذهبي. وانطلاقا من ذلك فإنه يريد فرض رسوم جمركية تصل إلى نسبة 35 بالمائة على شركات السيارات التي تنتج في المكسيك وغيرها من الدول ثم تسعى إلى بيع سلعها داخل السوق الأمريكية. وبناء على سياسته الحمائية فقد وجه أيضا أول ضربة موجعة للتجارة العالمية عبر قراره بالتخلي عن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التي تضم إلى جانب الولايات المتحدة 11 دولة أخرى بينها اليابان وكندا والمسكيك وماليزيا. ومن المتوقع قيامه بتوجيه المزيد من مثل هذه الضربات لاحقا.
باتجاه المزيد من الاضطرابات
لم يمض زمن طويل على التبعات الكارثية التي خلفتها الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة 2008، حتى جاء الرئيس الجديد ليجعل العالم أكثر اضطرابا. فالسياسات الحمائية التي بدأ بتطبيقها لن تمر مرور الكرام على شركاء الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم الصين والمكسيك والاتحاد الأوروبي وكندا. والمسؤولون في هذه البلدان وفي مقدمتهم الرئيس الصيني، حذروا من نهج سياسات تجر إلى حروب تجارية وتضر بالجميع، بمن فيهم الولايات المتحدة. وبالفعل فإن قسما كبيرا من الشركات الأمريكية يعتمد في إنتاجه على مواد أولية وسلع يتم استيرادها من الخارج بمستوى 60 بالمائة. وفي حال إن تم فرض رسوم جمركية عقابية على هذه السلع فإن الشركاء سيبادرون إلى إجراءات مماثلة. وقد يؤدي ذلك إلى ازدياد تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة وعبر العالم بشكل يقلص حجم الصادرات والواردات ويرفع من مستوى الأسعار ونسب التضخم. كما سيكون من تبعات ذلك تراجع القوة الشرائية لدى شرائح اجتماعية واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وستكون الصين في مقدمة الدول المتضررة، حيث يصل فائضها التجاري مع الولايات المتحدة إلى حوالي 370 مليار دولار. أما المتضرر الثاني فسيكون الاتحاد الأوروبي الذي يصل فائضه التجاري معها إلى 160 مليار دولار سنويا.
موقع العرب من سياسات ترامب
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أين موقع العرب من سياسات الرئيس ترامب وتبعاتها؟ إذا ما تم استثناء صفقات مبيعات السلاح الأمريكي إلى الدول العربية، لاسيما الخليجية منها والتي لا يتم الإعلان عن حجمها الفعلي عادة، فإن مستوى التبادل التجاري للولايات المتحدة مع الدول العربية متواضع مقارنة مع دول شرق آسيا والاتحاد الأوروبي. فالبيانات المتوفرة تشير إلى أن أقل من نسبة 10 بالمائة من حجم التبادل التجاري للدول العربية يتم مع الولايات المتحدة، في حين تزيد هذه النسبة على مستوى 20 بالمائة مع الاتحاد الأوروبي وعلى نسبة الثلث مع الصين وكوريا واليابان. وإذا كان ذلك يعني أن تأثر الدول العربية بتبعات الإجراءات الحمائية الأمريكية ضعيف، فإن ما يدعو للقلق يرتبط بمستقبل الاستثمارات العربية الكبيرة في الولايات المتحدة. ويكمن القلق الأكبر في التخوف من التضخم وارتفاع الأسعار، لأن القسم الأكبر من الأموال العربية موضوع كودائع أو تم ضخه في مسستندات ومشتقات مالية.
أضرار فادحة بالدول النفطية
الضرر الأكبر المتوقع من سياسات ترامب الاقتصادية على الدول العربية سكيون في مجال النفط ومصادر الطاقة الأخرى. فسياسات الرئيس الجديد تهدف إلى استخراج المزيد من النفط الصخري وإعادة استغلال مناجم الفحم الحجري واستيراد المزيد من النفط الكندي بشكل يحقق الاكتفاء الذاتي ويجعل من الولايات المتحدة دولة رئيسية بين الدول المصدرة للنفط بحلول عام 2020. وفعلا لوحظ مؤخرا تراجع في المشتريات الأمريكية من النفط السعودي مقابل زيادة الإنتاج النفطي الأمريكي وتزايد الشحنات المُصدَرة إلى أوروبا وشرق آسيا. وتأتي هذه الزيادة بعد التحسن الطارئ على أسعار النفط نتيجة اتفاق دول أوبك وروسيا على تقليص مستوى العرض في السوق العالمية. وعلى ضوء ذلك فلا يستبعد أن تقوم الولايات المتحدة باستخراج المزيد من النفط الصخري وضخه في الأسواق العالمية بشكل يحول دون ارتفاع الأسعار بالشكل الذي تأمل به الدول النفطية. ومن شأن مثل هذه السياسات إغراق الأسواق العالمية بشكل يؤدي إلى إبقاء الأسعار متدنية وإلى تعطيل دور دول أوبك والدول الداعمة لها في محاولاتها الساعية إلى تخفيض مستوى الإنتاج. وإذا حصل ذلك فقد تتجه الولايات المتحدة للعب دور السعودية سابقا أي في إغراق الأسواق بالنفط الرخيص. ويذكر أن الرياض كانت تقوم بمثل هذا الدور ولكن بسبب خلافات سياسية مع إيران وروسيا وغيرهما.
وبما أن النفط يشكل أكثر من 80 بالمائة من واردات دول الخليج والعراق والجزائر وليبيا، فإن خسائر هذه الأخيرة ستكون بمستوى عشرات المليارات شهريا. ومن شأن ذلك أن يزيد من الضغوط على الموازنات الحكومية ويؤدي إلى تأجيل مشاريع حيوية في مجالات البنية التحتية والصناعية والصحية وغيرها. ويزيد من تعقيد الأمور وصعوبتها فشل هذه الدول، باستثاء الإمارات إلى حد ما، في تنويع مصادر دخلها بشكل ملموس للتعويض عما يمكن تسميته بغروب عصر النفط.
فرصة أمام الدول غير النفطية
إذن ما هي التبعات المحتملة لسياسات ترامب الاقتصادية على الدول العربية غير النفطية، مثل مصر والأردن والمغرب ولبنان؟ هناك وجهان لهذه التبعات، الوجه الأول هو أنه سوف لن يكون بإمكان هذه الدول الحصول على تلك المساعدات المالية التي تعودت عليها من دول الخليج بسبب تراجع قدرة الدول المانحة. أما الوجه الثاني والإيجابي فيتمثل في تقليص فاتورة هذه الدول المخصصة لواردات النفط ومشتقاته بسبب بقاء الأسعار منخفضة. ومن شأن ذلك أن ينعكس إيجابيا على تكاليف الإنتاج المحلية ويساعد على النهوض بالكثير من الصناعات والحرف إذا ما تم نهج سياسات اقتصادية داعمة لها عبر القروض الميسرة والاستتشارات المواكبة. وبالمجمل يفتح تراجع اسعار الطاقة ونهج سياسات حمائية مؤقتة لحماية الصناعات الناشئة فرصة حقيقيىة أمام الدول العربية غير النفطية لإعادة إحياء قطاعاتها الزراعية والصناعية والحرفية والخروج من تبعية المساعدات الخارجية، إضافة الى الحد من العجز في موازناتها ومن نسبة البطالة المرتفعة فيها.