سياسة الهجرة الأوروبية تتجه لتعقيد إجراءات الدخول ومنح الجنسية
٢٣ مارس ٢٠٠٦لا تزال التعدادات السكانية في أوروبا تدق ناقوس الخطر وتحذر من انخفاض عدد السكان بسبب تدني نسبة الولادة، الأمر الذي يجعل القارة الأوروبية بحاجة مستمرة لهجرة وافدة تضطلع بالتكاليف الاقتصادية المستحقة. غير أن الإتحاد الأوروبي سعى في الفترة الأخيرة إلى تقنين هذه الهجرة وتنظيمها حتى لا يتسبب تدفق المهاجرين إلى تغير ديموغرافي كبير في القارة، وذلك عبر سياسة هجرة تقوم على تنظيم عملية التجنس ومحاربة الهجرة السرية. فالمهاجرون المقيمون منذ زمن في الدول الأوربية ليس من حقهم الحصول على جنسية هذه الدول تلقائيا بفعل التقادم، إذ يرى كثير من المسئولين الأوروبيين أن على من يرغب في الحصول على جنسية بلد ما الإلمام بتاريخه وثقافته، لذلك أدخلت العديد من البلدان الأوروبية اختبارا للمواطنة، يجب على المتقدمين للحصول على جنسية البلد اجتيازه. ألمانيا ليس أول من أدخل هذا الاختبار كأحد شروط منح الجنسية الألمانية. اللافت إن الاختبار تم اعتماده في ولايتي هسن وبادن-فورتمبيرغ، الأمر الذي مازال يثير جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية الألمانية. ولكن المؤيدون لهذا القانون يرفعون حجة تتعلق بتجارب الدول الأخرى كهولندا وفرنسا وبريطانيا، التي أخذت تعمل بمثل هذا القانون منذ وقت طويل.
من ناحية أخرى تشكل ظاهرة الهجرة السرية إحدى العقبات الكبيرة التي تسعى سياسة الهجرة الأوروبية في إزاحتها ليحصل المهاجرون على حقوقهم ويكتمل اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة. ولذلك تتصدر هذه القضية جدول أعمال الاجتماع الجاري حاليا في منطقة اوستسي (شمال ألمانيا) بين وزراء خارجية 6 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي منهم ألمانيا. ومن المعروف أن مشكلة الهجرة السرية قد تفاقمت بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة، خاصة بعد الاشتباكات المريرة بين المهاجرين الأفارقة ورجال الأمن في سبتة ومليلة، ثم غرق آلاف المهاجرين وهم في طريقهم من موريتانيا إلى المنتجع السياحي الأسباني جزر الكناري. وينتقد كثير من المراقبين السياسة التي اتبعها الاتحاد الأوروبي حتى الآن بأنها لا تسير في الاتجاه الصحيح، حيث تقوم على إخضاع الحدود الأوروبية إلى مراقبة صارمة تكلف الكثير، بينما تبقى المشاكل التي يعاني منها المهاجرون في أوطانهم، والتي هي السبب الأساسي للإقدام على مخاطرة الهجرة السرية، بدون حل.
اختبارات متباينة
أدخلت بريطانيا في تشرين الثاني/نوفمبر 2005 اختبارا مشابهاً للاختبار المثير للجدل أُدخل في ولاية هسن. يتألف الاختبار البريطاني من 24 سؤالاً ليس لإظهار مدى معرفة المتقدم لنيل الجنسية بالمؤسسات الدستورية البريطانية فحسب، بل ببريطانيا عموماً. أما التجربة الهولندية فتمتد إلى عام 2003 عندما أدخلت اختبارا مكوناً من أسئلة مختلفة تتعلق بالبلد وتاريخه وبواقع الحياة الهولندية اليومية على وجه الخصوص. من الطبيعي أن تكون إجادة لغة البلد من الشروط الأساسية لنيل الجنسية. ولكن الامر يختلف في السويد تماماً، فمنذ عام 1976 أصدرت الحكومة السويدية قانوناً تلغي فيه اشتراط إجادة اللغة السويدية كشرط لنيل الجنسية. وايطاليا لا تشترط هي الأخرى إجادة لغتها للحصول على جنسيتها. على العكس من ذلك تنفرد فرنسا بإجراء اختبار لمدة نصف ساعة لوقوف على الإمكانيات اللغوية الحقيقية للمتقدم لنيل الجنسية من خلال حديث عن موقفه من الثقافة الغربية.
صعوبات كثيرة
يجد الكثير من المسلمين المتقدمين للحصول على جنسيات البلدان الأوروبية أن بعض تفاصيل هذه الاختبارات لا تتفق وعقيدتهم الإسلامية. عن هذا تقول اينس ميشالوفسكي، الباحثة في شؤون الهجرة في جامعة اوسنابروك "عندما تجلس امرأة ترتدي الحجاب أمام الموظف المعني بمقابلتها، يسألها عن سبب ارتدائها الحجاب وعن عقيدتها في ذلك"، وترى ميشالوفسكي أن المقابلة قد تنتهي برفض طلبها. وسؤال الموظف ليس تصرفاً فردياً، بل انه يرتبط بتعليمات إدارية صدرت لعام 2000. وان عدم اجتياز الاختبار لا يعني بالضرورة نهاية فرص الراغب بالحصول على الجنسية، بل يمكنه التقدم لإعادة الاختبار. وتكلف إعادة الاختبار في بريطانيا 34 جنيها إسترلينيا، وفي هولندا 350 يورو، بشرط أن يتم ذلك بعد ستة أشهر. الطريف إن الكتاب المرافق للمساعدة في اجتياز الامتحان يعد من أكثر الكتب مبيعاً في بريطانيا وهولندا. أما اليونان فلها شروطها الخاصة. فمن يرغب بالحصول على الجنسية اليونانية، لابد له في البدء من دفع 1300 يورو، إن كان قد عاش في اليونان لفترة تتجاوز العشر سنوات، يمكنه بعدها الإجابة على أسئلة الاختبار. كما أن السلطات اليونانية المسؤولة عن منح الجنسية ليست ملزمة بفترة محددة للبت بالطلب. وفي حالة الرفض فأنها غير ملزمة كذلك بذكر أسباب هذا الرفض. وفيما يتعلق بهذه الإجراءات المعقدة قامت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتوجيه الكثير من التحذيرات من اجل رفع معدلات الهجرة.
توصيات بدلا من نتائج
البرلماني الأوروبي فولفجانج كرايسل-دورفلر قال في حديث لموقع دويتشه فيله بمناسبة لقاء وزراء الداخلية الحالي إن لإجراءات التي اتخذها الإتحاد الأوروبي حتى الآن تدور حول دعم مراقبة الحدود وتشديد الإجراءات الأمنية، وهي إجراءات غير عملية من وجهة نظره، فعلى أوروبا أن تخطو الآن نحو تشكيل سياسة موحدة فيما يتعلق بالمهاجرين. وأضاف: "طالما بقيت المشاكل التي يعاني منها المهاجرون في أوطانهم بدون حل فلن تجزر موجات الهجرة السرية بأي حال من الأحوال".
وينصح كثير من الخبراء بالتركيز على تقديم الدعم لدول المنشأ ودول المعبر، مثل ليبيا والمغرب، مطالبين في نفس الوقت بالبحث عن آلية تضمن الشفافية في عملية صرف هذه الأموال. ويرى الخبراء أن على الاتحاد الأوروبي إيجاد الطرق المناسبة لحفظ حقوق المهاجرين الإنسانية بعد تقارير منظمات حقوق الإنسان حول المعاملة البربرية التي يتلقاها المهاجرين على يد قوات الشرطة المحلية. وبالرغم من المطالب المتعددة لا يتوقع أحد أن يسفر اجتماع وزراء الداخلية الأوربيين عن حل متكامل للقضية، ولكن ربما يتمخض عن بعض التوصيات التي سترفع إلى القمة الأوروبية.
التجربة الألمانية
ترى ميشالوفسكي ان الحكومة الألمانية راغبة في زيادة معدلات الهجرة، ولكنها في الوقت نفسه تجد ان اختبار التجنس قد يشكل خطراً حقيقياً على هذه الزيادة. وهو ما سيكون له ربما نتائج سلبية على معدلات الهجرة. وهولندا يمكن أن تعتبر خير مثال على ذلك، إذ أدى اختبار التجنس المتعدد المراحل والباهض التكلفة إلى خفض معدلات التجنس هناك إلى اقل من الثلث. من الواضح أن الحكومة الألمانية تعتبر التجنس من أهم عوامل الزيادة السكانية، كما جاء في قانون الهجرة الوافدة الصادر عام 2000. كما أنها تعتبر هذا القانون من الأهداف المهمة في سياسة الهجرة. وفي حالة وضع الكثير من العوائق والعقبات، فلابد أن يأخذ المرء بعين الاعتبار أن هذا سيؤثر على هذا الفائدة المبتغية من الهجرة في ألمانيا.
دويتشه فيله