صانع ثورة تونس - تغييب سياسي وبحث عن بدائل مناسبة
٢١ فبراير ٢٠١١مرت بالكاد أربعة أسابيع على هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تحت ضغط مظاهرات دامية قادها وصنعها الشباب التونسي لمدة شهر كامل في شتى أنحاء البلاد. وها هو هذا الشباب يقف اليوم في "حيرة من أمره"، كما يقول البعض، أمام أحزاب مختلفة إما كانت معارضة اسميا فقط أو محظورة أجبرت قياداتها على الهرب إلى المنفى. في غضون ذلك بدأت تكتلات سياسية أخرى تطفو واحدة تلو الأخرى على السطح السياسي في تونس بعد 23 عاما من الحكم الاستبدادي، الذي لم يعرف فيه التونسيون سوى التجمع الدستوري الديمقراطي، والذي تعتبره الغالبية العظمى رمز "القمع والفساد" في البلاد.
"الكل يريد الركوب على ثورة لم يصنعها"
"كل هذه الأحزاب والتكتلات السياسية تريد ركوب ثورة لم تصنعها ولم تحركها ولم تدعمها"، هكذا تقول لدويتشه فيله لينا بن مهني (27 عاما)، أستاذة مساعدة في كلية العلوم الإنسانية التابعة لجامعة تونس. بن مهني، التي تعتبر واحدة من أهم نشطاء الانترنت خلال الثورة، تؤكد أن الشباب التونسي "لم يكن من قبل مُسيّسا"، بحكم أنه "تم تغييبه عن الحياة السياسية في تونس طوال عقود طويلة، خاصة خلال فترة بن علي".
لكن ذلك لا يعني أن الشباب، الذي خرج بعشرات الآلاف في مظاهرات حاشدة وكسر التعتيم الإعلامي وقام بإيصال صوته إلى شتى أنحاء العالم، يقف مكتوف الأيدي، وفق بن مهني: "قبل شهرين فقط كانت السياسة آخر ما يهتم به الشباب التونسي واليوم نراه يتابع عن كثب إما ميدانيا أو وعبر شبكة الانترنت والإعلام ما يدور في بلاده ويراقب تحرك مختلف السياسيين والأحزاب السياسية عن كثب."
تحرك على فيسبوك لكشف الحقائق
وبالفعل نرى في شتى أنحاء البلاد مظاهرات هنا وهناك للمطالبة برحيل محمد الغنوشي، رئيس الحكومة الانتقالية، والذي شغل منصب رئيس الوزراء لمدة 11 عاما في عهد بن علي. وكانت مظاهرات سابقة قادها شباب المناطق الداخلية في تونس، أي من سيدي بوزيد والقصرين وتالة وبوزيان وغيرها من المدن التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات الشعبية، والذين طالبوا بإبعاد رموز العهد السابق، قد أجبرت الحكومة الانتقالية على تغيير تشكيلتها ثلاث مرات حتى الآن.
كما نلاحظ عمليات كشف للحقائق لشخصيات سياسية مختلفة يقودها شبان على موقع فيسبوك، يفضحون فيها من يدّعي أنه "كان معارضا لنظام بن علي" من خلال الكشف عن أشرطة فيديو أو مقالات تضمنت تصريحات تمجّد "بن علي" أو لصور تظهر أحدهم يحمل "الشعار البنفسجي" شعار الحزب الحاكم السابق، على الرغم من أنه من "المعارضة" وهي شخصيات تحاول كلها الظهور الآن بثوب "من يدافع عن ثورة الحرية والكرامة"، وفق ما يؤكده لدويتشه فيله علي البوعزيزي (39 عاما)، ابن عم محمد البوعزيزي، رمز ثورة تونس.
"غالبية الشباب التونسي لا تثق في أي حزب حالي"
"في الواقع لا أرى أي تغيير سياسي في تونس. بن علي هرب ولكن نفس الأشخاص لا تزال على هرم الحكومة و يريدون تقاسم الكعكة فيما بينهم"، يؤكد علي البوعزيزي، وهو عضو مكلف بالإعلام في فرع الحزب الديمقراطي التقدمي في سيدي بوزيد. ويلفت النظر إلى أن شباب المناطق الداخلية بدوره يفتقد إلى "الوعي السياسي لفهم مجريات الوضع السياسي" الحالي في البلاد، مؤكدا على أن هناك "عدم ثقة بأي قوة سياسية حالية في البلاد"، فيما تحاول الحكومة الحصول على الشرعية من قبل صناع الثورة، شباب تونس.
جو عدم الثقة ونشر الثقافة السياسية التي حرص نظام بن علي على محوها تماما، دفع عددا من الشبان التونسيين، على غرار سفيان الشورابي (28 عاما)، مدون وصحفي، إلى تأسيس جمعية "الوعي السياسي" (Conscience PO)، "تهدف إلى تنظيم لقاءات وورشات ودورات تكوينية للتثقيف السياسي لفائدة الشباب التونسي"، وفق تصريحاته في حديث خاص بدويتشه فيله.
ويتحدث الشورابي عن "صراع بين الأجيال" وأن هناك محاولات لتغييب الشباب عن صنع القرار داخل البلاد. ويطالب بضرورة إشراك فعلي للشباب، الذي "فتح صفحة جديدة في التاريخ السياسي لتونس"، في بناء معالم هذه الحياة السياسية وأن يكون "في مراكز سياسية مختلفة في صلب الحكومة التونسية". ويؤكد الشورابي على أنه، وبعكس ما يعتقده البعض، فإن الشباب التونسي في "حراك متواصل" من خلال تأسيس جمعيات ومنظمات وتكتلات مختلفة "تسهر على حماية ثورتهم من عدم الالتفاف عليها".
"الشباب سيقف بالمرصاد لمن يحاول الالتفاف على ثورته"
وإن وصف علي البوعزيزي هذا الحراك بأنه يغلب عليه "طابع التشتت"، الأمر الذي يعتبره "ضعفا"، فإن ياسين العياري (29 عاما) ناشط انترنت، يؤكد على أن شباب تونس قادرون على صنع "مستقبلهم بأنفسهم". ويقول لدويتشه فيله: "لسنا بحاجة لا إلى أحزاب إيديلوجية ولا إلى سياسيين محنكين، وإنما نحن بحاجة إلى شخصيات مستقلة تضع مصلحة البلاد نصب عينيها". ويطالب باستبدال من سماهم ب"الديناصورات"، الذين "يتكالبون على المناصب"، بجيل شاب يتمتع ب"الوطنية". ويرى أنه بإمكان الشباب، الذي تمكنوا من حشد عشرات الآلاف ضد بن علي، أيضا حشد الأصوات وخوض معترك الانتخابات في قوائم مستقلة والدخول إلى البرلمان لتحقيق مطالب الشباب التونسي في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.
ورغم ما تمر به تونس من حالة "فراغ سياسي" وما يُقال عنه "حالة حيرة" في ظل عدم وجود قوة تمثل مطالبه، إلا أن "الشباب التونسي سيكون صمام الأمان أمام أي محاولة تراجع إلى الوراء"، وفق ما يؤكده سفيان الشورابي. وأن عهد الخوف قد ولى ومضى، وأن أي حركة سياسية أو أي قوة أخرى "لن تتمكن من إقصائه عن حقه المشروع في تقرير المصير دون وصاية".
شمس العياري
مراجعة: عبد الرحمن عثمان