صراعات داخل جامعات تونس تعكس التوتر السياسي في البلاد
٢ نوفمبر ٢٠١٣ما زال التحقيق جارياً في أحداث العنف التي شهدتها كلية الآداب بجامعة منوبة مؤخراً بعد استجواب العديد من الطلبة الذين شاركوا في هذه الأحداث أو كانوا شهود عيان على هذه الحادثة، التي خلفت حالة من الاحتقان داخل الجامعة شبيهة بحادثة النقاب، حيث علقت الدراسة في كلية الآداب آنذاك.
يذكر أن الجامعة التونسية تشهد منذ ثورة 14 يناير، التي أسقطت نظام الرئيس السابق بن علي، صراعاً حاداً بين الإسلاميين واليسار على غرار ما كان يحدث في الثمانينيات، الذي عاد ليتمثل بالأساس في الصراع بين الاتحاد العام لطلبة تونس الرافض لوجود نقابة طلابية موازية لهم داخل الحرم الجامعي وبين الاتحاد العام التونسي للطلبة، الذي أصر ممثلوه على الاستمرار في نشاطاتهم حتى الاعتراف بهم كاتحاد طلابي يمثل بشكل أو بآخر فئة معينة من الطلبة .
وتقول أماني غلنزة، طالبة ماجستير في معهد الصحافة وعلوم الأخبار: "من الضروري أن يمارس كل طالب حقه في التعبير داخل الجامعة بكل حرية". لكن الإشكال هو أن الطالب حسب رأيها لا يتمتع بدرجة وعي كافية، الأمر الذي يسمح لبعض الأطراف السياسية باستغلاله لتمرير موقف معين أو أيديولوجية معينة وهذا ما أدى إلى العنف داخل جامعاتنا.
نقاشات مستمرة لكن دون تعطيل للدراسة
وتضيف أماني لـDW عربية أن طلبة المعهد لطالما اختلفوا واشتدت نقاشاتهم، إلا أنها بقيت مجرد آراء تناقش في كنف الاحترام دون التسبب في تعطيل الدروس. لذلك، تجزم الطالبة أماني أن تسييس النقابة الطلابية هو أصل الإشكال.
أما مريم غديرة، التي تدرس الماجستير أيضاً، فتعتبر أن الجامعات لا بد أن تبتعد عن المشاحنات السياسية والانتماءات الحزبية الضيقة التي من شأنها أن تربك الطالب، على اعتبار أنها مكان لطلب العلم وليس للصراع السياسي.
وتوضح مريم، في حديث مع DW عربية، أنه وعلى الرغم من أن الطالب يمكنه ممارسة حقه في التعبير وفي تبني مواقف سياسية وأفكار ومبادئ معينة، إلا أن هذه الحرية لا ينبغي أن تؤثر سلباً في المناخ الطلابي الذي يجب أن يكون سلمياً بعيداً عن العنف والتعصب الفكري، الذي يفرض ضرورة التعايش السلمي والتفاعل بين جميع الطلبة خارج إطار العنف.
اتهامات متبادلة
من جانبه، يعتبر حسام العبيدي، كاتب عام المكتب الفدرالي للاتحاد العام لطلبة تونس بكلية الآداب، أن أساس الصراع داخل الجامعة هو رفض وزير التعليم العالي التعامل بجدية مع مطلب الإطاحة بمنظومة "أمد" الجديدة للتعليم العالي في تونس، وهو الذي يعتبره حسام مطلب شرعي حاز على ثقة أغلبية الطلبة.
ويؤكد حسام أن الحادثة جدّت بعد أن "دعونا للإطاحة بهذا الوزير وبالحكومة المنبثق عنها من منطلق أننا طلبة تم رفض العديد من مطالبهم ... محاولة اتهامنا بالتسيّس فاشلة في مقابل أن من هاجمنا من الطلبة الغرباء عن الكلية هم أنصار حركة النهضة ونحن ندافع عن كليتنا من كل عنف مسلط من الخارج. وسبق أن ناصرنا جميع الطلبة بعيداً عن انتماءاتهم الحزبية أو قناعاتهم الشخصية لأن مبدأنا هو أن نتعامل مع الطالب بصفته طالباً."
وبالنسبة لتعطيل سير الدراسة في الكلية، فيؤكد العبيدي أنها مجرد حجة تقدمها الإدارة أو بعض الأشخاص الذين يرفضون مصلحة الطالب. ويرى حسام أن "تعطل الدروس وتحقق الأهداف أفضل بكثير من أن يهمش الطالب وتغتصب حقوقه في تعليم محترم".
وفي معرض حديثه عن الإشكال الحالي في جامعة منوبة، يؤكد عائد عميرة، كاتب عام هيئة مؤسسة في معهد الصحافة وعضو الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للطلبة، أنه من المرفوض القول بأن الاتحاد العام التونسي للطلبة يمثل الطلبة الإسلاميين فقط في الجامعة، بل يسعى لأن يمثل عموم الطلبة دون استثناء أو تمييز.
ويشير عائد لـDW عربية أنه ومنذ عودة الاتحاد العام التونسي للطلبة إلى الساحة الطلابية، فقد نادى بضرورة وضع ميثاق طلابي يحترمه الجميع ويساهم في وضعه عموم الطلبة ويتم من خلاله تنظيم الحياة الطلابية. ويوضح عميرة أن من أبرز الشعارات التي رفعها "لا للعنف نعم للحوار" خاصة وأن أعضاء الاتحاد نادوا مراراً و تكراراً بأن تكون الساحة للجميع.
إلا أن عائد يشير قائلاً: "ما راعنا هو أن النقابة الموازية رفضت كل هذا و تبنت العنف الممنهج أو ما يسمى بالعنف الثوري والذي نرى أن غايته لا تعدو كونها محاولة لإدخال الجامعة في أتون العنف أو ما يصطلح عندهم بالفوضى الخلاقة".
ويؤكد عائد عميرة أن هذه الصراعات لا تخدم الطلبة بل تعيق دراستهم، وأن دور الاتحاد هو النهوض بوضع الجامعة التونسية وتطوير البحث العلمي، مشيراً إلى أن النقابة الموازية رفضت ميثاقهم لأنها ترفض وجودهم أصلاً، على حد تعبيره، بدعوى أنهم يساهمون في شرذمة وتقسيم الطلبة، متسائلاً عن مدى قدرة الاتحاد العام لطلبة تونس على تمثيل الطلبة وهو منقسم على نفسه .
ويحمل عضو الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للطلبة الاتحاد العام لطلبة تونس مسؤولية العنف الموجود في الجامعة التونسية بسبب خطابهم الإقصائي التحريضي.
الحد من العنف أولويات الجامعة
وفي ذات السياق، يقول عميد كلية الآداب، الحبيب الكزدغلي، إن القانون الداخلي يمنع الدعاية الحزبية والسياسية عامة في مقابل أن حرية الانتماء لنشاط نقابي أو ثقافي مكفولة لكل طالب. ويوضح الكزدغلي، في حوار مع DW عربية، أصل الإشكال داخل الكلية، وهو أن طالباً أراد أن يلقي كلمة باسم حركة النهضة وتم منعه بموجب القانون االداخلي للكلية. وقد تم توجيه رسالة لمدير معهد الصحافة، حيث يدرس الطالب، لتفادي العنف مستقبلاً.
وحول الإجراءات المتخذة لتقليص حجم المشاحنات داخل الجامعات، يقول الدكتور الكزدغلي إنه سيتم تطبيق القانون الداخلي طبقاً للفصل السابع عشر، الذي يشير إلى أن كل تنظيم للاجتماعات والتظاهرات لا بد أن يخضع لترخيص كتابي مسبق من الإدارة بالإضافة إلى التزام كل طالب بالإدلاء بهويته كلما طُلب منه ذلك.
ويؤكد عميد كلية الآداب أن إشكال النقاب بدأ يُحل تدريجياً، إذ وقعت إحدى الطالبات المنتقبات على تعهد بالكشف عن وجهها قبل الدروس، مشيراً إلى أن كل طالب مرحب به دون عنف وبعيداً عن انتماءاته، طالما لم يؤثر في النظام العام وسير العملية الدراسية، ومذكراً بأن حق الإضراب مضمون ولكن الدروس مقدسة ولا مجال لوقفها، وهو ما أدى إلى إحالة ثلاثة طلبة إلى مجلس التأديب.