صعود نجم حزب اليسار يلقي بظلاله على المشهد السياسي الألماني
١٠ مارس ٢٠٠٨أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا في ثلاث ولايات ألمانية عن صعود نجم حزب اليسار، بعد تجاوزه نسبة الحد الأدنى من الأصوات التي تمكنه من الدخول إلى البرلمان، في الوقت الذي لم تحصل الأحزاب السياسية الكبرى على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة بشكل منفرد أو مع شركائها التقليدين. هذا الأمر اجبر بعض الأحزاب، التي استبعدت بشكل مطلق أثناء الحملات الانتخابية التحالف مع حزب اليسار، إلى التراجع عن ذلك والتفكير في التحالف على مضض مع هذا الحزب، مما وضع تلك الأحزاب في حرج كبير أمام الناخبين وكاد الأمر أن يتحول إلى أزمة داخل تلك الأحزاب.
فقد شهد الحزب المسيحي الديمقراطي الذي يتبني مبادئ يمين الوسط بزعامة ميركل تراجعا ملحوظاً في حجم التأييد له في انتخابات الولايات الثلاث؛ هيسن سكسونيا السفلى وهامبورج. أما نظرائهم في يسار الوسط (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) فقد تراجع حجم التأييد لهم إلى ما دون مستوى 30 في المائة على مستوى ألمانيا واحتل حزب اليسار الأرض التي خسروها. كذلك خسر الحزب المسيحي الاجتماعي، الشقيق الأصغر للحزب المسيحي الديمقراطي، والذي يحكم في ولاية بافاريا منذ الحرب العالمية الثانية، هو الأخر هيمنته هناك هذا الشهر ولكن ليس لصالح حزب اليسار، بل لصالح أقلية مؤلفة من مجموعة من جماعات الضغط المحلية. ومن الواضح أن الألمان فقدوا الثقة في الأحزاب الشعبية التقليدية التي تهيمن على الحياة السياسية في البلاد منذ نهاية الحرب العالمية.
أزمة داخل الحزب الاشتراكي
وفي ولاية هيسن الألمانية، حيث لم يحقق الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحليفة التقليدي، حزب الخضر، الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، لجأ رئيس الحزب إلى إعطاء الضوء الأخضر لمرشحته في الولاية أندريا يبسيلانتي للتحالف مع حزب اليسار، لكن هذه الخطوة لقيت معارضة شديدة من داخل الحزب نفسه وهددت بعض قياداته في هيسن بعدم التصويت لزميلتهم يبسيلانتي، مما يعني فشلها في الحصول على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة. وكان لهذا الأمر أصداء تجاوزت حدود الولاية، إذ احتدم الخلاف بين صفوف الحزب بين مؤيد ومعارض لمثل هذا التحالف.
وتعرض كورت بيك الزعيم القومي للحزب لضغط هائل بينما ارتفعت الدعوات لاستقالته. ومن جانبه اعترف نائبه وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير صراحة بأن "وضع الحزب ليس مواتيا بالمرة". وتحاول قيادة الحزب حاليا الخروج من هذا المأزق، إذ تعقد "لقاءات أزمة" بدأت يوم أمس ومن المنتظر أن تتواصل اليوم برئاسة بيك الذي يطالبه البعض من أعضاء حزبه بالاستقالة.
تحذير من صعود اليمين المتطرف
إن احتمال أن يلعب حزب اليسار دورا حاسما على المستوى الاتحادي حين تجرى الانتخابات العامة في غضون 18 شهرا وحالة الشك لتي تعتري الناخب الألماني إزاء الأحزاب الشعبية دفعت الرئيس الألماني الأسبق رومان هيرتسوغ إلى إصدار تحذير من أن التغيرات التي طرأت على اليسار السياسي يمكن أن ينشأ معادل لها في اليمين، مطالبا بتعديل الدستور للتعامل مع هذا الوضع غير المتوقع. وكتب هيرتسوغ، الذي رأس ألمانيا من عام 1994 حتى 1999، في صحيفة سودديوتشه إن إمكانية ظهور حزب سادس، ليس بالضرورة أن يكون من الفاشيين الجدد، لا يمكن استبعادها على أية حال. وحذر هيرتسوغ من مخاطر ظهور حكومات أقلية، الأمر الذي يضطر المستشار لطرح "حلول وسط شديدة الحماقة"، لدفع وتمرير برنامجه. ويمكن أن ينظر إلي المستشار عندها في الساحة الخارجية باعتباره بطة عرجاء، حسب تعبير الرئيس الألماني الأسبق.