صندوق "تحيا مصر"..وعاء اقتصادي ناجع أم دعاية سياسية؟
٥ أغسطس ٢٠١٤في يونيو/ حزيران الماضي حث الرئيس المصري عبد التفاح السيسي مواطني بلاده على التضحية من أجل إحياء الاقتصاد المصري الذي "يعاني من مشاكل كثيرة" داعيا إلى إنشاء صندوق للتبرع بإشرافه أطلق عليه اسم "صندوق تحيا مصر"، يتبرع له القادرون من المواطنين في الداخل والخارج من أجل دعم مؤسسات الدول. وقال السيسي إنه مستعد للتنازل عن نصف راتبه ونصف ما يمتلكه بما في ذلك ما ورثه عن أبيه من أجل تعزيز الاقتصاد المصري. يذكر أن "تحيا مصر" كان الشعار الخاص بالحملة الانتخابية للسيسي.
وفيما أعلنت القوات المسلحة المصرية أنها وضعت مبلغ مليار جنيه من أرصدة شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة تحت تصرف الصندوق، استجاب رجال أعمال للدعوة وانطلقت حملة التبرعات، التي رحب بها البعض فيما شكك البعض الآخر.
"صورة سيئة عن الاقتصاد المصري"
يقول محمد مختار، مواطن، "قبل الكلام عن الصندوق الجديد وجدوى التبرع له، أريد أن نعرف أين ذهبت الأموال التي تمّ جمعها لصالح صندوق (30/ 6-30/6) والذي أعلن عنه أحد رجال الأعمال بعد عزل محمد مرسي". ويعتبر مختار أن كل ما يقال حول التبرعات يهدف للدعاية، ويوضح " أغلب هذه الأموال كانت مستحقات على الحكومة المصرية تمّ التنازل عنها من جانب رجال الأعمال لصالح الصندوق". أما عن إقدام كبار موظفي الدولة بما فيهم الرئيس على التبرع فيعتبر محاولة "لكسب الشعبية"، على حد تعبيره. كما يرى مختار أن طلب التبرعات يقدم صورة سيئة عن الاقتصاد المصري بشكل لا يشجع المستثمر الأجنبي على صرف أمواله في مصر.
بينما يؤكد الموظف بالمعاش حسام محمد أنه لن يتبرع لصالح الصندوق، ويقول "هناك طرق وأفكار جديدة يمكن أن تساهم في حل المشاكل الاقتصادية، أفضل من جمع التبرعات".
ومن جانبها تؤكد تهاني أنها ستتبرع لـ"تحيا مصر"، لأنها تثق في السيسي. أما التاجر محمد إسماعيل فيقول "من الممكن أن أتبرع بكل شىء لمصر حتى دمي"، لكنه لا يثق في الحكومة، ويوضح "لا أقصد هذه الحكومة تحديداً، وإنما غياب الثقة يأتي كنتيجة لتراكم مواقف حكومات كثيرة سبقتها.. من زمان لا توجد ثقة" .
كما يرى إسماعيل أن الحكومة رفعت الدعم عن الطاقة دون أن تتحدث عن تحسين أوضاع الناس المعيشية، ويوضح :"بالطبع هناك أزمة اقتصادية كبيرة، لكن ليس هذا هو الحل، كم سيجمع؟ ومِن مَن؟". أما محمد حسين فأنه يؤكد أنه لن يتبرع لصندوق "تحيا مصر"، حيث يقول " كيف أتبرع وأنا في حاجة لمن يتبرع لي"، فهو خريج جامعي ولم يجد فرصة عمل مناسبة. بينما ترى سارة أن الحكاية تبدو وكأنها دعاية حتى " يظهر المتبرع في التليفزيون، أو يعلن عن اسمه"..لهذا تقول:"إذا كان الصندوق يحمل اسم تحيا مصر فإن لا أحد يشعر أن هذه الأموال ستصرف لتحسين حياة الناس في مصر".
إشراك المواطن في تحمل المسؤولية
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد تبرع لصندوق "تحيا مصر"، وهو ما يعتبره محمد فارس، العضو بحملة ترشح عبد الفتاح السيسي للرئاسة، خطوة تهدف للتأكيد " أن كل مصري يجب أن يتحمل المسئولية تجاه وطنه، والدليل أن الرئيس تبرع بنصف أملاكه"، ويقول فارس إن "فكرة التبرع لمصر هي فكرة عظيمة وبناءة حتى نقدم المساعدة للوطن، خاصة أن الميزانية العامة للدولة كشفت عن وجود أزمة حقيقية". كما يتوقع فارس أن تتجاوز التبرعات 100 مليار جنيه مصري، (أي ما يزيد عن 10 مليار يورو)!
ويؤكد فارس أن أموال التبرعات لن تدخل في ميزانية الدولة، وإنما ستوظف لمشاريع تهدف لإحداث تنمية زراعية وسياحية وصناعية على حد تعبيره. ويقول " من المتوقع أن يبدأ مجلس أمناء الصندوق، والذي يضم مجموعة من وزراء الحكومة المصرية إلى جانب بعض رجال الأعمال المصريين منهم محمد فريد خميس، ونجيب ساويرس، ومحمد الأمين، في دراسة المشاريع التي سيتم استثمار أموال الصندوق بها".
ليس بالتبرعات تبنى اقتصاديات الدول
يقول محمد النجار، وهو أستاذ اقتصاد أنه لا جدوى اقتصادية لحملة جمع التبرعات لصندوق "تحيا مصر"، يوضح النجار لـ DW عربية:"أن التبرعات والكلام عن الضمير وإنقاذ الوطن هي أمور لا يمكن أن تكون ضمن السياسات الاقتصادية للدولة، لكنها قد تكون صالحة في حال جمع تبرعات للمشاريع غير الحكومية مثل مدينة زويل للبحث العلمي مثلا".
يرى النجار أن حملة التبرع ليست إلا "وسيلة للضغط على رجال الأعمال" كما أنها "لن تساهم في إنقاذ الاقتصاد المصري، والأفضل أن يتمّ وضع سياسات ضريبية جديدة تزيد عدد المموليين، خاصة أن هذه الضرائب الجديدة ستكون موجهة للقادرين فقط، بحيث يتمّ تحصيل نسبة معلومة من الدخل بشكل يسهل معرفة طرق التحصيل وأوجه الإنفاق". كما يشترط النجار أن يتزامن ذلك مع وضع سياسات لدعم غير القادرين.
ويؤكد أستاذ الاقتصاد أن التبرع غير مفهوم من الناحية الاقتصادية، إلا إذا كان –التبرع- ذو طابع ديني أو روحاني، ويوضح "من الممكن تقبل فكرة التبرع إذا كانت الأموال ستخرج على سبيل الزكاة، وبالتالي يتم تحصيلها كنوع من التكافل الاجتماعي، لكن أن يكون التبرع سياسة لللدولة فأنا ضده على طول الخط". كما يشير النجار إلى أن هذه التبرعات تأتي من "دون إرادة حرة"، بمعنى أن المتبرع يقدم على ذلك حتى لا يقال أنه ضد النظام مثلا، كما أن من يُقدِم على التبرع يفعل ذلك طمعاً في الدعاية وحتى يقال أنه من رجال الأعمال الوطنيين.