صورة حية من داخل غونتانامو عبر مراسل دويتشه فيله
قبل بدء زيارة المعتقل تم تزويدي ببعض المعلومات الأساسية: مثلا أن 16 في المائة من السجناء يمثلون بالنسبة للاستخبارات أهمية خاصة ولذلك يخضعون لإجراءات أمنية عالية، ومابين ستة إلى ثمانية في المائة منهم يخضعون للعلاج بسبب الأمراض النفسية. الشروط، التي يتوجب على الصحفي الالتزام بها، كانت قد أرفقت بتصريح الزيارة من قبل الجيش الأمريكي. القواعد واضحة: التصوير مسموح لكن الجيش يحتفظ بحق الإطلاع على المواد الفيلمية ومراقبتها "لأسباب أمنية". من بداية الزيارة، التي استغرقت ثلاثة أيام، وحتى نهايتها كنت تحت أعين الرقيب.
لا احد هنا يريد أن يتكلم عن التعذيب وسوء المعاملة للسجناء في هذا المعتقل كما انه ليس من الممكن التأكد فيما إذا كان فعلا يتم ممارسة أي نوع من التعذيب لهؤلاء. الحديث مع السجناء غير مسموح ومع المشرفين فقط مع وجود مراقبين أصغوا بأذانهم لكل شاردة وواردة. سيدة من الاستخبارات العسكرية رافقتنا كظلنا وظلت تبحلق في عيون الحراس والمشرفين الذين تحدثت إليهم للتأكد من كل كلمة.
رؤية السجناء عن بعد فقط
مرتان فقط فتحت لي أبواب سجن كامب ديلتا، الذي يتمتع باجراءت أمنية استثنائية ويتكون من خمسة عنابر منفصلة عن بعضها البعض، حيث سمح لي برؤية ثلاثة منها فقط. وهناك حجرة مبنية من الخرسانة المسلح خاصة بالسجناء المصنفين من قبل المخابرات بأنهم ذوي أهمية خاصة، بالإضافة إلى عنبرين مفتوحين للسجناء الذي يبدون تعاونا مع المحققين، وعنبرين آخرين يخضعان لاجراءت أمنية صارمة تحوي بين جدرانها السجناء المشاكسين.
تمكنت فقط من رؤية السجناء الذين يقيمون في العنبر المفتوح المسوح فيه بالحركة. بعض السجناء حاولوا إخفاء أنفسهم والبعض الأخر لم يولي لوجودي أية أهمية، بينما بحلق البعض الآخر بعينية نحوي دون انقطاع. بالنسبة لقطاعات السجن التي سمح لي برؤيتها لا تختلف عن بقية السجون في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى المطابخ وغرف التموين فتحت أمام الكاميرا لإثبات أن معتقل غونتانامو يزود بالتموين اللازم والكافي. احد الجنود سألني: "لماذا تحاول وسائل الإعلام نقل صورة أخرى عن غونتانامو ولماذا تكرر التلفزة دائما صور من غونتانامو اكس ريه (X-Ray) الذي كانت ظروف الاعتقال فيه كارثة؟"
محاكمات عسكرية دون محام
سمح لي بزيارة ثانية لـعبنر كامب ديلتا، هذه المرة لحضور جلسة تحقيق مع احد مسؤولي طالبان السابقين. قبل بدء الجلسة أطلعني احد موظفي وزارة الدفاع الأمريكية على أهم التهم الواردة في لائحة الاتهام الموجه لهذا الشخص. السجين، وفقا لهذا المصدر، كان وزيرا للتجارة في حكومة طالبان ويعتقد بأنه مشارك في قتل احد الاكوادوريين الذي كان يعمل مع الصليب الأحمر. جلسة الاستماع إلى أقوال المتهم، بحضور لجنة مكونة من ثلاثة ضباط، بدأت بطلب المحقق من المتهم ترديد القسم وراءه والذي تمت صياغته بما يتناسب والشريعة الإسلامية. تتمثل مهمة هذه "المحكمة" في اتخاذ قرار بشأن وجوب بقاء المتهم قيد الاعتقال أم لا. بطبيعة الحال لا يوجد محام للمتهم وبالتالي فان نسبة 80 بالمائة من التهم تقريبا تظل غير قابلة للتحقق، كما ان المعايير التي تجري وفقها المحاكمات من قبل ضباط عسكريين ليست واضحة بالشكل الكافي.
لماذا هم هنا إذن؟
بدا السجين الطالباني الملتحي مهذبا في حديثه إلى هيئة التحقيق: "لقد أصبحت عجوزا وضعيفا، منذ ثلاث سنوات وأنا هنا فقط لأني كنت وزير تجارة طالبان، هذا يكفي." وأضاف المسؤول الطالباني السابق بان " الملا عمر وأسامة بن لادن قررا في عام 2003 توحيد قواتهما وليس لي علاقة بذلك لأني كنت تحت الإقامة الجبرية". وعند سؤاله من قبل الضابط لماذا هو هنا أجاب قائلا: " الأمريكيون أغمضوا عيونهم وقذفوا بشباكهم الى عرض البحر، فكان قدري أن أكون ضحيتهم"، مما رسم ابتسامة لطيفة وحائرة على شفاه المحقق الأمريكي.
ومن الملفت للنظر أيضا وجود معتقلين صينيين ينتمون إلى قبيلة اويجورن التي تمثل أقلية مسلمة في الصين كانوا يعملون في مجال التجارة على الحدود الباكستانية وتم القاء القبض عليهم في إطار الحرب على الإرهاب وإرسالهم إلى غونتانامو. وبعد التأكد من أنهم لا يمثلون خطرا على أمريكا ترغب الحكومة الأمريكية في إطلاق سراحهم وإعادتهم الى بلادهم، لكنهم يواجهون خطر زجهم في السجن من جديد في الصين التي تلاحق أعضاء هذه القبيلة وتعتبرها انفصالية.
بينما كنت أقوم بالتقاط صورة خارجية للمعتقل قبيل بدء رحلة العودة إلى واشنطن، فوجئت بأعداد كبيرة من سيارات الإسعاف تهرع إلى المعتقل. وبعد أن وصلت إلى واشنطن، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن معطيات جديدة حول سجن غونتانامو: عدد السجناء المضربين عن الطعام ارتفع إلى 48 سجينا.
تقرير: ستيفان باخينهايمر /اعداد: عبده جميل المخلافي