"ضبط الشيخين" بالمغرب.. حادثة مثيرة وسط غبار انتخابي
٢٦ أغسطس ٢٠١٦خبر يبدو للوهلة الأولى كتلك الأخبار التي تطالعنا بها الصحف بين الفينة والأخرى تحت عنوان يختلف باختلاف الصحيفة التي تنشره، "ضبط شخصين خلال ممارستهما الفاحشة في سيارة" إن كانت توجهاتها محافظة أو إسلامية؛ أو: "الشرطة تقبض على عاشقين خلال ممارستهما الحب"، إن كانت توجهاتها علمانية.
لكن ما يثير الاهتمام، أو الاستغراب ربما، هو أن الشخصين قياديان في حزب إسلامي، واشتهرا بخطبهما ومواعظهما الداعية إلى "الحشمة والعفة وغض البصر". والكلام هنا عما نشرته صحف ومواقع مغربية عن "ضبط" النائبين الأولين لرئيس حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي. "أبطال القصة"، وهما عمر بنحماد وفاطمة النجار، من أشهر رموز الدعوة في التيار الإسلامي المغربي، حيث "ضبطتهما في وضعية جنسية" صباحا بسيارة قبالة شاطئ جنوب الرباط، كما نقل موقع "الأحداث أنفو" الإلكتروني.
ورغم أن ما حدث يبقى مسألة شخصية ومعروضة أمام القضاء، لكن تسريب تفاصيل اعتقالهما لبعض وسائل الإعلام خلف جدلاً حاداً حول الشخصين وخطابهما، في وقت تستعد فيه المغرب لانتخابات برلمانية مهمة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ويبدو أنه في ضوء الاستعدادات للانتخابات تتوالى الأخبار "الفضائحية" المرتبطة بشخصيات حزبية مخلفة السخرية تارة والجدل تارة أخرى في جو من الصراع السياسي الحاد.
في هذا السياق يقول محمد العوني رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير لـDWعربية: "المشكلة تكمن هنا في التعاطي مع هذه القضايا. هناك فاعلون سياسيون يطرحون بوضوح لكنهم يفتقدون للقوة. وهناك فاعلون سياسيون لهم قوتهم لكنهم يتعاملون بنوع من الاختباء وراء انتظار الفرصة المناسبة، معتبرين ذلك سياسة الممكن".
تأثير محدود
من الطبيعي أن يلقي توقيت "حادثة الشيخين" تساؤلات عن تأثيرها على حظوظ العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة. تساؤلات رافقها الحذر في تخمينات المراقبين للشأن المغربي. بيد أن العوني يرى أن تأثيرها سيبقى ضعيفاً، معللاً ذلك بأن للحزب "كتلة ناخبة بارة، ويستطيع أن يتحكم بها إيديولوجياً وإعلامياً وتواصلياً". ويضيف رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير بالقول إن "الآلة الدعائية داخل الحزب تعمل بكل قوتها لتحصين ناخبيه".
وبحسب العوني فإن ما يسهم في تقليل أثر تسريب هذه القضية على الحزب هو التحرك السريع لحركة التوحيد والإصلاح بإبعاد العضوين وبـ"سلسلة من التدخلات التبريرية المكتوبة، ناهيك عن التواصل الشفوي المباشر، الذي تكون فيه التبريرات أكبر وأقوى، وتنقل القضية فيها من إطاراها إلى إطارات أخرى بما فيها مواجهة الخصوم".
وفيما قدمت النجار استقالتها، أقالت الحركة بنحماد من جميع مهامه، والذي نفى وجوده "في وضعية جنسية". وبرر العلاقة التي تربطه بالنجار بـ"وجود زواج عرفي" بينهما، لكن الحركة التي ينتمي إليها أعلنت رفضها الزواج العرفي كاشفة أنها كانت على علم برغبة الطرفين في الزواج في إطار القانون لولا رفض أبناء النجار.
"مكيدة" خصم لدود؟
اعتبرت يومية "آخر ساعة" الناطقة باسم حزب الأصالة والمعاصرة الليبرالي، الخصم اللدود للحزب الإسلامي، أن هذه "الفضيحة الجنسية" تعد "ضربة موجعة للإسلام السياسي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية"، مضيفة أن الحزب "حطم الأرقام القياسية في الفضائح". من جانبه اعتبر موقعLE360 القريب من المحيط الملكي أن ما حصل هو بمثابة "حبة التوت فوق قطعة الحلوى"، منتقداً "تنصيب الإسلاميين لأنفسهم كحراس للأخلاق وحسن السلوك، واعتبار أنفسهم غير قابلين للانتقاد".
ومادام الكلام يدور عن "أرقام قياسية في الفضائح"، فمن الضروري ربما توضيح أنها ليست المرة الأولى التي تتصدر فيها "زلات وفضائح" مسؤولي العدالة والتنمية صفحات الصحف المحلية. فنهاية 2015 تقدمت سيدة بشكوى ضد قيادي من الحزب في مدينة مراكش تتهمه بـ"التحرش الجنسي" وما زالت القضية أمام المحكمة التي ستبث فيها في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول القادم.
وفي تموز/ يوليو الماضي تم اعتقال مسؤول آخر في مدينة أسفي جنوب غرب المغرب وبحوزته "13 ألف يورو وثلاثة أطنان من القنب الهندي" حيث ما زالت أطوار القضية أمام المحكمة وشهدت بدورها جدلاً.
وبعدها مباشرة لاحقت "شبهة استغلال النفوذ" الحبيب الشوباني الوزير الإسلامي في النسخة الحكومية الأولى والرئيس الحالي لجهة درعة تافيلات، بعدما تقدم برفقة أشخاص آخرين بطلب للاستفادة من 200 هكتار بغرض الاستثمار الزراعي.و"فضيحته" الأكبر حين دخل في علاقة مع زميلته في الحكومة سمية بنخلدون، وكانت متزوجة من شخص آخر، ما اضطرهما إلى مغادرة الحكومة بعد انتقادات حادة.
سلسلة "الفضائح" تلك لا تقتصر على المعسكر الإسلامي وحده، ففي منتصف تموز/ يوليو الماضي انشغلت الصحافة المغربية بـ"قضية خدام الدولة" التي يمكن تلخيصها بأن مستشارين ملكيين ووزراء حاليين وسابقين حصلوا على أراض بأثمان زهيدة. وفيهم العديد من الوجوه المنتمية أو المقربة من حزب الأصالة والمعاصرة.
واعتبر بعض ممن وردت أسماؤهم في تسريبات "خدام الدولة" أن الأمر "حملة مغرضة" يقودها "حزب سياسي والمنابر الإعلامية التي تدور في فلكه" في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
وإذا ما قسمنا سلسلة "الفضائح" تلك على التوقيت وجمعنا النتائج، لوصلنا إلى الانتخابات البرلمانية.
وعن العلاقة بين "الشيخين" و"خدام الدولة" يقول العوني: "لا يمكن تأكيد هذه العلاقة أو نفيها لأن الفاعلين السياسيين من داخل الدولة خصوصاً يلجأون إلى مثل هذه الوسائل أحياناً" في تصفية الحسابات.
ويضيف العوني أن تسريبات "خدام الدولة" أزعجت جهات داخل الدولة وحاولت أن تقلص تأثيرها بمختلف الوسائل".
يبقى أن نذكر في هذا السياق أن النائب عن حزب العدالة والتنمية صرح بأن "مصدر هذا العدوان ضد الحزب اليوم هو مكونات ما أسميه الدولة العميقة (...) والتي تتحرش بالمسار الديمقراطي"، مشيراً بأصبع الاتهام إلى "بعض ممارسات وزير الداخلية وبعض العمال والولاة". واسم الأول على الأقل ورد في تسريبات "خدام الدولة".
صراع بين "ممارسي الحريات الفردية" والحداثيين؟
في جو يسوده التوتر قبل الانتخابات، فمن الطبيعي أن تلقى القضية تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي. في هذا السياق، ربطت تغريدة للناشط والمدون المغربي المشهور عبد العزيز العبدي بين تلك "الواقعة" وأثرها على الانتخابات المقبلة بالقول: "لمن ستصوت في الانتخابات المقبلة؟ للعدالة والتنمية، (الذين) يمارسون الحريات الفردية، (أم) للحداثيين (الذين) يدافعون عنها فقط".
أما الناشطة المغربية سناء العاجي فقد تناولت الموضوع في تغريدة لها بتويتر من زاوية لا تخلو من انتقاد للمعسكر الإسلامي قائلة: "حتى لدى من يحرمونه: الحب ليس جريمة"، لكنها أضافت في تدوينة لها بفيسبوك أن "على الإخوة في حركة التوحيد والإصلاح وفي جناحها السياسي 'العدالة والتنمية'، كما على الإخوة الدعاة في كل بقاع العالم أن يعرفوا بأن تلك الجيوش التي يتم تأليبها ضد كل الحداثيين والمدافعين على الحريات الفردية، هي التي قد تنقلب عليهم اليوم حين يعيشون بدورهم الحب والجنس خارج المؤسسات الرسمية".
وأوضحت معلقة على ما يمكن وصفه بـ"ثنائية الخطاب والفعل" قائلة: "كل تلك الجيوش التي يتم إقناعها بأن الحريات الفردية نجاسة، وبأن الحداثيين زنادقة وديوثيون وبأن كل من يؤمن بقيم الحداثة والحريات الفردية هو شخص بلا أخلاق وبلا قيم… تلك الجيوش، حين تمتلئ بالتطرف حتى التخمة، قد يغرق طوفانها الجميع".
من جانبه وصف المحامي المغربي عبد العزيز النويضي "حادثة الشيخين" بـ"التحرش الانتخابي" ضد حزب العدالة والتنمية، مؤكداً في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية أنه "ليس هناك مبرر قانوني لإلقاء القبض على شخصين في سيارة(...) وإلا عليهم أن يعتقلوا آلاف المواطنين حيث يختلي رجل بامرأة".