ضريبة الكربون الأوروبية.. هل هي ثورة أم نزعة حمائية؟
١٢ ديسمبر ٢٠٢١أعلن الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من العام الجاري اعتزامه تطبيق خطط من شأنها خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55 بالمائة بحلول عام 2030، فيما كان الهدف في السابق تحقيق خفض بنسبة 40 بالمائة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف الطموح داخل بلدان التكتل الأوروبي، يتعين إعادة هيكلة الصناعات المتسببة بنسب عالية من الانبعاثات بوتيرة سريعة، مما يعني أن الملوثين الرئيسيين في الاتحاد سيُطلب منهم دفع سعر كربون أعلى من أجل إجبار كافة البلدان على التحول إلى عمليات صناعية تحمي المناخ ولا تضر بكوكب الأرض.
بيد أن هذا الإجراء قد يضر بالشركات الأوروبية خاصة ما يتعلق بالتنافسية خارج التكتل ويعطي ميزة للشركات غير الأوروبية.
ولضمان تفادي هذا السيناريو تخطط المفوضية الأوروبية في الوقت نفسه لفرض ضريبة كربون على الواردات من الخارج في إطار خطة أطلق عليها اسم "آلية تعديل حدود الكربون/ CBAM" التي تعد الأولى من نوعها في العالم، إذ ستؤثر على المنتجات المستوردة من الصناعات ذات الانبعاثات العالية بشكل خاص مثل الصلب والأسمنت والألمنيوم والأسمدة وإنتاج الطاقة.
بموجب القواعد الجديدة من المقرر أن تدخل الخطة حيز التنفيذ بشكل كامل اعتبارا من عام 2026 وفقا لمفوضية الاتحاد الأوروبي، وعليه فإن شركات الصلب الصينية التي تسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أثناء الإنتاج أكثر من شركات الصلب الأوروبية، سوف تخضع لسعر أوروبي للكربون عند الاستيراد.
حل مستدام، لكن ماذا عن التنافسية؟
ويرجع السبب وراء زيادة رسوم الكربون أو فرض ضريبة الكربون الجديدة إلى الرغبة في عدم الإضرار بتنافسية الشركات الأوروبية خارج التكتل في الوقت الذي يتم فيه تشجيع الصناعات الأوروبية على المضي قدما في الإنتاج بشكل أكثر استدامة لحماية المناخ .
وفي ذلك، قال هيكتور بوليت - الخبير الاقتصادي في معهد تطوير القيادة في مجال الاستدامة بجامعة كامبريدج – "إن المفاهيم الاقتصادية الأساسية بسيطة للغاية. ففي حالة تطبيق هذه المنظومة، فسيكون لدينا في الاتحاد الأوروبي سعر مرتفع للكربون، لكن في المقابل لا توجد أسعار عالية للكربون في أي مكان آخر. عندها سيكون منتجو الاتحاد الأوروبي في وضع غير جيد وغير كفء من الناحية التنافسية مقارنة بالدول الأخرى."
بموجب هذه القواعد الجديدة، سوف يتعين على أكثر من 11 ألف شركة صناعية في الاتحاد الأوروبي مثل مصافي النفط والصلب والألمنيوم والمعادن والأسمنت والكيماويات، دفع ضرائب كربونية في حالة وجود انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تتجاوز المستوى المحدد.
يشار إلى أن سعر الكربون كان منخفضا وفقا لنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي الذي تم إنشاؤه عام 2005 كأداة سوقية لتقليل إنتاج الكربون إذ بلغ متوسط أسعار الكربون عام 2016 نحو 3 يورو للطن.
بيد أن هذا التسعير طرأ عليه تغيرات في الآونة الأخيرة إذ ارتفع سعر طن ثاني أكسيد الكربون إلى 69 يورو في الاتحاد الأوروبي خلال العام الجاري ما يعني زيادة أكثر من الضعف عن كل سنة.
وقد صُممت الآلية الجديدة الخاصة بضريبة الكربون الحدودية كإجراء وقائي ضد الشركات التي قد تخرج من التكتل الأوروبي إلى دول ذات معايير بيئية منخفضة ومن ثم يمكنها تصدير إنتاجها من تلك الدول إلى الاتحاد الأوروبي كي تتفادى دفع ضرائب الكربون الجديدة.
وفي معرض حديثه عن الخطط الجديدة، أكد باولو جينتيلوني - المفوض الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي- على أن "المبرر يتمثل في معالجة مخاطر تسرب الكربون الذي يمكن أن يقوض جهودنا عندما يتم نقل الإنتاج إلى مكان آخر لتجنب تسعير الكربون في الاتحاد الأوروبي".
المصير.. حرب تجارية أم نادي الكربون؟
ومن المتوقع أن تتأثر العديد من الدول بقواعد ضربية الكربون الأوروبية مثل روسيا والصين وتركيا والمملكة المتحدة وأوكرانيا وكوريا الجنوبية والهند.
وفي هذا الصدد، طُرحت الكثير من التساؤلات حول ما إذا كانت الخطط الأوروبية الجديدة ستكون جيدة وفقا لمنظور منظمة التجارة العالمية.
بيد أنه من الواضح أن هذه القواعد قد تؤدي إلى نشوب حرب تجارية محتملة، وفقا لما ذكرته سانا ماركانين- كبيرة المحللين في معهد تطوير القيادة في مجال الاستدامة بجامعة كامبريدج.
وعزت هذا الأمر إلى احتمالية أن تعتبر الدول غير الأوروبية ضريبة الكربون سياسة حمائية، وفي هذه الحالة فإنها قد تقدم على تطبيق قواعد مضادة ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب تجارية.
بيد أن المفوض الأوروبي جنتيلوني يؤكد أن الآلية الجديدة ليست "أداة سياسة بيئية أو أداة لفرض رسوم جمركية".
ورغم ذلك، ترى ماركانين أن العالم يشهد في الوقت الحالي المزيد من المؤشرات الإيجابية لخلق نظام تجاري دولي مستدام، مضيفة "في الواقع، يسعى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى حشد الجهود لتشكيل ما يطلق عليه (نادي الكربون)".
يشار إلى أن التعاون عبر الأطلسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد يؤدي إلى رفع أسعار الصلب الواردة من الصين والتي تتسبب في انبعاثات كبيرة.
وفي هذا السياق، قال كيفن ديمبسي - رئيس المعهد الأمريكي للحديد والصلب وهي منظمة تضم منتجي الصلب في أمريكا الشمالية – إن هذا الأمر يمكن أن يعوض الميزة التنافسية للشركات الصينية التي تستفيد من الإعانات الحكومية والمعايير البيئية المنخفضة.
وترمي الضريبة الأوروبية الجديدة على الكربون إلى الضغط على الدول الأخرى لتسريع تحول اقتصاداتها إلى اقتصاد أكثر استدامة.
تزايد الضغوط على الدول الأخرى
وفي هذا الإطار، بدأت بعض الملاحم الإيجابية تلوح في الأفق إذ يرى الخبراء أن الضريبة الجديدة على الكربون ساعدت في إقناع تركيا بالتصديق على اتفاقية باريس للمناخ في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عندما طُرحت الاتفاقية على البرلمان التركي من أجل التصديق عليها.
من جانبه، أشار وزير التجارة الأسترالي دان تيهان في وقت سابق إلى أن بلاده ستواجه سلبيات طويلة الأجل فيما يتعلق بصادراتها في حال تطبيق قواعد المنظومة الأوروبية لتسعير الكربون.
يشار إلى أن أستراليا لا تزال ماضية قدما في التخطيط للتوسع الكبير في إنتاج الوقود الأحفوري على الرغم من أنها تعتزم الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050 في الوقت الذي لاتزال فيه واحدة من أكبر مصدري الانبعاثات الكربونية في العالم.
خلق مزيد من فرص العمل
ويرى بوليت وماركانين أن ضريبة الكربون الأوروبية الجديدة قد تصب في صالح الشركات الأوروبية.
وقالا إن الشركات في الاتحاد الأوروبي قد تستفيد من ارتفاع الطلب وارتفاع الأسعار في حال فرض ضرائب على السلع الضارة بالمناخ الواردة من الخارج.
وأشار الباحثان في تقريرهما إلى أنه بحلول عام 2030، قد يشهد الاتحاد الأوروبي زيادة تصل إلى 0.2 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي ما يعني خلق أكثر من 600 ألف وظيفة جديدة.
الدول الفقيرة قد تضرر
ورغم أن الضريبة الكربونية الحدودية الأوروبية الجديدة قد تدفع الدول الكبرى إلى حماية المناخ، إلا أنها قد تبطئ انضمام الدول الفقيرة التي تعتمد بشكل كبير على التجارة مع الاتحاد الأوروبي إلى جهود حماية البيئة وهو ما حذرت منه منظمات دولية غير حكومية مثل أوكسفام.
وفي هذا السياق، قالت كيارا بوتاتورو - خبيرة الضرائب في منظمة أوكسفام بالاتحاد الأوروبي – إن التسعير الكربوني الجديد على صادرات الدول الفقيرة إلى الاتحاد الأوروبي قد "يؤثر سلبا على التوظيف وقد يقوض استثمارات التحول إلى اقتصاد أخضر في هذه البلدان ".
وبدخول الضريبة الكربونية الحدودية الأوروبية حيز التنفيذ، سوف تتأثر صناعات الصلب والألمنيوم في موزمبيق وزامبيا وسيراليون وغامبيا.
ورغم أن صادرات الدول الأقل نموا تمثل 0.1 بالمائة فقط من جميع واردات الاتحاد الأوروبي، إلا أن الضريبة الكربونية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على هذه الدول.
فعلى سبيل المثال في موزمبيق حيث يقبع قرابة 70 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، يذهب أكثر من نصف صادرات البلاد من الصلب والألمنيوم إلى الاتحاد الأوروبي.
غموض بشأن القواعد الجديدة
لم تقدم المفوضية الأوروبية أي إيضاحات حول إمكانية وضع استثناءات لبعض البلدان لتجنيبها الخضوع للضريبة الأوروبية الجديدة على الكربون.
في سياق متصل، ذكرت منظمة أوكسفام أن أغنى 10بالمائة من سكان العالم الذين يعيش معظمهم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تسببوا في نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم ما بين عامي 1990 و 2015.
وقالت المنظمة إنه على النقيض من ذلك فقد تسبب أفقر 50 بالمائة من البشر فيما لا يتعدى 7 بالمائة من الانبعاثات.
وفي ذلك، قالت بوتاتورو من أنه "يتعين علينا حقا توخي الحذر من مطالبة الدول الأخرى بدفع ثمن مشكلة نحن المتسبب في حدوثها في المقام الأول".
كذلك، لم يتم الإعلان عن الخطط الخاصة بكيفية الاستفادة من عائدات الضريبة الكربونية الحدودية الأوروبية في مجالات التنمية المستدامة.
تيم شاوينبيرج / م ع