طارق رمضان ومزاعم الاغتصاب ـ نهاية مفكر إسلامي "حداثي"؟
١ فبراير ٢٠١٨طارق رمضان خلف القضبان. مشهد تمناه الكثيرون خاصة داخل فرنسا. البلد الذي لمع فيه نجم هذا الأكاديمي الإسلامي قبل أن يصير شخصية مؤثرة في صفوف فئات واسعة من المسلمين داخل أوروبا وحتى خارجها. تختلف الآراء حد الانقسام الحاد حول شخصية مثيرة للجدل بتوجهاتها ومواقفها. يصنفه البعض على أنه مُصلح إسلامي أو مروج لإسلام أوروبي حداثي، بينما يتهمه آخرون بالازدواجية في الخطاب والتناقض والترويج لإسلام متطرف خلف ستار الإسلام المعتدل.
ومؤخرا برز اسمه بشكل كبير بعد اتهامات وجهت له بالاغتصاب والتحرش منذ بضعة أشهر لتوقفه الشرطة الفرنسية أمس وتخضعه للتحقيق في الشكاوى المقدمة ضده من طرف سيدتين. فمن يكون طارق رمضان؟ وكيف ينظر إليه في أوروبا حيث يسعى لنشر خطاب إسلامي متماشي مع القيم الغربية كما يقول؟
"تهمة حفيد البنا"
"أنا مسلم أوروبي وأوروبي مسلم"، هكذا عرف طارق رمضان نفسه عندما سُئل عن ما يقدمه من جهود للتصدي لمشاعر العداء المتنامية ضد المسلمين في بعض الدول الأوروبية. رمضان يقول أيضا إن الإسلام أصبح دينا أوروبيا وغربيا، لذا لابد من خطاب واضح فيما يخص مبادئ هذا الدين وأهداف المسلمين في المجتمعات الأوروبية. وبينما يؤكد رمضان على ضرورة الوضوح في شرح مبادئ الإسلام، يتهمه ألد خصومه بالغموض والتناقض والازدواجية في الخطاب، وهو أبرز انتقاد يوجه لطارق رمضان وصل لحد وصفه بالذئب المتنكر في هيئة خروف.
هذه الاتهامات غير نابعة من تصريحات ومواقف وانتماءات طارق رمضان فقط. فـ "تهمة" حفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ظلت ترافقه أينما حل وارتحل في فرنسا وكلما عبر عن مواقفه المصنفة في خانة الإسلام الحداثي المعتدل يتم تذكيره بأنه حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين رغم تأكيده أنه ليس عضوا فيها. كما تُربط به مواقف وتصريحات مقربين منه كأخيه هاني رمضان رئيس المركز الإسلامي في جنيف، الذي نَقل عنه موقع فرانس سوار الفرنسي تبنيه لمقولات من قبيل: "الجهاد كوسيلة للمقاومة" أو "النساء غير المحجبات يشبهن قطعة 2 يورو التي تنتقل من يد لأخرى".
شخصية مؤثرة في مسلمي أوروبا
ولد الأكاديمي والمفكر الإسلامي طارق رمضان في جنيف عام 1962 لوالدين مصريين هما وفاء البنا ابنة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا وسعيد رمضان الذي نُفي إلى سويسرا في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر. حصل طارق رمضان في سويسرا على بكالوريا فرنسية ثم على شهادة ماستر في الفلسفة والأدب الفرنسي وبعدها على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية العربية قبل أن ينتقل مع أسرته إلى القاهرة لمتابعة تكوين في الدراسات الإسلامية. تزوج منذ 30 عاما بفرنسية اعتنقت الإسلام وأنجب معها أربعة أطفال ويعيش حاليا في بريطانيا حيث يشتغل أستاذا للعلوم الإسلامية المعاصرة في جامعة أكسفورد المرموقة.
لرمضان تأثير وشعبية تجاوزا حدود فرنسا حيث اشتهر اسمه، لدرجة أن مجلة تايمز الأمريكية سبق أن صنفته ضمن الشخصيات المائة الأكثر تأثيرا في العالم لسنة 2004. كما سبق أن صنفته "فورين بوليسي" ضمن المفكرين المئة الأكثر تأثيرا في العالم.
يحرص رمضان، من حيث الشكل أيضا، على الظهور بوجه الإسلامي الحداثي البعيد عن الصور المنتشرة في أوروبا حول الإسلاميين. رجل بأناقة عصرية حليق اللحية يتعامل مع النساء بشكل لا يحمل الكثير من التحفظ لدرجة أن بعض الإسلاميين انتقدوا طريقة تعاطيه مع النساء معتبرين أنها تتجاوز المسموح به. ولطالما عبر رمضان عن رفضه قرار فرنسا منع الحجاب وبرر موقفه بأن الحجاب حرية فردية، وفي نفس الوقت يرى أن هناك تفسيرا ذكوريا لقضايا المرأة في الإسلام ويرفض تطبيق حدود الشريعة ويدعو للبحث في الجوهر.
نُشر لرمضان حوالي 30 مؤلف تركز بشكل أساسي على موقع الإسلام في المجتمعات الغربية. حسب موقع لوباريزيان الفرنسي فقد بدأ اسم طارق رمضان يشتهر في الساحة الإعلامية الفرنسية في منتصف التسعينات بعد النجاح الذي حققته محاضراته وشبكة علاقاته القوية في أوساط المسلمين من مختلف الأعمار، ولم يتأخر كثيرا في خلق الجدل وجلب اتهامات له بازدواجية الخطاب. لكنه يُعتبر أيضا شخصية ذات كاريزما قوية وإنسانا مثقفا يروج لإسلام أوروبي وللتوفيق بين الثقافات الغربية والشرقية.
اتهامات بمعاداة السامية والإرهاب
الانقسام بخصوص رمضان في المشهد السياسي الفرنسي تجلى بشكل أكبر بعد مقال له في العام 2003 انتقد فيه انحياز مثقفين وسياسيين يهود فرنسيين لإسرائيل. تصريحات كررها عندما واجهه بها نيكولا ساركوزي وزير الداخلية آنذاك خلال برنامج تلفزيوني. وهي التصريحات التي جلبت له انتقادات شرسة واتهامات بمعاداة السامية رفضها رمضان معتبرا أنه يمارس فقط حقه في انتقاد دولة إسرائيل. وطبقا لموقع BFM.TV فقد وقع سياسيون من اليسار من بينهم جون لوك ميلونشون ومانويل فالس عريضة في مجلة لونوفيل أوبسرفاتور للتنديد بهذه التصريحات بينما وقف سياسيون آخرون في صف الاكاديمي الإسلامي، كما فعل الخضر مثلا.
ولم تكن علاقة رمضان بالسلطات الفرنسية يوما ما على أفضل ما يرام. ففي عام 1995 مُنع من دخول البلاد لأسباب مرتبطة بالأمن وحماية النظام العام على خلفية اعتداءات إرهابية عرفتها فرنسا وقتها. وطبقا لما نقله موقع لوباريزيان أيضا فقد حاول رمضان خلال السنتين الماضيتين العودة لفرنسا وفتح مركز إسلامي خاص به. كما طلب الحصول على الجنسية الفرنسية لكن طلبه قوبل بالرفض.
كما أثار رمضان الجدل خارج فرنسا أيضا؛ ففي عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن مُنع من دخول الولايات المتحدة بعد أو وجهت له تهمة تمويل الإرهاب ورد عليها رمضان بأن الأمر يتعلق بتبرعات أرسلها لمنظمة فلسطينية. كما أنه منع من دخول عدة بلدان عربية بسبب مواقفه المنتقدة لأنظمتها.
هل تنهي تهم الاغتصاب مسيرة رمضان؟
سنة 2017 شكلت منعطفا مهما في حياة طارق رمضان إذ وجهت إليه اتهامات بالاغتصاب من قبل سيدتين مسلمتين وذلك في فندقين في فرنسا عامي 2009 و2012. الضحية المحتملة الأولى لا يُعرف عنها الكثير سوى أنها فرنسية اعتنقت الإسلام وتعاني من إعاقة. أما المرأة الثانية، التي سلطت عليها الأضواء فهي الناشطة النسوية العلمانية هند عياري، التي كانت في السابق سلفية. وهي فرنسية من أصل تونسي. بتاريخ 20 أكتوبر 2017 أعلنت عياري من خلال صفحتها على فيسبوك أنها كانت قبل سنوات ضحية فعل شنيع، ولم ترغب في الكشف عن هوية مرتكب هذا الفعل بسبب تهديدات تتلقاها من طرفه.
وفي كتابها "اخترت أن أكون حرة"، الذي صدر في نوفمبر 2016 عرفت هذا الشخص باسم "الزبير" مشيرة إلى لقاء جمعها بهذا المثقف الإسلامي في فندق بباريس حيث كان يلقي محاضرة. عياري تقول إنها تتعفف عن سرد أفعال هذا الشخص معها. هي اقتصرت على ذكر أنه استغل بشكر كبير ضعفها ولقيت منه الإهانة وسوء المعاملة عندما حاولت إيقافه. قبل أن تعلن بعد ذلك أن "الزبير" هو ببساطة طارق رمضان، وقررت أخيرا الإفصاح عن هويته بتشجيع من آلاف النساء اللواتي قررن كشف تعرضهن لاعتداءات ومضايقات جنسية في إطار الحملة الشهيرة #أنا_أيضا #me_too التي انتشرت في كل العالم على خلفية تفجر فضيحة هارفي واينستين في الولايات المتحدة الأمريكية.
متابعة تغطية الإعلام الفرنسي لقضية طارق رمضان لا تخلو من نبرة شماتة وتشف، حتى أن البعض يتهم وسائل الإعلام الفرنسية بشن حملة هوجاء على شخص لم يصدر بعد بحقه حكم قضائي. وذلك فقط بسبب مواقفهم المسبقة من توجهاته وانتماءاته.
"باحث في العلوم الإسلامية وكاتب مثير للجدل يدعي أنه يدافع عن إسلام حداثي لكنه يشجع أخطر جوانبه، الفئوية أو معاداة السامية. طارق رمضان أضاف مؤخرا صفة الرجل المتهم بالاغتصاب لهذه السيرة المعقدة". هذا هو التعريف الذي اختاره مثلا موقع "فرانس سوار" لطارق رمضان في مقال يتناول شخصية الأخير على ضوء الاتهامات الموجهة له.
وكما خلق رمضان في السابق انقساما بين السياسيين بسبب تصريحاته عن مثقفين يهود، فعل ذلك هذه المرة بين وسائل الإعلام الفرنسية. فموقع "ميديا بارت" الفرنسي جر على نفسه وابلا من الانتقادات والاتهامات بحماية المفكر الإسلامي بعد سلسلة تحقيقات نشرها الموقع حول رمضان وقضية الاغتصاب والتحرش. ونشرت مجلة شارلي إيبدو الساخرة رسما كاريكاتوريا يظهر فيه مدير موقع "ميديا بارت" ايدوي بلينيل، مع العنوان التالي "قضية رمضان، ميديا بارت يقول: لم نكن نعرف".
ووصل الأمر إلى حد توقيع 130 شخصية مقالا داعما لـ "ميديا بارت"، وجاء في المقال "يبدو أننا نواجه حملة سياسية بعيدة كل البعد عن الدفاع عن قضايا النساء بل تستخدم هذا الموضوع لفرض أجندة مليئة بالكراهية والخوف على بلادنا". واعتبر الموقعون أن الحملة ضد الموقع خطيرة لأنها تستهدف حرية التعبير. من جهته اتهم رئيس الحكومة السابق الاشتراكي مانويل فالس مدير الموقع بـ "التواطؤ" مع رمضان الذي كان الصحافي قد وصفه سابقا بـ "المفكر المحترم جدا".
سهام أشطو