طلاب إسرائيليون وفلسطينيون يعيشون جنبا إلى جنب في دوسلدورف
٣ مارس ٢٠١٣في المطبخ المشترك للسكن الجامعي في دوسلدورف تقف هافا قرب موقد الطبخ. زميلها محمد رجاها أن تطهو طبقا تقليديا على طريقة والدته. أن يلتقي الطلاب الأجانب ليتناولوا معا وجبات تقليدية من وطنهم فهذا ليس بجديد في حد ذاته. ولكن محمد هو شاب فلسطيني، بينما هافا هي طالبة إسرائيلية. هناك في الوطن لن يقفا جنبا إلى جنب في المطبخ. ولكن هذا الأمر ممكن في ألمانيا، رغم أنهما كانا يعتقدان عكس ذلك سابقا.
"أهم شيء بالنسبة لي هو أننا جميعا نعيش في مبنى واحد"، تقول هافا ذات الـ 23 عاما. أنهت هافا برنامج الماجستير لمدة عام في "الدراسات الأوروبية" في جامعة هاينريش هاينه في دوسلدورف. وتأمل هافا في أن تتمكن في وقت لاحق من الإسهام في نقل التعايش السلمي في الدول أوروبية إلى وطنها. وهذا بالضبط ما أتى بالطالبة الأردنية خزامى إلى دوسلدورف: "أردت أن أعرف المزيد من وجهات النظر حول النزاع في الشرق الأوسط، ولكن الهدف الأساسي هو أن أتعرّف على آراء الشباب الفلسطيني والإسرائيلي، لأنه ليس لدينا أي علاقة مباشرة وعميقة مع بعضنا هناك في وطننا"، كما تقول.
اكتشاف ثقافة الآخر
في سكن جامعي واحد يعيش ثلاثون طالبة وطالبا منخرطون في برنامج ماجستير في "الدراسات الأوروبية" في دوسلدورف، في كل طابق هناك 15 طالبا، واحتراما للمسلمين المحافظين جرى الفصل بين الشباب والفتيات. وهنا يزور الطلاب بعضهم البعض في كثير من الأحيان في غرفهم أو يلتقون في المطبخين المشتركين.
"عن طريق محمد تعرفت الآن على المأكولات والأغاني العربية"، تقول هافا معبرة عن سعادتها. أما هي فتقدم له شرحا عن السياسة الإسرائيلية وتعطيه دروسا في اللغة العبرية، وهو يزودها بالآراء السياسية للفلسطينيين. و تضيف الطالبة الإسرائيلية قائلة: "هكذا أتعرف على الجانب الآخر من الصراع، وهذا ما يعطيني الكثير حقا. عندما أعود إلى بلدي، سأنظر إلى النزاع بشكل مختلف ".
مناقشة مع احترام
عندما توترت الأوضاع مجددا بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، شعر الطلاب بالخوف والقلق على عائلاتهم هناك في وطنهم ولم تخلُ علاقتهم هنا من بعض التوتر. بعضهم نشر تعليقات على شبكة الإنترنت، مما سمعه من زملائه الطلبة من البلاد الأخرى.
"اختلفنا دون أن نرى بعضنا. كل واحد منا خلف حاسوبه الخاص في غرفته"، تقول خزامى (23 عاما)". ولكن بعد ذلك جلسنا معا وناقشنا المشكلة. نجحنا في تهدئة بعضنا ليصبح كل شيء على ما يرام. وتضيف زميلتها هافا بالقول: "لقد أدركوا جميعا بأن عليهم أن يتعاملوا مع بعضهم بحذر أكبر في وضع حساس كهذا ... عندما نناقش الموضوع يجب أن نبتعد عن مهاجمة الطرف الآخر".
أصدقاء رغم اختلاف وجهات النظر
بعد أكثر من أربعة أشهر من العيش المشترك، اكتشف طلاب "الدراسات الأوروبية" في دوسلدورف بأن آرائهم السياسية لا تتطابق دائما، ولكن يمكن رغم ذلك أن يكونوا أصدقاء. هافا ومحمد يذهبان للسباحة معا، وسافرا سوية إلى مدن مثل برلين ولوكسمبورغ، ويخططان للالتقاء بعد الدراسة في القدس. "أنا أعيش هناك"، يقول محمد "ووالدها يعمل هناك، لذلك لا توجد مشكلة".
يتعلمون في جامعة دوسلدورف كيف تسير السياسة الأوروبية ومؤسساتها. في الجامعة تراهم مشغولين جدا بالمواد الدراسية، بحيث لا يجدون أي وقت للحديث عن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين والأردنيين في منطقتهم، كما يؤكد غيدو كفيتش، المنسق العام لبرنامج ماجستير "الدراسات الأوروبية"، ثم يضيف: "نحن نراهم هنا في المقام الأول كطلاب عاديين وليس كسفراء لبلدانهم.
الدراسة بعيدا عن القوالب النمطية
ورغم ذلك يصف محمد (23 عاما) الأمر بأنه تحدٍ مثير، وخاصة عند معالجة قضية دراسية معينة في مجموعات صغيرة، تتكون كل منها من طالب إسرائيلي وآخر فلسطيني وثالث أردني. "كل واحد له حرية التعبير عن رأيه واقتراح طريقة العمل. هذا شيء جديد تماما بالنسبة لي. إنها تجربة جيدة".
زميلته خزامى المنحدرة من الأردن تشعر هي الأخرى بأنها استفادت كثيرا من إقامتها في دوسلدورف، وتؤكد أن جميع الطلاب القادمون من الشرق الأوسط تطوروا خلال الأشهر الأربعة الماضية. "عندما جئنا إلى هنا لم يكن في مخيلتنا سوى تلك الصور النمطية عن بعضنا البعض، والآن عليّ أن أعترف بأن وجهات نظرنا قد تغيرت".