ظلال عودة ترامب المحتملة تخيم على قمة الناتو في واشنطن
٨ يوليو ٢٠٢٤يخيم ظل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المرشح لولاية ثانية في البيت الأبيض على قمة يعقدها حلف شمال الأطلسي من الثلاثاء (الثامن من يوليو / تموز 2024) إلى الخميس في واشنطن، رغم عدم مشاركته فيها. ويأتي ذلك خصوصا بعدما اتخذت حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر / تشرين الثاني 2024 منعطفا مختلفا بالكامل بعد أداء جو بايدن الفاشل في مناظرته التلفزيونية مع خصمه الجمهوري، ما أدى إلى ترنح ترشيح الرئيس الديمقراطي البالغ من العمر 81 عاما، ما أدى إلى تقدم ترامب في استطلاعات الرأي قبل انتخابات الخامس من نوفمبر / تشرين الثاني 2024 التي قد تقلب السياسة الخارجية لواشنطن رأسا على عقب.
ترامب: الغائب الحاضر
وتثير عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض -وهو الذي وصف في الماضي حلف شمال الأطلسي بأنه منظمة "عفا عليها الزمن"- قلقا في بروكسل وفي الكثير من العواصم الأوروبية. وقال إيان ليسر من "صندوق مارشال الألماني" للأبحاث في الولايات المتحدة: "لا شك أن النتيجة المحتملة للانتخابات الأمريكية ستكون في أذهان الجميع". وأضاف "لكن الأمر لا يقتصر على الانتخابات الأمريكية فقط، فهناك اليوم تزامن استثنائي لعدم يقين سياسي على جانبي الأطلسي". من جهته قال دبلوماسي من الحلف رافضا الكشف عن اسمه إن "القمة ستتأثر بشدة بشخصيتين ستغيبان عن واشنطن: المرشح ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وفي مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس قبل فترة قصيرة حاول الأمين العام لحلف شمال الأطلسي -المنتهية ولايته ينس ستولتنبِرغ- الطمأنة متوقعا أن "تبقى الولايات المتحدة حليفا قويا لحلف شمال الأطلسي مهما كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية، لأن ذلك يصب في مصلحتها".
ويواجه زعماء الحلف أيضا حالة من عدم اليقين السياسي في أوروبا بعد المكاسب التي حققتها أحزاب اليسار واليمين المتطرف في فرنسا، وتراجع قوة ائتلاف المستشار الألماني أولاف شولتس عقب الأداء الهزيل في انتخابات البرلمان الأوروبي.
لكن السؤال حول مدى تأثير ولاية جديدة لترامب في حال فوزه في نوفمبر / تشرين الثاني 2024 على التكتل يبقى مطروحا بقوة، سواء في ما يتعلق باستمرارية الدعم الأمريكي لأوكرانيا -وهي مسألة يبقى الرئيس السابق غير واضح بشأنها- أو في ما يتعلق بمستقبل التحالف العسكري الغربي الذي يحتفل بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه.
وخلال ولايته الأولى (2017-2021) كانت لدى ترامب خلافات مع حلفائه الأوروبيين، منددا بواقع أن الولايات المتحدة تتحمل وحدها العبء. وشدد ترامب منذ ذلك الحين لهجته الحادة، وأثار جدلا بقوله إنه سيشجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على "فعل ما يريد" إذا لم تحترم إحدى دول الحلف التزاماتها المالية حيال التكتل. وهذا يعد بمثابة انتهاك للمادة الخامسة الأهم في معاهدة حلف شمال الأطلسي والتي تنص على أن الهجوم على أحد أعضاء الحلف يعد هجوما على كل الحلفاء.
وتقر الدول الأوروبية الاعضاء في الحلف بأنها لن تتمكن من سد الفراغ الذي قد تتركه واشنطن بانسحابها من الحلف العسكري الغربي. وقال دبلوماسي أوروبي، "ستكون نهاية حلف شمال الأطلسي اذا انسحبت الولايات المتحدة وستكون نهاية الردع". لكن الكثير منهم يعتقد أن الحلف قادر على تجاوز تداعيات ولاية جديدة لترامب في البيت الأبيض، ومن هنا بنظرهم ضرورة تطوير الدفاع الأوروبي.
يثير احتمالي عودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة قلق دول عديدة عضوة في حلف شمال الأطلسي البالغ عددها 32 دولة، نظرا لانتقاداته المتكررة للحلف حينما كان في السلطة أو خارجها، وأشار ترامب إلى أنه لن يدافع عن أعضاء حلف شمال الأطلسي الذين لم يحققوا هدف الإنفاق العسكري للحلف وهو اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لكل عضو إذا تعرضوا لهجوم عسكري، واعترض أيضا على حجم المساعدات المقدمة لأوكرانيا. وعلى الرغم من المخاوف أشار بعض الدبلوماسيين إلى أن أربع سنوات من رئاسة ترامب في الفترة من 2017 إلى 2021 لم تَعنِ نهاية حلف شمال الأطلسي.
مارك روته "الرجل الذي يهمس في أذن ترامب"
أعطت الدول الأوروبية دفعة قوية لإنفاقها العسكري. ومن المرتقب أن تسلط قمة حلف شمال الاطلسي أيضا الضوء هذه السنة على واقع أن 23 من الدول الأعضاء الـ32 ستخصص 2% من إجمالي الناتج الداخلي فيها للنفقات العسكرية. وقد يكون الحلفاء يملكون ورقة رابحة أخرى وهي تسليم رئاسة التكتل إلى رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته، الذي سيحل محل ينس ستولتنبرغ في أكتوبر / تشرين الأول 2024 بعدما أُطلقت عليه تسمية "الرجل الذي يهمس في أذن ترامب" - فقد لعب هذا الرجل دورا رئيسيا في تهدئة ترامب خلال قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل في 2018.
وخلال قمة واشنطن سيحاول الحلفاء تحصين وضعهم عبر "إضفاء الطابع المؤسسي" على جزء من المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، وسيتولى حلف شمال الأطلسي تدريجا تنسيق هذه المساعدة، وهي طريقة لحماية نفسه من المخاطر السياسية على جانبي الأطلسي، كما قال دبلوماسيون. وقالت رايتشل ريزو من المجلس الأطلسي وهو مركز أبحاث، إن ما من خطر يحدق بالتكتل. وأضافت "ما أقوله للأوروبيين طوال الوقت هو أن يتوقفوا عن الذعر بشأن ترامب". وأوضحت "لقد فعلتم ذلك لمدة أربع سنوات، وفي الواقع لم يكن الأمر سيئا جدا بالنسبة لأوروبا". ويشير البعض أيضا إلى أن مراعاة دونالد ترامب بشكل دائم "تؤدي إلى إبقائه راضيا" بحسب قول دبلوماسي أوروبي آخر.
ع.م/خ.س (أ ف ب، رويترز)