عربيات يحتضن أطفالاً بالتبني رغم التحديات
١٤ سبتمبر ٢٠٢٠في ظل تغييرات عالمية "قاسية" تعيشها البشرية على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ومع الظروف البيئية المرعبة التي "تُوّجت" مع فيروس كورونا تضيّق مساحات العيش. وعلى ضوء ذلك ترتفع أصوات شبابية عربية رافضة لفكرة إنجاب المزيد من الأطفال إلى هذا العالم، وترتكز هذه الأصوات على قلق شرعي حول مصير الأطفال في عالم يزداد المجهول به ثقلاً، كما أن العالم كي يصبح "أفضل" يحتاج إلى تحديد ما للنسل.
لكن من جهة أخرى، هنالك من يطرح سؤال لما الإنجاب والعالم مليء بأطفال بلا أهالي ولا عائلات وتحتاج لبيوت دافئة؟ وهو سؤال يُوجه عادة لمن لديهم رغبة بتكوين أسرّ مع أولاد وبنات.
يأخذني هذا إلى تبني الأطفال، أو احتضان وكفالة الأطفال، وفي هذا التقرير، لم أناقش الاختلاف بقدر ما أردت أن القي الضوء على قصص عائلات عربية وتحديدا على أمهات تبنّت أو احتضنت أطفالاً في بلاد متنوعة، وعلى التحديات الشخصية والعائلية والمجتمعية وعلى المخاوف أيضاً، في سياق لا نسمع فيه قصص كثيرة عن التبني وقلما نسمع عنها قصصاً إيجابية للأسف.
ردود تنبع من جهل حول التبني
بالنسبة لهناء عموري، (فلسطينية، 37 عاماً)، تبنّت وهي وزوجها طفلاً، وقد اتخذا القرار حسب تعبريها، بعدما "سلما بقرار أنهما لن يخوضا علاجات لإنجاب طفل".
لكن مع قرار التبني، جاءت الأسئلة والمخاوف الذاتية، عن هذا تقول هناء: "كان خوفي أن يقترحوا لي طفلاً عليّ أن أنزعه من أمّه، وهذا كان مرفوض بالنسبة لي حتى لو كانت أسوأ أم في العالم".
أما عن ردود فعل المجتمع، فترى هناء أنّ أغلبها ينبع من جهل وعدم معرفة بالتبني، كسؤال: "من وين جبتيه؟"، وتتابع: "بالإضافة إلى أسئلة فضولية مثل هل أعرف أمّه؟ ما هي قصّته؟ بالإضافة إلى ردود أفعال تأتي ممن لمست لديه جاهزية للتبني، وهي غالباً أسئلة حول المستقبل، مربوطة لربما بفضول الطفل أن يعرف أمّه البيولوجية أو أن يتعرّف عليها، فمثلاً سؤال: إذا تعرّف عليها وأحبها أكثر مني؟ فأجيب لو أنا أمّ سيئة لدرجة أن يحب ابني امرأة لا يعرفها أكثر مني، فأنا أستحق ذلك… لكنه ما زال صغيراً، لربما ستكون هنالك تحديات أكبر بالمدرسة".
"كيف سأحكي له بأني لست والدته البيولوجية؟"
سميرة (اسم مستعار، أردنية، 45 عاماً)، تحدثت عن أن مسألة احتضان طفل لم تكن مقبولة كثيراً في الأردن قبل سنوات كثيرة، وبعد مرور 20 سنة على زواجهما، شعرت أنها ترغب بطفل يعطيها محفزاً يومياً للحياة. بالبداية، أراد الزوجان أن يتبنيا طفلاً في كندا، لأن كلاهما يحمل جنسية كندية، لكنها خافت من أن تجد طفلاً لأم مع خلفيات صعبة ، ويؤثر ذلك على الطفل في المدى البعيد، وعندما عادا الزوجان إلى الأردن، فحصا مسألة الاحتضان وبدأ بمسار كان سريعاً نوعاً ما، حسب تعبيرها، وحصلا على حضانة طفل.
ترى سميرة أن التحديات ستأتي بالمستقبل. وتضيف: "كيف سأحكي له أني لست والدته البيولوجية؟ كيف سيتقبل هذه الحقيقة؟ هل سيحتفظ بالسرّ أم سيحكي عنه علناً بكل فخر؟".
وتتابع: "لم يأخذ ابني اسمي أو اسم زوجي، لأنه ليس تبني إنما احتضان. لكني أريد أن أجهز نفسي من اليوم لسرد القصة له، بطريقة يفهمها ولا تؤذيه. مسألة الاحتضان غير التبني الممنوع في الإسلام، لأن الطفل عندما يكبر أكون حرمة بالنسبة له، وبالتالي كان عليّ أن آخذ هرمونات كي أرضعه، وعندها أصبح ابني بالرضاعة، وبالتالي لن يجرؤ أحد أن يقول لي لماذا أحضنه أو أقبّله عندما يكبر".
لكن المسألة الوحيدة التي تشغل سميرة كثيراً اليوم هي عدم إمكانية منح الطفل الجنسية الكندية، لأن الاحتضان يختلف عن التبني، فلا يمكنها منح اسمها أو اسم زوجها للطفل حسب الشريعة الإسلامية، وبالتالي السلطات الكندية تحتاج لإثبات نسب. وتضيف: "لكني أحارب، آملة أن أعطيه جنسية كندية تحميه بالمستقبل ويجد مكاناً آخر ليعيش فيه، لأني أتوقع أن مجتمعنا لن يرحمه من التنمّر".
"نظرة المجتمع لأي شخص مختلف هي مسيئة"
أما يمنى عبد العزيز دحروج (36 عاماً، مصرية ومقيمة في الإمارات)، فهي صاحبة ومؤسسة مبادرة "الاحتضان في مصر" وأمّ كافلة لابنتها. كانت قد بدأت المبادرة من خلال فيديوهات قصيرة عبر صفحتها الشخصية، توضّح ماهية الكفالة، والفرق بينها وبين التبني، ومع الوقت، توسّعت الفكرة إلى مبادرة حاضنة لعائلات كثيرة كافلة لأطفال في مصر.
عن هذا تقول يمنى: "هنالك تغييرات كثيرة حصلت في السنوات الأخيرة، كما أن وزارة التضامن الاجتماعي قادرة على أن تتفهم بأن المجتمع المصري يحتاج إلى الكفالة، وأن هنالك أولاد وبنات محتاجون لعائلات تكفلهم، لكن كل شيء يحتاج إلى وقت وقوانين، ونحن بدأنا وقمنا بخطوات مهمّة".
وتتابع: "هدفي أن يكون للأولاد بيوتاً دافئة ومجتمعاً يتقبلهم. أنا ابنتي منهم، مهم لي أن تعيش في مجتمع عندما تقول فيه أن أسرتي كافلة لي، أن يحترمها الناس. وهذا لن يحصل بيوم وليلة، إنما خلال سنوات وعن طريقنا نحن العائلات الكافلة. بالماضي لم يخرج أحد ليقول أن ابنته مكفولة، اليوم هنالك عائلات كثيرة قادرة أن تقول هذا بصوتٍ عالٍ".
استمراراً للحديث عن المجتمع، وردود أفعاله تجاه الكفالة، تقول يُمنى: "ردود الأفعال اليوم نابعة عن غياب الوعي وغياب المعرفة بأن الكفالة هي شيء جميل. الأمر الثاني هو أن المجتمع يعتبر دائماً أن الأطفال المكفولين قد وُلدوا بطريقة غير شرعية، وأنهم "أولاد حرام"، كما أن الأسر كانت تخاف من وصمة العار الموجهة لها إن عُرف بكفالتها لطفل، فالمجتمع سيتنمّر عليهم على أنهم فاقدين لشيء ما".
وتتابع: "نظرة المجتمع لأي شخص مختلف هي مسيئة وغير عادلة، مجتمعنا العربي يعتبر المرأة غير المتزوجة، حتى لو وصلت لأعلى مراتب النجاح، بأنها ناقصة. لمجتمعاتنا مقاييس نجاح ما لو لم تصلين لها فأنتِ "غير طبيعية". بالعودة إلى مسألة الكفالة، هنالك أيضاً لوم على وسائل الإعلام عموماً ، لأنها لم تقّدم من خلال المسلسلات نموذجاً جيداً عن الكفالة، كل ما قدّموه كان سيئاً. وبالتالي، كيف سيتعامل المجتمع بشكل إيجابي مع الأطفال المكفولين إن لم يتغيّر كل هذا؟ وإن لم يرى نماذج تفيد بأن لا فرق بين ابنتي وبين طفلة وُلدت من رحم أمها".
رشا حلوة