علاء الأسواني: هل يعود القانون من الأجازة..؟!
٥ يونيو ٢٠١٨بالأمس اشتكت مواطنة مصرية على فيس بوك من أن جارتها في الشقة المقابلة تلقي أكياس القمامة في الطرقة بدلا من أن تضعها في المكان المخصص لها في مدخل العمارة، الأمر الذي أدى إلى تكاثر الحشرات وانبعاث الروائح الكريهة بالإضافة إلى القطط التي تقلب أكياس القمامة، فتتناثر القاذورات. تكلمت الشاكية مع جارتها مرارا لكنها استمرت في إخراج القمامة بنفس الطريقة، طلبت الشاكية من متابعي صفحتها أن يقترحوا عليها كيف تتصرف مع جارتها.
من بين عشرين اقتراحا تقدم بها متابعو الصفحة، كان هناك اقتراحان فقط بأن تلجأ الشاكية إلى قسم الشرطة أو إدارة الحي. أما أغلبية الاقتراحات فكانت أفكارا عقابية عنيفة فقد اقترح متابع أن تلطخ بالقمامة باب الجارة واقترحت متابعة أن تلطخ باب الجارة بالقطران واقترحت متابعة أخرى رش رائحة كريهة على شقة الجارة، أما الأعنف فكان اقتراحا من متابعة نصحت فيه الشاكية بإغراق أكياس القمامة بالبنزين ثم احراقها يوميا أمام شقة الجارة.
هذه الواقعة على فيس بوك تدل أولا على أن المصريين لا يثقون في قدرة السلطات (أو رغبتها) في تنفيذ القانون كما تدل على انتشار العنف في حياتنا اليومية.. هذا العنف الزائد يتجلى في سلوكنا الاجتماعي حتى في طريقة قيادتنا للسيارات التي لم تعد فنا ولا ذوقا ولا أخلاقا، وإنما أصبحت تعتمد على فرض الأمر الواقع والبلطجة.
القيادة عندنا معناها أن تنتزع لنفسك مكانا وسط السيارات وتتجاوزها بغض النظر عن القواعد و إشارات المرور. في العالم كله عندما يقوم قائد السيارة بتشغيل إشارة جانبية يفهم السائقون خلفه أنه على وشك الدوران فيبتعدون عنه. أما في مصر فما أن يرى السائقون الإشارة الجانبية حتى ينقضوا عليك ليتمكنوا من تجاوز سيارتك قبل أن تبدأ الدوران.
إن سلوك المصريين الآن أعنف من أي وقت مضى والسؤال هنا: هل ينشأ سلوكنا فقط من تربيتنا وقيمنا الأخلاقية أم تمليه الظروف الاجتماعية التي نعيش فيها..؟ تربيتنا الأخلاقية بلا شك تشكل سلوكنا لكن الظروف الاجتماعية قادرة على إخراج أفضل أو أسوأ ما لدينا من تصرفات.
كلنا نذكر تلك الحالة من التسامح والتهذيب التي سادت مصر بعد انتصار ثورة يناير والإطاحة بمبارك، عندئذ نزل عشرات الألوف من الشباب في كل أنحاء مصر ليكنسوا ويغسلوا الشوارع بأنفسهم ويعيدوا طلاء الأرصفة على نفقتهم. كانت رسالتهم: إننا لم نكن نهتم بنظافة مصر لأننا لم نشعر قط أنها بلدنا، أما الآن بعدما استعدناها من الديكتاتور فسنكون أحرص الناس على نظافتها.
إن تحقق العدالة يمنحنا الاطمئنان ويدفعنا للتعامل مع الآخرين بطريقة إيجابية مهذبة. العدالة في مصر الآن غائبة. النظام الحالي لا يسمح بأي وجهة نظر مختلفة وكل من يوجه نقدا للسيسي يتم القبض عليه ويحاكم بتهم وهمية مطاطة مثل إشاعة أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة محظورة. هكذا حدث مع حازم عبد العظيم وشادي الغزالي حرب ووائل عباس وآلاف المعارضين السلميين.
نظام السيسي يعتبر المعارضين جميعا خونة وعملاء هدفهم إسقاط الدولة والسيسي نفسه يضيق بأي وجهة نظر مختلفة لأنه يؤمن، كما قال، بأن الله قد خلقه قادرا على فهم أسباب أي مشكلة في الدنيا والتوصل فورا إلى الحل المناسب.
منذ أن استولى العسكريون على حكم مصر في عام 1952 و"القانون في أجازة" كما قال مرة أحد الضباط الأحرار. القانون لا يطبق على الجميع في مصر، وإنما يتم استعماله ضد أشخاص دون غيرهم وفقا لهوى النظام. كلنا نذكر المذيع التابع للأمن الذي صدر ضده حكم نهائي بالحبس ومع ذلك سافر مع السيسي إلى ألمانيا، فلم يوقفه أحد في المطار لينفذ الحكم بينما يتم ايقاف معارضي السيسي ومضايقتهم عقابا لهم على عدم انبهارهم بعبقرية الزعيم الملهم. الرئيس السيسي أول من خالف القانون، فلم يقدم حتى الآن مثلا إقرار الذمة المالية كما ينص الدستور. كل إجراءات القبض على المعارضين للسيسي مخالفة للقانون والدستور لكن من يجرؤ على الاعتراض وماذا يجدى الاعتراض على نظام يجمع في يده السلطات جميعا ويمارس ضد الناس قمعا هو قطعا الأسوأ في تاريخ مصر الحديث.
كل هذا الظلم تتم تغطيته بكمية هائلة من الأكاذيب تبثها آلة دعائية جبارة ينفق عليها النظام مليارات الجنيهات من أجل تجميل وجهه القمعي ولكن مهما تم إلهاء المصريين بالمسلسلات التليفزيونية التافهة والبرامج السياسية المضللة وكرة القدم فإنهم لا يمكن أن ينسوا معاناتهم اليومية. إن ملايين الفقراء في مصر قد أصبحت حياتهم الصعبة مستحيلة بسبب الغلاء وهم صامتون فقط لأن قبضة النظام تتربص بهم لتسحقهم عند أدنى اعتراض كما حدث للمعترضين على غلاء تذكرة المترو.
معظم المصريين يشعرون بالعجز والإحباط ويعلمون أن القانون غائب وأنهم بلا قيمة ولا حقوق في نظر النظام وبالتالي فهم يسعون لانتزاع حقوقهم بأيديهم ما استطاعوا وهم يفرغون طاقتهم العدوانية في بعضهم البعض بدلا من التمسك بحقهم المشروع في الاحتجاج السلمي.
الصورة فعلا قاتمة في بلادنا لكنها لا يجب أن تدفعنا لليأس. إن التاريخ يعلمنا أن الثورة ليست مباراة كرة قدم من 90 دقيقة لكنها مرحلة طويلة تحفل بالانجازات والانكسارات والمؤكد أن الثورة إذا حدثت لابد أن تستمر لأن كل شيء في المجتمع يتغير ولا يعود أبدا كما كان. الثورة قد تتعثر وقد تتأخر نتائجها لكنها أبدا لا تنهزم. الثورة مستمرة وستنتصر حتما ولو بعد حين.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.