1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني:..أنت المسؤول عن هذا القمع ..

علاء الأسواني
٢٨ أغسطس ٢٠١٨

يقول علاء الأسواني إن نظام السيسي يواصل قمع معارضيه. ويناقش الكاتب هذا الموضوع في مقاله* لـDW عربية.

https://p.dw.com/p/33sfV
Kolumnisten Al-Aswani
صورة من: Imago/El Mundo

هذه حادثة تحتاج إلى تأمل..                                          

عندما رفعت الحكومة قيمة تذاكر المترو استقبل الشعب القرار بغضب لأن المترو وسيلة المواصلات الرئيسية لملايين المصريين ورفع قيمة التذكرة يضع المواطن المصري في ضغط شديد، لأنه لا يستطيع أن يستغنى هو وأولاده عن المترو وفي نفس الوقت فان الغلاء قد شمل كل شيء بدءا من الكهرباء وحتى الضرائب، بينما المرتبات لم تزد بنفس المعدل أضف إلى ذلك تدهور القوة الشرائية للجنيه بعد تعويمه.

في اليوم الأول لرفع قيمة التذاكر تجمع آلاف المصريين في محطات المترو وراحوا يهتفون ضد السيسي بل ورفع بعض الشباب لافتات تندد بزيادة سعر التذاكر. بعد ساعات من الاحتجاج بدأت السلطة في قمع المحتجين ولأن أعدادهم كبيرة فقد اعتقل رجال الأمن بعضهم ليكونوا عبرة للآخرين . في كل الحركات الاحتجاجية في الدنيا اذا حاول رجال الأمن اعتقال أحد المحتجين فان بقية المحتجين يستبسلون دفاعا عنه لكن ماحدث في محطات المترو كان غريبا فقد تخلى المحتجون عن رفاقهم وتركوهم في قبضة الأمن بل ان بعض المحتجين ركضوا بعيدا خوفا من الاعتقال. انتصرت السلطة وقمعت مظاهرات المترو وتم فرض زيادة أسعار التذاكر على الشعب أما المعتقلون فقد تم تلفيق التهم المعتادة لهم بدءا من تكدير السلم الاجتماعي وحتى الانضمام لجماعة ارهابية وكثيرون منهم معتقلون حتى الآن. كلما رأيت الفيديو الذى يصور هذه الواقعة يلح على السؤال:

لماذا تخلى المحتجون عن زملائهم الذين تم اعتقالهم ولم يدافعوا عنهم؟. اجابة السؤال قد تفسر  أيضا سلوك الشعب المصري ازاء القمع الوحشي الذى يمارسه نظام السيسي. كل يوم يعتقل النظام دفعة جديدة من المدافعين عن الحرية ويلفق لهم قضايا تبقيهم في السجن سنوات. الأسماء كثيرة: وائل عباس وشادى أبو زيد وهشام جنينة وعبد المنعم ابوالفتوح وحازم عبد العظيم ومحمد اكسجين وشادي الغزالي وعلاء عبد الفتاح ومحمد عادل وأحمد دومة وغيرهم كثيرون.

آخر دفعة من المعتقلين دفاعا عن الحرية تضم شيخا جليلا شجاعا هو السفير معصوم مرزوق وشخصيات وطنية عظيمة مثل الدكتور يحيى القزاز ورائد سلامة ونرمين حسين وآخرين..

هؤلاء المعتقلون أنبل وأشجع من في مصر وكل واحد فيهم كان أمامه بالتأكيد اختيارات في الحياة أفضل بكثير من السجن. المتقدمون في السن كان بامكانهم قضاء شيخوخة هادئة سعيدة بعيدا عن المشاكل والشباب كان بامكانهم الاهتمام بمستقبلهم الشخصي والهجرة من مصر ليبدؤوا حياة جديدة. لكنهم جميعا اختاروا الدفاع عن الحق. كانوا يعلمون صعوبة الطريق الذي اختاروه والثمن الباهظ الذي سيدفعونه لمواقفهم لكنهم لم يترددوا وضحوا بحريتهم للدفاع عن حرية المصريين.

هنا يتكرر السؤال: لماذا لم يعترض معظم المصريين على اعتقال المدافعين عن الحرية ؟! .

الفكر اليساري الذي أنتمي اليه اعتاد على تقديس الشعب واعتباره القائد والمعلم وصانع التاريخ. أتفق مع كل ذلك لكن علينا أن نرى شعبنا كما هو وليس كما نحب أن يكون، واذا كنا نحترم الشعب فعلا فان واجبنا أن نواجهه بعيوبه تماما كما نشيد دائما بمزاياه. لماذا لا يحتج المصريون على قمع السلطة ولماذا يخذلون من يدافعون عن حقوقهم؟

ثمة إجابة تعزو سكوت الشعب إلى ضراوة الحملات الاعلامية التي شوهت المعارضين للسيسي مما جعل كثيرين يصدقون انهم عملاء وخونة. قد يكون هذا صحيحا لكن نفس الحملات الاعلامية فشلت في اقناع الشعب بتقبل الغلاء، كما أنه لم تكن هناك أي حملات اعلامية ضد المعتقلين في محطات المترو لكن زملائهم المحتجين تخلوا عنهم بسهولة وتركوهم يعتقلون ولم يفعلوا شيئا للتضامن معهم. اذا التقيت بأي شخص في مصر هذه الأيام فانه غالبا ما يشكو إليك من صعوبة المعيشة وغلاء الأسعار ثم يوجه نقدا شديدا لنظام السيسي لكنه عندما يرى شبانا نبلاء وشجعان وشخصيات مرموقة محترمة يتم القاؤهم في السجون لأنهم يدافعون عن حقوقه ستجده يلزم الصمت ولا يتضامن معهم.

ان التضامن مع معتقلي الرأي هو الذي يحمينا من بطش السلطة وعندما وصل التضامن الشعبي إلى ذروته غير التاريخ في أوقات سابقة بدءا من ثورة1919 التي قامت أصلا تضامنا مع سعد زغلول ورفاقه وصولا إلى ثورة يناير التى أجبرت مبارك على التنحي وأجبرت المجلس العسكري على محاكمته. التضامن الشعبي هو الذى أجبر المجلس العسكري على الاعتذار علنا عندما قمع الثوريين لأول مرة في مارس 2011 . بعد ذلك كان القمع يزداد ضراوة كلما قل التضامن الشعبي مع ضحايا القمع. من الطبيعي أن يمارس نظام السيسي كل هذا القمع ضد المعارضين لأنه يحمي مصالح طبقة معينة تحتكر السلطة والثروة بينما ملايين المصريين غارقون في البؤس. من الطبيعي ايضا أن يدافع المستفيدون من نظام السيسي عنه لأن أي تغيير في طبيعة السلطة سينتقص من امتيازاتهم وربما يؤدي إلى محاكمتهم واسترداد الأموال التي نهبوها من الشعب. أما غير الطبيعي فهو ذلك السكوت الغريب من مصريين كثيرين برغم معاناتهم الشديدة وادراكهم لمدى الظلم الذى يتعرضون له.

عزيزي المواطن الذي يعتبر الخضوع للسلطة الظالمة قمة الحكمة..عندما تنازلت عن حريتك من أجل لقمة العيش خسرت الحرية ولقمة العيش معا. أنت المسؤول بسكوتك عن هذا القمع. سكوتك لن ينجيك لأن القمع الذي أصاب الآخرين سيصيبك حتما إن لم يكن اليوم فغدا. تضامن مع الذين يدافعون عنك وطالب بحقك في الحرية والحياة الكريمة. هذا هو الطريق الوحيد للمستقبل.

  الديمقراطية هي الحل 

[email protected]

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد