عماد الدين حسين: الإخوان لا يحق لهم الحديث عن الشفافية!
٣٠ مارس ٢٠١٧منذ عشرات السنين و"جماعة الإخوان المسلمين" تهاجم الحكومات المصرية المختلفة، وتتهمها بعدم الشفافية. لكن المفاجأة أن الجماعة نفسها لا تملك الحد الأدنى من الشفافية سواء مع خصومها ومعارضيها، أو حتى مع أعضاءها وأنصارها .
من حق كل معارضي الحكومة الحالية،وكل الحكومات التي حكمتنا لعقود، أن يتهموها بعدم الشفافية، واتهامات أخرى كثيرة معظمها صحيح، لكن ظني الشخصي أنه لا يحق لجماعة الإخوان ذلك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والأمر يشبه "الشيطان حينما يعظ!".
حينما تطالب خصمك أو منافسك أو عدوك بالشفافية، فعليك أن تقدم أنت نموذجا لذلك أولاً. وسائل إعلام جماعة الإخوان، خصوصا الفضائيات التي تبث من خارج مصر تكيل الاتهامات ليل نهار للحكومة المصرية بعدم الشفافية، لكن أتمنى أن يتجرأ أحد من نجوم ومقدمي البرامج في هذه الفضائيات، ويسأل الجماعة بعض الأسئلة المحددة عن أفكارها الحقيقية وبرنامجها التفصيلي والأهم ميزانيتها الفعلية، وقبل ذلك وبعده حقيقة حجم عضويتها!
لا أناقش أو أحاجج في حق الجماعة في انتقاد الحكومة في أي ملف، لكن فيما يتعلق بموضوع الشفافية، فالأمر يصبح كوميدياً، حينما يأتي من جماعة الإخوان!
من المفارقات أن هذه الجماعة حكمت مصر لمدة عام، وسيطرت على البرلمان بمجلسيه "الشعب والشورى"، وكذلك على الحكومة والرئاسة، والعديد من النقابات والمؤسسات الأهلية والخاصة، ورغم كل ذلك لم نعلم بالضبط نحن الشعب من هي هذه الجماعة وما هي حقيقة أموالها وما هي حقيقة أفكارها، بل وحتى أسماء أعضاءها وعددهم، شأن ما يحدث مع أي جماعة أو حزب تحكم أي بلد!
الآن هناك خلافات داخل الجماعة بشأن ملفات كثيرة من بينها الشفافية، على خلفية الانقسام بشأن فكرة المراجعات، وقرأنا قبل أيام تقارير عن رغبة بعض الإخوان في إجراء مراجعات عاجلة، لتصحيح المسار، لكن ذلك اصطدم مع تيار قوى لا يرى أي ضرورة للشفافية ويطالب الأعضاء بتقبل أي قرارات يصدرها مكتب الإرشاد.
أنصار الجماعة، لا يعرفون حجم ميزانية جماعتهم. هم يدفعون الاشتراك السنوي سواء كان 5 أو 7 بالمائة من دخولهم الشهرية،كما تتلقى الجماعة تبرعات ومساعدات كثيرة من حكومات ومؤسسات وأفراد لا تعلن عنها للجميع أو حتى لأعضائها. وهذه الأموال يتم ضخها في شركات، لا يعرف الأعضاء من يديرها، أو كيف يديرها، وهل تكسب أم تخسر؟
قبل حوالي عامين نشر نائب مرشد الجماعة السابق دكتور محمد حبيب مذكراته في جريدة الشروق، ومن بين ما ذكره، انه لم يكن يعلم حقيقة ميزانية الجماعة التي كانت حكراً على المجموعة الضيقة حول نائب المرشد خيرت الشاطر أو "الرجل القوي!!!".
وقبل أسابيع قليلة تواترت تقارير متعددة عن خلافات حادة داخل الجماعة على خلفية ضياع مبلغ كبير قيل إنه يصل إلى نصف مليار دولار، أعطته الجماعة لرجل أعمال يمني لاستثماره، لكن الرجل ومعه المبلغ اختفى بطريقة مريبة.
إذا كان هذا هو وضع الجماعة المالي، فكيف تتجرأ الجماعة وتطالب الحكومة بالشفافية المالية؟!!
عام 2011 سمعت مسؤولاً بارزاً يقدر ميزانية الجماعة واستثماراتها بحوالي 60 مليار دولار. ولا أعرف مدى دقة ذلك، خصوصاً أن أموال الإخوان متداخلة في مشروعات عجيبة غريبة، وفيها خلط واضح بين العام والخاص، لدرجة أن البعض يقول إن الجماعة تستثمر بعض أموالها مع رجال أعمال مسيحيين كستار لعدم التحفظ عليها!!
من حق أي حزب أو قوة معارضة أن تنتقد الحكومة بسبب غياب المعلومات والبيانات، وهو اتهام صحيح أيضاً، لكن لا يحق للجماعة أن تفعل ذلك!!
كل المصريين وغالبية أعضاء الجماعة لا يعرفون حجم عضويتا، ومن هو العضو الواضح المعلن ودوره، ومن هو العضو السري أو المتعاطف والمحب، الذي لا يعرف بحقيقة عضويته إلا قلة قليلة في الجماعة، وينضوي تحت عباءة لا نعرف حجمها اسمها "الخلايا النائمة"!.
لا توجد كشوف عضوية معلنة ومنشورة للجماعة، وعرفنا بعضا منهم بعد تشكيل حزب "الحرية والعدالة"، الذي تم حله لاحقاً بعد ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013، ولا أعرف كيف لجماعة حكمت بلداً مثل مصر ألا تعلن كشوف أعضاءها الفعليين وأسماءهم ووظائفهم وكل ما يتعلق بهم؟!!
تتحجج الجماعة بأنها تخفى بياناتها وأموالها خوفاً من ملاحقة أجهزة الأمن، لكن هل يصح أن يستمر هذه الأمر منذ نشأة الجماعة عام 1928 وحتى هذه اللحظة؟!
من حق أي حزب معارض أن يتهم الحكومة بأن برامجها عمومية وليست واضحة، وهو اتهام صحيح أيضاً، لكن لا يحق ذلك لجماعة الإخوان، لأن برنامجها هو الأكثر عمومية على الإطلاق. هي تستخدم كلمات جميلة براقة تخدع البسطاء مثل شعار "الإسلام هو الحل" دون أن تحدد ماذا يعنى هذا الشعار، وهل يحق للإخوة الأقباط أن يرفعوا شعار "المسيحية هي الحل". وألا يعزز الفكر الصهيوني الذي يطالب العالم والعرب والفلسطينيين بالاعتراف بـ"يهودية إسرائيل"؟!!
المتابعون للجماعة يعرفون أنها لم تحسم عملياً ــ وليس عبر الكلمات ــ قضايا جوهرية، مثل الموقف من ولاية المرأة والقبطي، والديمقراطية. الجماعة تمارس في هذا الموضوع مبدأ "التقية" في أزهى صوره.كما تمارس في قضايا أخرى كثيرة مثل الموقف من مسألة الديمقراطية، وهل هو إيمان حقيقي بها، أم مجرد سلم أو تذكرة طيران لاتجاه واحد هو السلطة، وبعدها يتعطل كل شيء كما فعلت الثورة الإيرانية عام 1979 أو انقلاب البشير والترابي في السودان عام 1989؟!!
تتحدث الجماعة بوجه جذاب عن التعددية والديمقراطية حينما تتعامل مع الغرب، لكنها تسفر عن وجهها الحقيقي حينما تتحدث مع أعضاءها الصغار أو بعض حلفاءها السلفيين داخل مصر باللغة العربية!
لا يعرف أحد خارج الجماعة حقيقة المناهج التي يتم تدريسها للأشبال في قسم التربية داخل الجماعة.ما نسمعه مثير للغاية، ويقول البعض إنه يتم تعليم وتربية الصغار على أفكار غريبة مثل "أستاذية العالم" أو "العنف المؤجل"، ولم تخرج بيانات رسمية من الجماعة بهذا الشأن.
إذا كانت الجماعة جادة فعلاً في مراجعاتها، فلتبدأ المراجعة الفعلية مع المجتمع قبل الحكومة. عليها أن تحسم أمرها: هل هي دعوية فقط أم سياسية فقط؟ وهل هي "جماعة المسلمين" أم "جماعة من المسلمين"، هل ترفع شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص" أم "سلميتنا أقوى بالرصاص"؟
وإلى أن يحدث ذلك فعلى الجماعة ألا تتحدث أبداً عن الشفافية!
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.