عماد الدين حسين: الحشد الشعبي ...وتكريس الجيوش الطائفية
١ ديسمبر ٢٠١٦يوم السبت الماضى أقر البرلمان العراقى قانون "الحشد الشعبى"، ليصبح هيئة رسمية أو جيشا خاصا معترفا بها. فما هى التداعيات لمثل هذا القانون ليس فقط فى العراق ولكن فى المنطقة العربية بأكملها؟.!
يقول المؤيدون إن "الحشد الشعبى" واجه وتصدى وقاتل تنظيم داعش والقوى الإرهابية وضحى البعض بأرواحهم في سبيل ذلك، وأنه آن الآوان لكى يتم تنظيم هذا الأمر فى هيئة رسمية وتعويض أفراده ماديا، ومنع مقاضاتهم أو مطاردتهم قانونيا. وأن الكيان الجديد سيضم كل مكونات الشعب العراقي بما فيهم السنة وليس فقط من الشيعة.
إذا كان ذلك صحيحا، أو حتى بعضه صحيحا، فينبغى توجيه كل الشكر والتقدير لكل شخص واجه وقاتل داعش والارهابيين، لكن أن يتم مكافأة هؤلاء عبر تأسيس ميلشيا خاصة بهم فتلك هى الكارثة.
يمكن تعويض هؤلاء ماديا ومعنويا، وكذلك أسر الضحايا الذين سقطوا فى مواجهة قوى الإرهاب. لكن ما تم خطوة كارثية سيكون لها آثارمستقبلية مدمرة على كل المنطقة.
السؤال لهؤلاء: لماذا لم يتم دمج أفراد الحشد الشعبى فى الجيش الوطنى العراقى دمجا كاملا، ليصبحوا جنودا فى الجيش الوطني لكل العراق، إذا كانت النية صافية فعلا ليصبح هذا البلد العربى الكبير صاحب الحضارة العظيمة مكانا لكل مواطنيه سواء كانوا عربا أو كردا أو تركمانا، مسلمين أو مسيحيين، سُنَّة أو شيعة أو كلدانا وآشوريين وإيزيديين وأكراد فيلييه وزيديين؟.!
يعلم كثيرون أن الحشد الشعبى ليس قوة متجانسة من حيث الأهداف والتسليح والعدد والفاعلية. تقول مصادر عراقية أن هناك ثلاث قوى رئيسية داخل الحشد الشعبي أولها وهو الأكثر تسليحا وعددا وتأثيرا ومدعوم من إيران دعما كاملا، وجزء ثاني مدعوم من المرجع الشيعى العراقى على السيستاني الذى سبق له أن أفتى أثناء تأسيس الحشد بانخراط أفراده فى قوات الجيش والشرطة وليس فى تشكيلات مسلحة مستقلة، ولم يحسم المرجع الشيعي موقفه من القانون حتى الآن. أما الجزء الثالث والأخير فهو التابع للأحزاب الشيعية التقليدية.
لنتخيل أن هناك قوة مستقلة لديها تسليح وقادة غير منخرطين في اطار الجيش الوطنى، فكيف يمكن التحكم فيهم، ومن الذى يمكنه منعهم من التأثير فى القرارات السياسية؟!
والسؤال إذا كان سيتم تكوين جيش أو حتى ميلشيا على أسس طائفية فكيف ستتصرف فى المستقبل إذا نشب أى صراع داخلى؟! وهنا علينا ان نتذكر ان قادة هذا الحشد رفضوا في العام الماضي قرارا لرئيس الوزارء بتعيين قائد فوج عسكري لهم، متعللين انهم الأدرى والأعلم بمن يصلح لقيادة هذا الجيش الخاص!!.ورأينا في بداية معركة تحرير الموصل قبل أسابيع دبابة للحشد لا ترفع علم العراق، بل لافتة مكتوب عليها "يا حسين" أو "لبيك ياحسين". وهنا نسأل مرة ثانية: ماذا سيحدث لو ان مجموعة مقاتلين من السنة رفعوا لافتة مكتوب عليها عمر او ابوبكر او عثمان او عائشة؟!!!.
لدنيا تجربة واضحة وصريحة فى لبنان لحزب الله. هذا الحزب تأسس علي هيئة جيش خاص، اوائل التسعينات، لمواجهة الاحتلال الإسرائىلى للبنان الذي بدأ عام 1982. هذا الحزب ومقاتلوه، قدم تضحيات عظيمة بالفعل، انتهت بتحقيق الانتصار واخراج الاحتلال عام 2000. الذي حدث بعدها أن جيش هذا الحزب صار لاعبا أساسيا فى الحياة السياسية اللبنانية، بل انتقل للقتال إلى جانب قوات الجيش السوري ضد مجموعة من السوريين.انتهي دوره الوطني التحرري وبقي دوره الطائفي فقط.
واليوم نسمع من بعض قادة الحشد الشعبي أنهم مستعدون للانتقال إلى سوريا لمقاتلة داعش. يمكن تفهم أن يساعد الجيش العراقى نظيره السوري، لكن أن تساعد ميلشيا، فذلك يعنى أننا ننزلق بسرعة إلى عصر وعالم الميليشيات القائمة على أسس مذهبية وطائفية وعرقية.
ليس خافيا أن تجربة الحرس الثورى التى استحدثتها إيران بعد نجاح ثورتها ضد حكم الشاه عام 1979، قد تم استنساخها فى لبنان عام 1990 ويتم تكرارها الآن فى العراق، وليس مستبعدا أن تتكرر فى اليمن على يد الحوثيين إذا لم يتمكنوا من السيطرة على كل اليمن بعد أن انقلبوا على الشرعية واستولوا على كامل البلاد فى سبتمر عام 2014.
ليس خافيا أيضا أن إيران تريد أن يكون لديها أدوات واضحة وفجة فى البلدان العربية خصوصا الموجود بها أكثرية شيعية.
لا ألوم إيران فقط، لأن جماعة الأخوان المسلمين السنية فكرت جديا فى استنساخ نفس التجربة خلال حكمها لمصر حتى منتصف 2013.
الكثير من قادة الجماعة دعوا علنا إلى تكوين ما يسمى بـ "جيش وفيلق القدس" والغريب أنه نفس المسمى الموجود فى إيران بحجة أنهم سوف يواجهون به إسرائيل. وبعض هؤلاء القادة كرر نفس المطلب حينما قيل إن الشرطة النظامية المصرية لا تتعاون بما فيه الكفاية مع الحكومة الإخوانية وقتها. كان الهدف واضحا وهو خلق جيش عقائدى يدافع عن الجماعة ويجعلها "مؤبدة" فى الحكم بحيث يتصدى لكل من يحاول مواجهة الجماعة.
تقديرى الشخصي أن إنشاء أي ميلشيات سواء كان سنية أو شيعية، مسلمة أو مسيحية سيكون بداية التقسيم الفعلى والرسمي والعلني للبلدان العربية على أساس طائفي ومذهبي وديني فقط، بل وتدشين حروب أهلية لا تتوقف كما رأينا في التجربة اللبنانية المريرة من عام 1975 حتي عام 1990، ثم تجربة الصومال منذ عام 1990 وحتي الآن، وبعدها في السودان، ثم سوريا والعراق وليبيا هذه الأيام.
مرة أخرى كل التقدير لمن واجه داعش وأي تنظيمات إرهابية أخرى، لكن لا يمكن أن نكافئ هؤلاء بخلق جيوش موازية تقوم بتكريس الطائفية وتقدم أفضل الخدمات لإسرائيل ولكل من يتربص بالمنطقة العربية.
الكاتب الصحفي: عماد الدين حسين