عماد الدين حسين: مؤتمرات الشباب.. هل تكون بديلاً للأحزاب؟
٢٧ يوليو ٢٠١٧هل تتحول "مؤتمرات الشباب" التي تعقدها وتنظمها مؤسسة الرئاسة المصرية إلى بديل للأحزاب السياسية التقليدية؟!
هذا السؤال بدأ يقفز إلى أذهان كثير من المراقبين السياسيين، وهم يلاحظون الزخم والاهتمام الرسمي والإعلامي الذي تكتسبه مؤتمرات الشباب التي يشارك فيها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بصورة كاملة، وفي الوقت نفسه يلاحظون أن السياسة التقليدية غائبة لأسباب كثيرة يطول شرحها وليس هذا مكانها اليوم، وسبق لنا مناقشتها في هذا المكان في السادس من يوليو/ تموز الجاري تحت عنوان "أزمات طاحنة.. ومعارضة غائبة".
السياسة غائبة إلى حد كبير في المجتمع المصري، أقصد السياسة بمفهومها الشامل، أي الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية التي تتنافس على برامج وتتمتع بمناخ واسع من الحريات في إطار تعددي طبقاً للمفهوم الكلاسيكي.
في يناير/ كانون الثاني 2016 أعلن الرئيس المصري أن هناك مؤتمراً قومياً للشباب سيتم تنظيمه في شرم الشيخ يناقش مختلف المشاكل والهموم والمشاغل التي تهم هذا القطاع الحيوي، في وقت تقول فيه إحصائيات رسمية إن الشباب تحت سن الثلاثين يشكلون 60 من سكان مصر الذين وصلوا إلى 93 مليون نسمة قبل أسابيع.
يومها اعتقد البعض أن هذا المؤتمر سيعقد لمرة واحدة لمواجهة الاتهامات للحكومة بأنها في صدام مع الشباب. وبالفعل وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016 عُقد المؤتمر في مدينة شرم الشيخ السياحية، وحضر السيسي كل جلساته، وشهد مساحة من حرية النقاش وضم معارضين للحكومة ومنتقدين لها ومختلفين مع سياساتها مثل الكاتبين الكبيرين إبراهيم عيسى وأسامة الغزالي حرب وآخرون.
المؤتمر انتهى بتشكيل لجنة للإفراج عن بعض المسجونين السياسيين خصوصاً من الشباب، لكن القرار الأهم كان هو الانعقاد الدوري بصورة ربع سنوية تقريباً.
وهكذا انعقد المؤتمر الفرعي الأول بالقاهرة في ديسمبر/ كانون الأول، والثاني في مدينة أسوان، أقصى جنوب مصر، في مارس/آذار، والثالث بالإسماعيلية في أبريل/ نيسان الماضي، والخامس يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين في بمقر مكتبة الإسكندرية بمدينة الإسكندرية الساحلية غرب مصر.
الملاحظة الجوهرية أن آلية انعقاد هذه المؤتمرات صارت تتضمن مساحة واسعة من الحرية غير مسموح بها إلى حد كبير في المشهد السياسي اليومي.
على سبيل المثال تم استحداث فقرة تتضمن قيام المواطنين بتوجيه أسئلة مباشرة إلى رئيس الجمهورية تحت عنوان "أسأل الرئيس" وتتضمن اسئلة لا تجرؤ العديد من وسائل الإعلام شبه الرسمية على طرحها، كما حدث يوم الاثنين الماضي، حينما سأل المواطنون الرئيس اسئلة من عينة: متى تنتهى الأزمة الاقتصادية الطاحنة؟ ولماذا يستمر الغلاء رغم أن الحكومة حددت مواعيد مختلفة للانتهاء منه؟ ولماذا لم ينته الإرهاب حتي الآن رغم التفويض الذي حصل عليه السيسي حينما كان وزيراً للدفاع في 24 يوليو/ تموز 2013؟ ولماذا قامت أجهزة الأمن بغزو جزيرة الوراق في الجيزة وهددت بطرد ساكنيها الفقراء منها؟
في هذه المؤتمرات أيضاً يقوم الوزراء بتقديم كشوف حساب عما أنجزوه في الشهور الماضية، وما هي خططهم المستقبلية كل في وزارته.
في لقاء الرئيس بالشباب مساء الاثنين كانت هناك العديد من العناوين الصحفية، وهو الأمر الذي لا يتوافر في أيام كثيرة. وفي هذا المؤتمر الأخير بالإسكندرية تحدث الرئيس بطريقة تكشف إلى حد كبير عن أنه حسم أمره بالترشح لفترة رئاسية ثانية، بل إنه واثق تماماً من الفوز، ولذلك رفض الإجابة المباشرة عن سؤال لسيدة من محافظة البحيرة عن هذا الموضوع، لكنه طالب المصريين بالنزول والمشاركة المكثفة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
المؤتمرات الشبابية صارت متنفساً سياسياً إلى حد ما لأن الأحزاب والقوى السياسية لا تمارس وظيفتها، إما بسبب ضعفها الجماهيري والتنظيمي أو بسبب التضييق الحكومي عليها، وما يزيد من أهمية هذه الآلية أنها صارت ساحة يتقابل فيها العديد من كبار المسؤولين وبعض السياسيين والإعلاميين ونواب البرلمان، إضافة إلى شباب كثيرين من أعضاء "البرنامج الرئاسي" الذي يعتبره البعض أنه سيشكل النخبة الجديدة في مصر. وإن بعض كوادره قد يصبحون بعد تأهيلهم مساعدين للوزراء أو رؤساء للمؤسسات العامة.
يقول البعض إن الكوادر الرئيسية في "البرنامج الرئاسي" أقرب إلى فكرة "التنظيم الطليعي" الذي استحدثه الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، ولكن مع فارق الظروف والمسافة الزمنية التي تزيد عن خمسين عاماً. ويضيف هؤلاء أن طبيعة الرئيس السيسي ربما تفضل الاتصال المباشر مع المواطنين عبر المؤتمرات والأحاديث والتصريحات والمداخلات الإعلامية بديلاً للأحزاب السياسية بمعناها التقليدي، علي غرار ما كان يفعل الرئيس الاسبق جمال عبدالناصر في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
في المقابل، يعتقد البعض أن هذه المؤتمرات - ورغم كل حسن النية فيها - لا تغنى عن أهمية وجود الأحزاب والقوى السياسية المدنية، التي يفترض أن تستوعب مئات الآلاف من الشباب، بدلاً من وقوعهم في مصيدة التطرف والعنف أو المخدرات أو حتى الانعزال والانكفاء والانضمام إلى أشهر حزب سياسي في مصر وهو "حزب الكنبة" أي اليائسين من العمل السياسي كما حدث مراراً أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك!
يضيف هؤلاء أن تفعيل وتنشيط السياسة في مصر في مصلحة الحكومة قبل أن يكون في مصلحة الأحزاب، والسبب أن الأحزاب المدنية القوية هي أفضل حائط صد ضد عودة الأحزاب الظلامية أو الدينية المتطرفة.
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.
عماد الدين حسين