عماد الدين حسين: متى سيتوقف الإرهاب في مصر؟!
٢٦ أكتوبر ٢٠١٧سؤال يكرره كثيرون هذه الأيام، واسمعه من بعض المواطنين في الشارع. قبل شهور كان سؤال الناس التقليدي هو: "البلد رايحة على فين؟!"، لكنهم توقفوا عن طرحه، وبدأوا يتحدثون عن الإرهاب الذى تزايدت عملياته النوعية، وكان آخرها حادث طريق الواحات البحرية ،الذى استشهد فيه 16 ضابطاً وجندياً وأُصيب فيه 15 آخرين يوم الجمعة الماضي طبقاً لبيان وزارة الداخلية الذي صدر بعد اكثر من 24 ساعة على الحادث.
بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان في 30 يونيو/ حزيران 2013، وتزايد العمليات الإرهابية خصوصاً في سيناء على يد تنظيم "أنصار بيت المقدس"، قرأنا عناوين رئيسية في الصحف القومية، منسوبة لمصادر مسؤولة تقول: "القضاء على الإرهاب في سيناء خلال شهر". ووقتها أيضا قرأنا تصريحات متواترة عن قرب إعلان مصر خالية تماماً من الإرهاب.
مرت سنوات أربع، وما يزال الإرهاب قادراً للأسف على توجيه ضربات نوعية ليس فقط للحكومة ،ولكن للمجتمع المصري.
والسؤال مرة أخرى. متى سيتم القضاء على الإرهاب في مصر؟!
للأسف الشديد فان الإجابة الصادمة من خلال رؤيتي للأوضاع الراهنة هي أن ذلك سوف يستغرق وقتا ليس بالقصير، ولن يكون بين يوم وليلة.
لا يوجد زر سحري نضغط عليه، بحيث نطفئ أو نوقف أو نعلق الإرهاب فينتهي في غمضة عين أو بين عشية وضحاها.
هل كانت الحكومة وأجهزة الأمن تخدع المواطنين في الماضي، حينما كانت تبشرهم بقرب نهاية الإرهاب، أم أنها كانت حسنة النية، وتراهن على عوامل لم تتحقق، أم أن تقديراتها كانت خاطئة من الأساس، أم أن الإرهاب تلقى جرعات أوكسجين قوية من مصادر تمويله ودعمه، بحيث يعيد إحياء نفسه في كل مرة يعتقد المصريون فيها أنه شارف على الموت؟!
الإجابة تقديرية وتخضع لرؤية كل شخص وجماعة وحزب.
لكن أحد الأسباب وراء احتمال استمرار الإرهاب، هو أنه ليس قاصراً فقط على مصر، بل هو ظاهرة إقليمية حلقاتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، بل هناك من يقول أنه صار إرهاباً دولياً "متعولماً"، ولم نعد نستطيع أن نفرق بين ضرباته في الموصل والرقة وسيناء والواحات وسرت ودرنة، وبين ضرباته في نيس وباريس وبرلين وبروكسل ولندن ونيويورك وواشنطن.
وبالتالي فحتى لو تمكنت دولة، من توجيه ضربات موجعة له، فقد ينتقل إلى دولة أخرى مجاورة أو في الإقليم، أو يتحول أفراده إلى ذئاب منفردة، تنفذ عمليات فردية في اللحظة التي تكون قادرة على ذلك.
صحيح أن تنظيم "داعش" وقوى التطرف تلقت ضربات موجعة في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا في الأسابيع الأخيرة، لكن في تقديري فإن "الممرات الآمنة" التي جرى خلالها إخراج بعض العناصر الإرهابية خصوصاً في سوريا وإلى حد ما في العراق ثم لبنان، كانت خطأ فادحاً، لأن أحد نتائجها هو إمكانية انتقال هذه العناصر بأي صورة من الصور إلى بلدانها الأصلية، أو ربما إلى أي بؤرة تسمح باستقبالهم، ومنها بعض المدن الليبية مثلاً، وبالتالي فالخشية قائمة من انتقالهم لاحقاً إلى مصر عبر الحدود المترامية الأطراف مع ليبيا والتي تمتد إلى 1200 كلم.
لكن وإضافة للعامل الإقليمي وربما الدولي، فإن بعض العوامل التي تتحكم في استمرار الإرهاب من عدمه في مصر هي عوامل داخلية.
وجود رؤية واستراتيجية وخط مصرية قابلة للتنفيذ، هو الذي سيجعل الانتصار على الإرهاب يقترب، والعكس صحيح تماماً.
انطلاقاً مما سبق، أقول بوضوح أن الحكومة المصرية ورغم الجهود الكثيرة التي بذلتها في مواجهة الإرهاب، فهي ليست كافية، والدليل هو النجاح المستمر للإرهابيين في تنفيذ عمليات نوعية.
تحتاج الحكومة أولاً إلى تدريب جنود الأمن على أحدث النظم وقواعد الاشتباك، خصوصاً أنها لا تواجه جيشاً نظامياً بل اقرب ما تكون إلى حروب العصابات والكر والفر. وأن توفر لهم أسلحة حديثة، خصوصاً أن الحوادث الأخيرة كشفت عن أن الإرهابيين يملكون أجهزة ومعدات وأسلحة حديثة جداً.
العامل الثاني: هو أنه ومن دون كسب البيئة المحلية للبؤر والمناطق التي يتواجد بها الإرهابيون مثل سيناء على سبيل المثال، فلن يمكن كسب الحرب بسهولة، أو أن النصر سوف يتأخر.
بعض المواطنين في سيناء يشكون مثلاً من نقص السلع التموينية والخدمات اليومية خصوصاً الكهرباء والمياه والوقت الطويل الذي يستغرقه انتقالهم بين ضفتي قناة السويس.
العامل الثالث: ضرورة وجود أكبر توافق وطني بشأن طريقة محاربة الإرهاب. سيكون ذلك عاملاً حاسماً في القضاء على الإرهاب. وللأسف فإن الحكومة تخسر العديد من القوى والأحزاب المدنية التي يمكن أن تكون داعماً ورصيداً كبيراً في هذه المعركة.
العامل الرابع: هو تقوية دعائم الدولة وتثبيت أركانها. صحيح أن الإرهابيين لا يؤمنون بالديمقراطية أو الحريات أو حقوق الإنسان أو العدالة الاجتماعية، لكن كل العناصر السابقة هي التي تثبت أركان الدولة فعلاً، وتجعلها عصية على كل محاولات إسقاطها، وهى الأساس في إسقاط أي مؤامرات حال وجودها.
العامل الخامس: هو قدرة قوات الأمن على اختراق المجموعات الإرهابية معلوماتياً، وبحيث يتم القبض على قادتهم وعناصرهم وتجفيف منابع التمويل الداخلية والخارجية. حدوث ذلك هو الذى سيكون الطلقة الأولى في مواجهة الإرهابيين.
العامل السادس: هو وجود خطاب ديني عقلاني يواجه الأفكار الضالة والمضللة للإرهابيين التي استطاعت خطف الدين الإسلامي وترويح صورة عنيفة وغير صحيحة له.
العامل السابع والأخير: هو وجود خطاب إعلامي مهني يتعامل مع الإرهاب باعتباره ظاهرة خطيرة لا يجوز التهوين منها، كما لا يجوز التهويل منها أيضاً. خطاب يركز على القواعد المهنية التي تلتزم بنقل الحقائق أولاً ثم تقديم تحليلات وتفسيرات منطقية للأحداث تفضح الإرهاب والإرهابيين، وتساهم في تنوير الشباب حتى لا يقعوا فريسة لهذا الإرهاب، وتتحقق من أن الحكومة أدت ما عليها وتنتقدها إذا كانت مقصرة.
لو تحققت العوامل السابقة، فسوف يتم تقصير زمن المواجهة مع الإرهاب، والعكس للأسف صحيح.
لكن ما أنا واثق منه، هو أنه لم يحدث أن تمكنت أي مجموعة إرهابية من الانتصار على الدولة في مصر، على مر تاريخها الحديث.
عماد الدين حسين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW