عماد الدين حسين: من يكسب قلوب وعقول أهالي سيناء أولاً؟
١ مارس ٢٠١٨من يكسب قلوب وعقول أهالي سيناء أولاً: الدولة المصرية أم الجماعات الإرهابية التي تنشط هناك؟ ظني الشخصي أن هذا هو السؤال المفتاحي، وإجابته ستحسم نتيجة المعركة الدائرة هناك منذ خلع جماعة الإخوان عن الحكم في 3 يوليو/ تموز 2013. صباح الأحد الماضي، زرت سيناء ضمن وفد صحفي ضم رؤساء تحرير الصحف المصرية وكبار الإعلاميين، قاموا بتغطية افتتاح رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، لقاعدة شرق القناة لمكافحة الإرهاب، وتقييم نتائج العملية الشاملة "سيناء 2018"، التي يشنها الجيش المصري ومعه الشرطة المدنية ضد الإرهابيين هناك منذ حوالى ثلاثة أسابيع.
الرئيس المصري سأل قائد الجيش الثاني الميداني اللواء خالد مجاور، عن الفترة الزمنية اللازمة للقضاء على الإرهابيين فرد عليه، أنه لا يحتاج لأكثر من ثلاث ساعات لتطهيرها، لكن ما يمنعه من ذلك الخوف من احتمال تعرض المدنيين لأخطار كبيرة أثناء تقدم الجيش للقضاء على الإرهابيين.
مسألة الساعات الثلاثة أو الست للتخلص من الإرهابيين سمعتها من أكثر من مسئول طوال السنوات الماضية، ولأنها غير عملية بالفعل، فيجب أن تتم مناقشة الخيارات العملية.
من المعروف أن تكتيك الجماعات الإرهابية من داعش إلى القاعدة، مروراً بكل تفريعاتهما، يركز على "الكر والفر" أي تنفيذ العمليات، ثم الذوبان وسط المحيط البشري، وهم يعلمون يقيناً أن الجيش أو الشرطة في أي بلد لن يمكنه - لاعتبارات كثيرة أهمها الأخلاقية - من العمل بسياسة الأرض المحروقة.
لو أن الإرهابيين يقاتلون كجيوش منظمة فسوف يتم القضاء عليهم خلال ساعات فعلاً، لكن سر استمرارهم هو سياسية "اضرب وأجرى ثم اختفى وتلاشى وسط المواطنين العاديين!".
قبل زيارة سيناء برفقة الرئيس السيسي، كنت قد استمعت إلى مواطن سيناوي يشكو من صعوبة الأحوال المعيشية وخصوصاً فيما يتعلق باختفاء أو ندرة السلع والخدمات الأساسية، بسبب إغلاق بعض الطرق نتيجة للعمليات العسكرية الجارية ضد الإرهابيين، إضافة بالطبع إلى تقييد حركة المواطنين لاعتبارات أمنية وخوفاً على حياتهم.
لكن وللموضوعية، فإن الأجهزة الحكومية المصرية حاولت بطرق كثيرة معالجة هذه السلبيات، بل وقامت القوات المسلحة نفسها بتوزيع العديد من السلع الغذائية مجاناً على المواطنين.
في نفس يوم الزيارة أعلن الفريق محمد فريد رئيس الأركان أنه تم صرف 900 مليون جنيه للمواطنين الذين تمت إزالة بيوتهم في منطقة رفح لإقامة المنطقة العازلة على خط الحدود مع قطاع غزة.
بالطبع لن يكون أهالي سيناء الذين تمت أو ستتم إزالة مساكنهم سعداء، بهذه الخطوة، لكن كيف يمكن التوفيق بين مراعاة هؤلاء الناس، والأمن القومي للبلد بأكمله؟
في هذه المنطقة تم اكتشاف انفاق تمتد من رفح الفلسطينية إلى رفح المصرية، طولها أكثر من ثلاثة كيلومترات، وبعضها كان يبدأ من مسجد وينتهى مسجد آخر، ومعظمها يبدأ من بيت إلى بيت، والسبب أن تجارة الأنفاق أكثر ربحاً من تجارة الأسلحة أو المخدرات أو أي تجارة يمكن تخيلها في هذه المنطقة.
قولا واحدا، غالبية أهالي سيناء مواطنون شرفاء، وهم الذين يتحملون العبء الأكبر من فاتورة الإرهاب، وبعضهم دفع حياته ثمناً، لأنه قرر أن يقف في صف الدولة ضد الفكر الظلامي، وبعضهم ترك أرضه وأهله وأقام في محافظات أخرى، هرباً من جحيم الإرهاب، وبعضهم اجبروا على الخروج من منازلهم ،كما حدث مع بعض أقباط العريش.
لكن هناك أيضاً الإرهابيون وغالبيتهم من أهالي سيناء، ومعهم مجموعة كانت تكسب الكثير من تجارة الإنفاق، وعندما تم إغلاق معظمها، وجدت نفسها في "تحالف مصلحي" مع تنظيم داعش وبقية المتطرفين.
الإرهابيون يحاولون بالطبع إقناع أهالي سيناء بالتمرد على السلطة المركزية بكل الطرق الممكنة، مستغلين بالأساس أن الحرب أو الاشتباكات تؤدي إلى صعوبات معيشية كبرى مثل ندرة السلع والخدمات أو انقطاع الكهرباء والاتصالات أحياناً، بل أن الإرهابيين ركزوا على محاربة كل ما يمت للعمران بصلة، ومثال ذلك حينما قتلوا بعض سائقي شاحنات الإسمنت، التي تقوم بتنفيذ مشروعات عمرانية. ويستغلون أيضاً أن بعض أهالي سيناء بحكم طبيعتهم البدوية لا يكنون المزيد من الود لأى سلطة رسمية.
السباق المحموم على عقول وقلوب سيناء التفتت إليه الحكومة في الفترة الأخيرة، حيث عرفنا أن الدولة قررت رفع المخططات لتعمير سيناء عبر تنفيذ 290 مشروعاً تكلف 275 مليار جنيه، تم إنجاز 134 مشروعاً منها ويجري العمل في 156 مشروعاً. ووجه رئيس الجمهورية نداء للمواطنين والهيئات للتبرع لتعمير سيناء.
رأيت بعيني مشروعات كثيرة في سيناء، وسمعت من مسئولين كثيرين أن هناك مشروعات كبرى في الطريق. لكن أتمنى أن تكون مشروعات صناعية إنتاجية، ولا تركز فقط على السياحة كما حدث في جنوب سيناء خصوصاً في دهب وشرم الشيخ. وإحدى النقاط المضيئة في هذا الصدد قرب انتهاء تنفيذ الأنفاق تحت قناة السويس والتي ستعمق وتسرع من ربط سيناء بالوادي والدلتا بشرياً واقتصادياً، إضافة إلى إلغاء فترات الانتظار الطويلة لأهالي سيناء للعبور بين ضفتي القناة.
سيناء تحتاج إلى زراعة وتوطين أكبر عدد من البشر فيها، لأن هؤلاء هم الضمانة الحقيقية لهزيمة الإرهاب والفكر المتطرف. هي تحتاج إلى مشروعات تنمية حقيقية تتضمن تقديم نموذج تعليمي وفكري وثقافي يهزم الأفكار المتطرفة، التي تغلغلت للأسف في "مثلث العريش والشيخ زويد ورفح".
رحلتي الأخيرة إلى سيناء تقول إن هزيمة الإرهاب مسألة وقت فقط، ولكن بشرط أن تحدث التنمية الحقيقية والشاملة، ووقتها سوف ينهزم الإرهاب والتطرف بصورة آلية.
عماد الدين حسين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.