عماد الدين حسين: موسم تحطيم الرموز في مصر
٢٣ نوفمبر ٢٠١٧يبدو أن مصر تعيش مرحلة مهمة من مراحل تحطيم العديد من الرموز في مجالات كثيرة بدء من الفن ونهاية بالدين مرورا بالطبع بالسياسة التي لم يتوقف تحطيم رموزها طوال الحقب الماضية، ورغم أي شيء فان حرية النقاش المفتوح عن كل الشخصيات البشرية أمر مفيد لصحة وحيوية المجتمع المصري.
الفضل في هذه الظاهرة ــ إذا جاز لى أن اسميها ظاهرة ــ يعود أساسا لوسائل الإعلام خصوصا الحديثة منها، أي وسائل التواصل الاجتماعى.
في الأيام الماضية تحدثت الكاتبة الصحفية المعروفة فريدة الشوباشي في أكثر من وسيلة إعلامية ووجهت انقادات حادة، ضد رجل الدين البارز والمعروف الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوي. الشوباشي لا تخفي انتماءها لليسار، خصوصا للتيار الناصري، وهي تقول إنه لا يمكن أن نسامح الشعراوي الذي خرج ذات يوم، ليعلن أنه سجد لله شكرا حينما انهزمت مصر عسكريا، أمام إسرائيل في 5 يونيو 1967، والسبب الذي دفعه لذلك أن مصر التي كان يحكمها جمال عبدالناصر في ذلك الوقت كانت شيوعية ومتحالفة مع المعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتى، وانها اذا انتصرت فكأن الفكر الشيوعي الملحد هو الذي انتصر.
وقد حاول الشعراوي تخفيف كلامه لاحقا قبيل وفاته، بالقول إن عبدالناصر زاره في الحلم، وكان يبدو طيبا في صورة طيبة!!!.لكن جزء كبيرا من تيار الإسلام السياسي مايزال ينظر إلى عبد الناصر والناصرية واليسار عموما بنفس نظرة الشعراوي القديمة.
حينما انتقدت الشوباشي الشيخ الشعراوي أيدها كثيرون، لكن هاجمها أيضا كثيرون، ما يكشف عن حجم الاستقطاب وغياب تقبل الآراء المعارضة. من حق الشوباشي أن تنتقد الشعراوي أو غيره، طالما أنه بشر بل أن كثيرين انتقدوا الشعراوي لأنه حينما كان وزيرا للأوقاف في نهاية السبعينيات، قال عن الرئيس الأسبق أنور السادات: "هو لا يسأل وهم يسألون" وهو يقصد بالطبع المعارضة، ويتعامل مع الحاكم وكأنه إله أو نبي معصوم!!!.
ومن الدين إلى الموسيقي والفن فقد كتب الإعلامي المعروف حسام السكري المدير السابق للقسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية، على صفحته على الإنترنت يقول إنه لم يحب أو يتعاطف مع موسيقي عمر خيرت. هذا الموسيقار يحظي بحب قطاع كبير من المصريين، لدرجة أن ثلاثة ملايين شخص دخلوا علي صفحته بحثا عن تذكرة في حفلته في مهرجان الموسيقي العربية قبل أيام. عندما كتب السكرى ذلك، فوجئ بأن كثيرين، قالوا إنهم لا يحبوا أيضا موسيقى عمر خيرت لكن الذي حدث هو معركة حامية الوطيس بين محبى عمر خيرت الكثيرين وغير المعجبين به، وهم قلة إلى حد ما.
لكن ربما كان الأديب والمفكر المعروف الدكتور يوسف زيدان، هو أكثر من مارس عملية تحطيم الرموز، حينما وجه هجوما كاسحا لمؤسس الدولة الأيوبية في مصر صلاح الدين الأيوبي، حيث وصفه بأنه "من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني وقام بمذبحة ضد الفاطميين وعزل الرجال عن النساء فانقطع نسل الفاطميين في مصر، وحرق مكتبة القصر العينى الكبير لدواعي سياسية واهية، وهي محاربة الفكر الشيعى". زيدان قال ايضا: "صلاح الدين لم يحرر القدس بل عقد صلحا مع الصليبيين بعد حروب انتقاما لشقيقته فقط"!!!.
قامت الدنيا ولم تقعد بسبب ما قاله زيدان عن صلاح الدين الأيوبي، لكن زيدان قال إنه يطرح وقائع تاريخية، وعلى من يغضب أن يتقدم بحقائق ومعلومات ووقائع تاريخية، وليس عواطف ومشاعر.
وقبل أقل من شهر شن زيدان هجوما حادا على الزعيم المصري أحمد عرابي الذى تصدى للخديوي توفيق وقال قولته الشهيرة "لقد خلقنا الله أحرارا ولن نورث أو نستعبد بعد اليوم". كما تصدى للقوات البريطانية التي احتلت مصر في يوليو 1882 وتم نفيه إلى جزيرة سيلان. زيدان وصف عرابي بأنه كان متهورا وكان السبب في هذا الاحتلال.
وللمرة الثانية، تعرض زيدان للانتقاد من العديد من المصريين ووصفوه بأنه صار متخصصا في تشويه الرموز، خصوصا أنه دائم الانتقاد للرئيس الأسبق جمال عبدالناصر.
قصدت متعمدا أن أفسح المجال للوقائع الثلاثة حتى أضع القارئ الكريم في قلب الصورة، والقاسم المشترك الأكبر فيها هو الهجوم والانتقاد وعدم قبول الآخر وغياب التسامح، في تقديري أن ما حدث ليس سيئا في مجمله بل كان يحمل في طياته بشائر للخروج من أسر الرؤية الواحدة الأحادية التي تقدس الكثير من الاشياء، من دون وجه حق.
أفهم أن يتعلق الناس بدينهم ومذهبهم، وآلهتهم، لكن أن تصل القداسة إلي أفراد عاديين فتلك هي المشكلة الكبرى.
وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا بارزا في إعطاء مساحة لعموم الناس كي يناقشوا ويحللوا ويتحدثوا بحرية ومن غير سقف أحيانا. في مرات كثيرة يكون الحديث صاخبا وعشوائيا ويشبه "معارك الديكة".
بل إن هذا النقاش أيضا يؤشر إلى ديمقراطية حقيقية مفتقدة في الواقع الساسي ليس في مصر فقط، ولكن في عموم المنطقة العربية. الغرب تجاوز هذه المشكلة منذ عقود طويلة، حينما كسر كل التابوهات والحواجز وناقش كل القضايا بعقل مفتوح فتخلص من كثير من الأمراض. لكن المشكلة في الشرق أننا لم نعد قادرين حتي على الاختلاف بشأن زعيم سياسي أو عالم دين أو حتي موسيقار، وأحيانا يصل الاستقطاب إلى لاعب كرة مغمور أو راقصة مغمورة!!.
من وجهة نظري فان القداسة لله فقط، وحتى هذا الأمر مختلف عليه في بلدان أوروبية وآسيوية كثيرة، لكن التفكيرالذي سمعنا عنه في القاهرة في إصدار قانون يجرم ما يسمى بإهانة الرموز أمر مقلق جدا.
مصر ومعها كل المنطقة العربية تحتاج إلى إعادة النظر في كثير من القضايا التي نظن أنها مقدسة وهي ليست كذلك. المقدس هو الله سبحانه وتعالى، أما البشر فيمكن انتقاد أفعالهم وممارساتهم وسياساتهم لأنهم بشر غير معصومين، وعندما نعصم هذا الزعيم أو ذاك فقد تصل إلى مرحلة لا يمكن فيها للناس انتقاد حتى أعضاء المجالس المحلية!!.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW