"عمليات الناتو ضد القذافي تهدف إلى إحداث انقلاب عليه داخل قصره"
١ مايو ٢٠١١فيما يتواصل الكر والفر بين كتائب القذافي والثوار مع استمرار القتال تشهد الساحة الليبية تصعيدا جديدا، بعدما أعلنت طرابلس أن حلف الناتو شن غارة جوية ليل السبت الأحد على باب العزيزية في العاصمة الليبية أودت بحياة نجل القذافي سيف العرب وثلاثة من أحفاده. هذا النبأ، إذا تأكد، هل سيلقي بضلاله على شرعية عمليات الناتو في ليبيا لكونها أصحبت تستهدف مدنيين؟ وهل من شأنه أن يزيد من الضغوط الدولية على الحلف في الوقت التي تبدو فيه الأزمة الليبية في طريق مسدود؟
ولتسليط الضوء على هذه التطورات وقراءة أبعادها أجرت دويتسه فيله حوار مع الدكتور خطار أبو ذياب، خبير في شؤون الشرق الأوسط وأستاذ في معهد الجغرافيا السياسية في باريس.
وفيما يلي نص الحوار:
دويتشه فيله: هناك شكوك، خاصة لدى المعارضة الليبية، حول نبأ وفاة نجل القذافي وثلاثة من أحفاده في غارة جوية قام بها حلف الناتو على مبان في داخل باب العزيزية في طرابلس، وصفها المتحدث باسم الخارجية الليبية موسى ابراهيم بأنها محاولة لاغتيال الزعيم الليبي معمر القذافي. برأيك هل تثق في صحة هذا النبأ أم أنه مجرد مناورة يسعى من خلالها القذافي لعب دور الضحية على الصعيد الدولي؟
خطار أبو ذياب: الشفافية ليست هي المعيار في أحداث ليبيا من أجل الحصول على المعلومة الصحيحة، وهي مسألة غير يسيرة.و من غير المستبعد أن يصور العقيد القذافي نفسه بالضحية لهجمات الناتو. لكن إذا لاحظنا تسلسل العمليات منذ قصف مكتب القذافي الخاص في باب العزيزية إلى قصف المبنى المجاور للتلفزيون الليبي إبان إلقاء القذافي لخطابه قبل يومين واستهداف أحياء سكنية ولو كان فيها مقرات عسكرية وقيادة، كل ذلك يدفعنا للقول بأن حلف الناتو ربما قرر استهداف القذافي والضغط على معنويات عائلته وعلى المقربين منه.
لكن ليس بالإمكان تأكيد خبر وفاة أحد أبناء القذافي، خاصة وأن نظام القذافي سبق وأعلن خبرا تبين أنه لم يكن صحيحا، وذلك حين أعلن أن ابنته بالتبني وتدعى هناء قد قتلت خلال الغارة الجوية الأميركية على باب العزيزية طرابلس عام 1986 وبعدها انتشرت إشاعات بعد أن أعادت ليبيا علاقاتها مع المجتمع الدولي بأن هذه البنت لا تزال على قيد الحياة. وإذا لم يبرز فعلا لوسائل الإعلام أن نبأ نجل القذافي الأصغر قد قتل فعلا، يبقى هناك مجال للشك.
قررت بريطانيا بعد ساعات من إعلان طرابلس نبأ وفاة نجل القذافي و3 من أحفاده، طرد السفير الليبي معللة قرارها بأن قوات القذافي قد هاجمت اليوم الأحد مقار سفارات غربية في العاصمة الليبية، من بينها السفارة البريطانية. كيف تفسر هذا القرار البريطاني، هل هي محاولة لتعميق عزلة نظام القذافي دوليا؟
ندن كانت أصلا قد سحبت اعترافها بالسفير الليبي، كما أنها تتعامل مع المجلس الوطني الانتقالي كمحاور أساسي في ليبيا. وبالطبع يعني هذا الطرد قطيعة واضحة بين لندن وطرابلس. وإذا تأكدت عملية مقتل نجل القذافي وعمليات الهجوم على السفارات الغربية في طرابلس فإن ذلك يعني مزيدا من التصعيد.
لقد وضع المجتمع الدولي القذافي أمام خيارين إما مغادرة ليبيا أو القتال حتى الموت. وفي هذا الخيار الأخير يعني أيضا تدمير جزء من مقدرات الشعب الليبي. إذن المسألة تتعدى القذافي وتصيب شعبا وبلدا بأكملهما. ولا أعتقد أن المجموعة الدولية قد قامت بإدارة الملف الليبي بما يكفي من الدراية والإحساس بالمخاطر، بل إنها أدارته وفق نزعة للتصدي للقذافي دون الإحاطة بكل معطيات الوضع الليبي بدقة.
قلت في بداية هذا الحوار أنه من غير المستبعد أن يقوم حلف الناتو باستهداف القذافي وعائلته، فيما أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اليوم الأحد على أن الغارات الجوية، التي تشنها طائرات حلف الناتو على ليبيا، "تتوافق مع قرارات مجلس الأمن 1973"، الذي يقضي بتجنب إيقاع خسائر في أرواح المدنيين وتستهدف آلة القذافي الحربية. ألا يعتبر كلامك اتهاما لحلف الناتو بأنه ربما قد انتهك هذا القرار؟
عادة ما يُستخدم في الدبلوماسية الغموض البناء لفسح المجال إلى كثير من التوسع في تفسير القرارات. وإذا أردنا تفسير القرار الدولي 1973 حول حماية المدنيين بكل الوسائل، يمكن للبعض كما قام وزير الدفاع الأميركي ونظيره البريطاني بتفسير ضربة مكتب باب العزيزية بأنه ضربة لمركز القيادة والتوجيه. وبما أن القذافي شخصيا هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، يمكن من الناحية العسكرية استهدافه. وإذا كان الأمر يتعلق بنجله خميس القذافي، أحد قادة الكتائب الفعالة على الأرض، فيمكن استهدافه. وإذا كان الأمر يتعلق بالمعتصم بالله القذافي، المسؤول عن الأمن القومي، فيمكن استهدافه.
لكن إذا حصل فعلا استهداف نجله الأصغر سيف العرب القذافي، الذي لا يمارس أي دور سياسي أو عسكري، فقط لمجرد أنه ينتمي لعائلة القذافي، إذن وإذا ثبت ذلك، فهذا يعني أن حلف الناتو قد تجاوز صلاحياته ومهامه. واعتقد أن عملية قتل القذافي في حد ذاتها، حتى وإن كان القائد الأعلى للقوات المسلحة، بدون إذن وموافقة المجموعة الدولية وبدون صدور أحكام يعد تجاوزا.
وهنا أريد أن ألفت النظر إلى أمر مهم، وهي أن هناك داخل الأمم المتحدة إدارة لحفظ السلام وإذا تم إرسال القبعات الزرقاء إلى أي مكان في العالم فهناك من يحاسبها ومن يتابعها. ولكن فيما يتعلق بعمليات ما يسمى بالتدخل الإنساني، مثل العملية الليبية، فليست هناك أي إدارة بل أن الأمور توكل إلى حلف الناتو وليس أي مسؤول سياسي بإمكانه محاسبته. وهذه ثغرة في القانون يجب تلافيها لاحقا، حتى لا تحيد منظمة الأمم المتحدة عن أهدافها لصالح غايات سياسية معينة دون إجماع أممي."
مر نحو شهر ونصف على بدء عمليات الناتو العسكرية في ليبيا والقتال بين كتائب القذافي والثوار لا يزال متواصلا ، وقد انتقدت روسيا الحلف معتبره أنه قد أفرط في استخدام القوة في ليبيا. هل من شأن نبأ وفاة نجل القذافي أن يزيد من حدة الضغوط الدولية على الناتو؟
ستزداد الضغوط في كل الاتجاهات لأن المراوحة في العمليات العسكرية تدفع في هذا الاتجاه، خاصة وأن القرار الدولي 1973 ينص على عدم القيام بعملية برية على الأرض. ومن هنا فإن حلف الناتو يبحث من خلال الضغط العسكري المباشر على عائلة القذافي القيام بحرب أعصاب هدفها هز محيط القذافي والمقربين منه وضرب معنويات القوات المسلحة الليبية، لعل ذلك يساهم في إحداث انقلاب في القصر.
أعتقد أنه وبحسب معطيات الأيام الأخيرة حصل اختراق أمني هام لمحيط القذافي مما أتاح لمقاتلات حلف الناتو الحصول على معلومات دقيقة سنحت بضرب القذافي وملامسته شخصيا عدة مرات. وهذا تطور كبير. لكن إذا تم اغتيال القذافي من قبل حلف الناتو من دون إذن دولي سيكون ذلك سابقة وسيؤدي بموقف كل من روسيا والصين للمزيد من التشدد عند مناقشة أي قرار دولي.
وهناك أزمات كبيرة في الوقت الراهن في اليمن وسوريا ومن المستبعد حصول عمليات تدخل فيها. لكن حتى الحصول الآن على قرار أممي بهذا الموضوع أو الحصول على بيان رئاسي كما كان الأمرفي المرة الأخيرة حول سوريا واليمن كان شبه مستحيل بسبب السابقة الليبية التي ستلقي بظلالها على مجمل أداء القوى الدولية الكبرى في المرحلة المقبلة.
تعرضت الأراضي التونسية وتحديدا عند معبر ذهيبة الحدودي لسقوط قذائف واختراق وحدات من كتائب القذافي للحدود، هل تعتقد أن القذافي يريد أن يزج بتونس إلى دائرة الصراع خاصة وأنها تشكل ملجأ على الأقل لمئات الآلاف من العائلات الليبية والأجانب الفارين ونقطة هروب وعلاج للثوار الجرحى؟
لا أعتقد أن سقوط عدد من القذائف على المناطق التونسية الحدودية مقصود، لأن النظام الليبي بحاجة إلى المتنفس التونسي، الذي كان استخدمه ماليا خلال فترة الحصار السابقة من عام 1986 إلى عام 2003. وكل الليبيين من كل المشارب يستخدمون هذا المتنفس. ولكن القرب الجغرافي لمعبر ذهيبة التونسي من مناطق الجبل الغربي، التي تشهد مواجهات بين الثوار وكتائب القذافي، أدى إلى حصول هذا الأمر ولا أعتقد أن له غايات أخرى.
أجرت الحوار شمس العياري
مراجعة: منصف السليمي