فتيات عراقيات يتحدين التقاليد بألعاب القوى "القتالية"
١ يناير ٢٠١٨فتاتان من العراق لجأن إلى رياضة القوة القتالية لإثبات وجودهما، منها للدفاع عن النفس ومنها لكسر العديد من العادات والتقاليد. هاتان الفتاتان تمثلان الكثير من الفتيات العراقيات اللواتي يزداد إقبالهن يوما بعد يوم على هذه الألعاب وسط مجتمع ذكوري بحت.
من منطقة معسكر الرشيد، جنوب شرقي بغداد، وجدنا فتاة تراها من بعيد بقصة شعرها القصيرة جدا وبملابس تشبه ألبسة الشباب كأنها شاب في مقتبل العمر، بينما في الحقيقة عندما تقترب منها وتتحدث معها تجدها فتاة رقيقة ذات معان جميلة تحمل جميع أنواع التحدي والإصرار، إنها المصارعة ولاعبة كرة القدم رانيا قصي.
ومن إحدى المحافظات الجنوبية في العراق ذات النظرة المقيدة جدا تجاه المرأة وجدنا فتاة أخرى كسرت تلك القيود بداية من حيث مسكنها بمنطقة شعبية تدعى حي الوحدة في محافظة الديوانية، ورغم الانتقادات الجارحة التي تسمعها بين الحين والآخر لكن طموحها جعلها تتخطى تلك العقبات، أنها لاعبة الكابادي تقى رحيم.
من كرة القدم إلى المصارعة الحرة
انطلقت رحلتنا مع رانيا، 17 ربيعا، طالبة مدرسة تكثف حاليا تمريناتها الرياضية تحضيرا لدوري قريب بكرة القدم بإحدى المحافظات العراقية وتنتظر، بذات الوقت، أن تقام التمرينات والبطولات في المصارعة الحرة لتشارك فيها كلاعبة من بغداد.
تقول رانيا لـ DW عربية: "بداياتي كانت مع كرة القدم وما زلت أمارسها لأنها عشقي، شاركت بعدة بطولات محلية حصلت فيها على ميداليات ومراكز طامحة مستقبلا ببطولات خارجية لأرفع أسم العراق عاليا".
بعد ذلك، اتجهت رانيا إلى رياضة المصارعة الحرة لتشارك ببطولة واحدة في محافظة الديوانية سنة 2016، كلاعبة من بغداد لتحصل على المركز الثالث، منذ ذلك الوقت تطمح رانيا إلى المزيد من البطولات في هذه اللعبة القتالية بالذات لأسباب عديدة.
عن الأسباب تتحدث رانيا: "أحببت المصارعة، كذلك اتجهت إليها لتحسين الوضع المادي لقلة الدعم لكرة القدم النسوية، لاسيما، أحاول عن طريق الرياضة مساعدة العائلة المتكونة من 15 فردا ونسكن بكرفانات بمعسكر الرشيد"، وتضيف: "أغلب اللاعبات يتنقلن من لعبة إلى أخرى لقلة الدعم للرياضة النسوية في العراق بشكل عام".
مكملةً الأسباب بالقول: "المرأة عندما تدخل مجالات كهذه تضطر في بعض الأحيان إلى التأخر عن البيت والسفر بحكم التمرينات والبطولات، في مجتمعنا توضع عدة علامات استفهام على هذه المرأة كأنها ارتكبت جريمة فأردتُ كسر هذه العلامة".
منذ أن دخلت رانيا مجال الرياضة والانتقادات تنهال عليها، لا سيما، أنها من منطقة شعبية تقيد المرأة حتى بملابسها، تتحدث: "كلام الناس لا ينتهي لذلك لا أهتم للانتقادات لطموحي الكبير بالإبداع بمجال الرياضة ككل"، تتابع: "اضطر بحكم منطقتنا ارتداء الحجاب من البيت إلى التمرين وبالعكس وفي أثناء التمرينات والبطولات أخلع الحجاب"، مضيفةً: "حاليا، قصصت شعري كالشباب خصوصا ملابسي تشبه ملابسهم، فعلت ذلك متعمدة لأرتدي القبعة بديلا عن الحجاب لأني غير محجبة والناس يظنون بأني شاب عند ارتداء القبعة".
الدفاع عن النفس
"علمتني المصارعة الحرة كيف أدافع عن نفسي"، هكذا تقول رانيا، تتابع: "تعرضت مع زميلاتي اللاعبات في أثناء خروجنا من التمرين إلى التحرش من مجموعة شباب تلفظوا بألفاظ مسيئة وقاموا بتصويرنا فاستخدمت قوتي القتالية وضربت أحد الشباب ومسحت الصور"، مضيفة "بالتأكيد إذا تكررت حالات كهذه معي فسأستخدم قوتي القتالية من دون تردد".
الداعم الأساسي لرانيا في رحلتها الرياضية هو والداها، وتقول عن ذلك: "رغم المعارضات الشديدة من الأقارب وبعض جيران المنطقة لكن عائلتي دعموني كثيرا لإكمال رحلتي الرياضية"، وتتابع: "تعرضت إلى التهديد لترك الرياضة، رفعوا علينا حتى دعاوى قضائية بتهم باطلة، عائلتي منعتني لفترة من إكمال الرياضة خوفا علينا، جلست نحو شهرين في البيت لكن التهديدات استمرت".
جراء التهديد "تعرض والد رانيا إلى الجلطة وتعرضت والدتها إلى مرض السكري"، مع ذلك استمرا بدعم رانيا ومساندتها لإكمال طموحها في مجال الرياضة.
معارضة الأب ثم موافقته
رحلتنا التالية كانت مع تقى، 18 ربيعا، من عائلة رياضية ودخلت تقى المجال الرياضي بدءا من كرة السلة والطائرة إلى كرة اليد لتستقر على لعبة الكابادي ذات القوة القتالية منذ دخولها العراق نهاية 2014، لتكون كابتن أول للفريق، خاضت العديد من البطولات المحلية والدولية لتتوالى عليها الكوؤس والميداليات، لكن هذا النجاح لم يأت من طريق سهل.
تقول تقى لـ DW عربية: "المرأة عندما يكون لديها طموح تتحدى جميع العقبات، واجهت الصعوبات بداية من البيت والمحيط الخارجي لأكسر القيود المفروضة على المرأة العراقية".
تتابع الحديث: "والدي كان معارضا بشدة دخولي الرياضة تحديدا لعبة الكابادي بسبب العادات والتقاليد وتحفظا من انتقادات المجتمع، خصوصا بمنطقتنا الشعبية: المرأة إذا خرجت من باب البيت تصبح كارثة وتنهال عليها الأقاويل الجارحة".
لكن والد تقى استسلم في نهاية الأمر ووافق على دخول ابنته لعبة الكابادي بعد أن رأى إصرارها وطموحها المتزايد ناهيك عن تردد بعض مشرفي اللعبة على والد تقى وعائلات بقية اللاعبات لبناء جسور من الثقة لتكون بعدها عائلتها من أكبر الداعمين لها.
انتقادات جارحة
بعد دخول تقى لعبة الكابادي تعرضت مع بقية زميلاتها اللاعبات إلى العديد من الانتقادات الجارحة، خصوصا وأن مجالها يتطلب في بعض الأحيان التأخير والسفر، لتقول: "من الانتقادات التي ضرتني كثيرا الحديث عن الملابس الرياضية التي نرتديها وخروجنا اليومي من البيت، وسابقا انهالت علينا التعليقات المسيئة على صفحات التواصل الاجتماعي وصلت لحد البكاء"، تتابع: "حزنت كثيرا وأردت ترك اللعبة لكن بتشجيع من العائلة تبنيت مبدءا في الحياة وهو: دع عملك يتكلم! ولم أعد أهتم لهذه الانتقادات الجارحة بعد اليوم".
تقول تقى: "دخلت الكابادي لأني أحببت اللعبة وأريد تحقيق الإبداع والإنجازات، وهي تهدف إلى نشر روح التعاون مابين الفريق الواحد، كذلك لأتحدى العائلات التي لا تسمح لبناتها الخروج من البيت وأثبت أن المرأة العراقية بطموحها قادرة على كسر جميع القيود".
تتحضر تقى إلى المشاركة ببطولة العالم في لعبة الكابادي التي ستقام في الهند، قائلة: "اطمح إلى هذه البطولة لأحقق الإنجاز ورفع اسم بلدي عاليا، ولقد تعاقد اتحاد الكابادي مع مدربة هندية للإشراف والتدريب على منتخب العراق للكابادي للرجال والنساء".
أمنيات 2018
أنهينا رحلتنا مع رانيا وتقى لتتمنى رانيا أن تكون في السنة المقبلة لاعبة منتخب بكرة القدم مع الاهتمام أكثر بالمصارعة النسوية داعية إلى المزيد من الدعم للرياضة النسوية في العراق، وتتمنى تقى التقدم للعبة الكابادي وتقديم الدعم المادي لها من الجهات المعنية لأنها بادرت في ذلك بجهود ذاتية مع انتظار اعتراف اللجنة الاولمبية للعبة.
فرح عدنان – العراق